لكل شيء حولنا قصة بداية، ابتداءً من أبسط الأشياء التي نستهلكها بشكل يومي وانتهاء بكبيرها والبارز منها، كسقف كنيسة سيستينا في روما التي تُعد قصة بدايتها ضمن ما ارتبط بإبراز عصر النهضة الأوروبية.
وعلى هذا السياق نجد قصص البدايات شملت حتى التماثيل التي تعكس قصصاً لحضارات وشخصيات أسهمت في إحداث تغيير في وقتها، ومع قصص البدايات نجد أن للترجمة دوراً كبيراً في نقل القصة إلى مختلف الحضارات والشعوب، فإما أن تُصيب أو تخطئ حسب دقة نقل المعنى والدراية به وليس فقط الحرف.
وفي تمثال النبي موسى -عليه السلام- دليل بالغ على أهمية الترجمة، حيث إنهُ جُسد بقرنين، والسبب يعود إلى عدم فهم دقة المعنى والاهتمام فقط بنقل السرد ككلمة.
فإليكم القصة:
شغفت الثقافة الأوروبية بتجسيد بعض الشخصيات المقدّسة إما عن طريق الرسم أو نحت التماثيل، وكان من ضمن الذين شغفوا بذلك البابا يوليوس الثاني، حيث اهتم بتجسيد شخصية مقدسة في الديانات لم يسبق أن جُسد كتمثال على الأقل في عصره، وهي (النبي موسى عليه السلام)، فطلب من عبقري الفن بالرسم والنحت (مايكل أنجلو) أن يعمل على التمثال، وحرص أن يتم تجسيد القرنين بجانب الألواح، والسبب خطأ في الترجمة يعود إلى القديس جيروم، وهو قديس المترجمين، حيث إنه حين عاد موسى من لقاء الرب في سيناء إلى قومه كان وجهه مشعاً، وكلمة إشعاع بالعبرية تشبه كلمة قرن، فاختار جيروم أن يترجمها (نما لوجه موسى قرنان) بدلاً من (كان وجه موسى مشعاً).
فكان هذا النص الذي أخذه البابا يوليوس الثاني كمرجع لوصف ما حدث حينما تلقى الألواح فكان هذا سبب وجود القرنين في تمثال النبي موسى عليه السلام.
هذا يجعلنا نُدرك أهمية الترجمة إلى اللغة الأم، حيث إن هناك مصطلحات يصعب إيجادها في اللغة الأم بنفس الكلمة المراد ترجمتها والعكس، وماحدث في تمثال النبي موسى عليه السلام دليل على ذلك.
من خلال هذا السياق الذي يعكس لنا أهمية أن يكون المترجم على دراية بالمعنى قبل المفردات لذلك رُبما لن يكون لثورة الذكاء الاصطناعي دور عميق في عالم الترجمة والدليل أن بعض النصوص يتضح أنه تم استخدام بعض مواقع الترجمة والتطبيقات لترجمتها، لأن المضمون في المعنى قد غاب وأصبح الاستناد كُلياً على الكلمة فقط، أضف إلى ذلك أن المترجم يستطيع أن يغوص بين الأفراد من الشعوب المختلفة مما يكون لديه المفاهيم التي يقصدونها عند استخدام بعض المصطلحات، فيكون ذلك بمثابة أدوات يتزود بها عند ترجمته سواء أكانت كتابية أم شفهية، وهذه النقطة ركيزة أساسية تغلب الذكاء الاصطناعي في الترجمة.
ختاماً.. هذا ما كان لدينا من وقفة على عمق الترجمة، خصوصاً وأن بلادنا الحبيبة في ظل قيادتنا الرشيدة قد شرعت أبوابها أكثر للعالم، وانفتحت بشكل أكبر، وأصبحنا حاضرين في المحافل العلمية والثقافية والتقنية والسياحية والرياضية.