حقق ناصر الصالح (1963 - 2025) مكانة مهمة في تاريخ الغناء السعودي، بوصفه ملحناً متمكناً ومكرساً وجوده الثقافي في فن الغناء حيث ألبس حناجر سعودية وخليجية وعربية ألحانه الجميلة.
وذلك الإنجاز ما كان ليكون لولا تراكم مسيرة الغناء السعودي التي أسهم فيها الرواد الأوائل، مغنون وملحنون: (طارق عبدالحكيم، مطلق الذيابي، عبدالله محمد، فوزي محسون) منتصف خمسينات القرن العشرين، دون تغييب جهود الشعراء، ثم حقق قفزات المرحلة الثانية كل من غازي علي، وطلال مداح، وداود هارون، وجميل محمود، وسامي إحسان، والمرحلة الثالثة ببشير حمد شنان، ومحمد عبده، وسراج عمر، وسلامة العبدالله، والمرحلة الرابعة التي ينتمي إليها جيل الصالح، على أنه تلته مرحلة خامسة يتألق ملحنوها الآن.
ويعد ناصر الصالح ملحناً، ولكنه عبر طريقاً طويلة بين 1978 -1992 اشتبه عليه دور المغني ليضلل الملحن، وجاء عام 1998 ليؤكد ذلك حاسماً وناقلاً إياه من مستوى الأحساء أو المنطقة الشرقية في السعودية نحو امتداد عربي بأصوات خليجية وعربية بداية من نوال وشمايل، ثم محمد عبده وأحلام وانتقل إلى أصوات لبنانية مثل يارا وكارول سماحة.
أكثر المغنين المحليين اعتمدوا على أنفسهم في التلحين بينما برز ملحنون من الجيل إقليمياً على رأسهم الملحن طلال (انطلق 1982) الذي يعد صانع أغنية بوصفه إلى التلحين كاتب أغنية باسم مستعار إبراهيم غازي، وصلاح الهملان (انطلق 1988)، فيما تردد بين الغناء والتلحين والعزف، كل من رابح صقر (انطلق 1982) الذي أعده عواداً متميزاً يفضل على صوته المتواضع وتلحينه الاضطراري الذي وضحت ملامحه منذ عام 1989 مع الشاعرة هتان، وناصر الصالح (انطلق 1988) بصوت متواضع كذلك وقدم أكثر من مجموعة غنائية منذ 1988، وقدم ألحانه إلى المغنين الأحسائيين المحليين، مثل خالد الربيع (مين أنا) (1988)، وعادل الخميس (البساط أحمدي) (1999)، وفتى رحيمة (كذا يرضيك) (2000).
لم ينضج لحنياً سوى عام 1996 بلحنه (أعاني) لنوال، وآخر العقد الملحن خالد عبدالكريم (انطلق 1990) ولكنه تكرس سريعاً حين فتح له الباب العالي حيث وصل إلى أصوات ناجزة مثل عبدالكريم عبدالقادر وعبدالله رشاد ونوال وطلال سلامة.
إن العلامتين البارزتين في منجزات هؤلاء الملحنين تكشف أسلوب كل واحد منهم. الأولى، المصادر الثقافية (تعليم متخصص وتدريب متمكن ومعرفة علمية) والثانية، الرؤية الثقافية (التخطيط والطموح والتعامل مع المتغيرات).
إذا توافر لكل من الأصوات رعاية ثقافية (تعليماً وتدريباً) مثل طلال سلامة وأسامة عبدالرحيم من المغني والملحن والمعلم الكبير غازي علي، وراشد الماجد من معلمه وأستاذه وداعمه حامد الحامد الذي اختار قصائد ولحنها له خصيصاً، فإن أسبقية رابح صقر أثرت على جيله، فأسقطتهم في ثنائية الغناء والتلحين مثل ناصر الصالح وعبدالله البريكان وعبدالرحمن الشومر على العكس من ذلك المدركة فصل أصواتها على ألحانها مثل عبدالمجيد عبدالله ومحمد ماجد وخالد الربيع، بينما الأمور حسمت منذ البداية عند الملحنين طلال وصلاح الهملان وخالد عبدالكريم.
وأما الصالح فإن مرجعيته الثقافية حكمت الكثير من ألحانه وأسلوبه التقليدي الذي مهما ألبسه علينا التوزيع، فهو واضح في استخدام المقامات ذات البعد المتوسط (الرصد والبياتي والهزام والصبا) على جمل لحنية قائمة على الترجيع (أو التطريب كما يخطئ الكثير) والزخرفات الصوتية، وأسعفته نصوص شعرية لعلي عسيري ومنصور الشادي وخالد العوض، وبرزت في ألحانه مع أصوات هي أقرب إلى أسلوبه مثل نوال ذات النصيب الوافر من ألحانه (1996 -2023) من نماذجها (أنا المسؤول) (1998) و(نجوم الليل)(2000) (دخيل الحب) (2006)، ومحمد عبده (2001 - 2021) ونماذجها (بنت النور) (2000) و(الأماكن) (2005)، وأحلام (2001- 2021) ونموذجها (أكثر من أول) (2006)، وراشد الماجد (2008 - 2020) تعلو على كل ما لحن له مقدمة مسلسل العاصوف (2018).
تكشف مسيرة ناصر الصالح اللحنية أسلوبه التقليدي أي أنه يركز على صياغات لحنية ترجيعية على مقامات البعد المتوسط، وإن تنوع في الإيقاعات وقع في أغنيات تنسخ بعضها عندما خرج إلى أصوات عربية مثل يارا (هدي أعصابك) (2008)، وكارول سماحة (ذبحني) (2009).
يمثل الصالح والهملان والعبدالكريم -الذي من الصعب الاستنتاج من تجربته القصيرة والنوعية- حالة الملحن الذي تحكمه مصادره الثقافية أو رؤيته المرهونة قيد أسلوبه وذوقه وجريان السوق الغنائي، وقبل ذا الفجوات الاجتماعية - الاقتصادية المنعكسة على شخصيته ومفهومه ومكانه وزمانه.
أثبت هذا الجيل من الملحنين بأنهم متطورون ومستجيبون لمتغيرات الزمان والمكان سواء حسم منذ البداية أو نتيجة خبرة، وأن تاريخاً من مراحل الغناء السعودي حمل على أكتافهم بوصفه عنصراً من عناصر الفنون أو الثقافة السعودية في القرن العشرين والواحد والعشرين.