استنـــاداً إلى قصــــة حقيقيـــة، يكتشف المتخصص بأمراض المخ والأعصاب، والطبيب الشرعي (بينيت أومالو) (النيجيري الأصل) والمهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، انتشار نوع من ارتجاج الدماغ لدى لاعبي كرة القدم الأمريكية. فهذه الرياضة (الشعبية الأولى في أمريكا) من أكثر الرياضات التي تحدث فيها صدمات رأس متكررة ومتراكمة (رغم وضعهم خوذات وقائية قوية). فيحاول الإعلان عما اكتشفه، لكنه يدخل في صراع كبير مع (رابطة كرة القدم الوطنية) وهي واحدة من أكبر المؤسسات الرياضية النافذة. فما هي تفاصيل هذه الدراما الرياضية الطبية؟
(الارتجاج) (كونكيشن) Concussion) 2015) هو فيلم دراما رياضية أنتج في الولايات المتحدة. وهو من تأليف وإخراج (بيتر لانديسمان)، استناداً إلى كتاب (Game Brain) لجين (ماري لاسكاس)، الذي نشرته مجلة (جي كيو) عام 2009. ويتكون طاقم العمل من: (ويل سميث) في دور (بينيت أومالو)، و(أليك بالدوين) في دور (جوليان بايلز)، و(ألبرت بروكس) في دور (سيريل ويشت)، و(غوغو مباثا-رو) في دور (بريما موتيسو)، و(ديفيد مورس) في دور (مايك ويبستر).
وعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان AFI في 11 نوفمبر 2015 وأصدرته شركة (كولومبيا بيكتشرز) في 25 ديسمبر 2015. ووزعت شركة (سوني) المنتجة للفيلم تذاكر السينما بالمجان للاعبي كرة القدم الأمريكية وأفراد عائلاتهم، كنوع من التشجيع لحضور الفيلم، وبرر منتج الفيلم، (ريدلي سكوت)، تسهيل حضور اللاعبين بأنه عمل يستهدفهم، ومن أجل ذلك لا بد أن يروه. وحقق إجمالي إيرادات 48,6 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، مقابل ميزانية قدرها 35 مليون دولار. وتلقى آراء نقدية متباينة، على الرغم من ترشح الممثل الشهير (ويل سميث) لجائزة (جولدن جلوب). والعمل مدة عرضه 122 دقيقة.
الأحداث الدرامية والطبية
في عام 2002، عُثر على (مايك ويبستر) لاعب الوسط الشهير والمتقاعد في فريق (بيتسبرغ ستيلرز) ميتاً في شاحنته الصغيرة. وذلك بعد سنوات من التشرد والإيذاء البدني الذاتي. وقبل وفاته، أخبر زميله لاعب كرة القدم السابق (جاستن سترزيلتشيك) أنه يعاني من فقدان الذاكرة، ويقول أشياء غريبة لأطفاله، وكاد يصطدم زوجته إلى الحائط. ويتم تشريح جثة اللاعب (ويبستر) من قبل د. (بينيت أومالو)، وهو مختصص في أمراض المخ والأعصاب ويعمل طبيباً شرعياً في مكتب الطب الشرعي في مقاطعة (أليغيني) بولاية (بنسلفانيا). ويتساءل د. (بينيت): كيف يمكن لرجل سليم أن تتدهور صحته بهذه السرعة؟! ثم يقوم بفحص مُكثف لشرائح مجهرية لدماغ (ويبستر)، فيرى أدلة على إصابة عصبية شديدة. ويخلص إلى أنه توفي نتيجة للتأثيرات طويلة المدى للضربات المتكررة على الرأس، وهو اضطراب يطلق عليه اسم: (اعتلال الدماغ الرضحي المزمن) (Chronic traumatic encephalopathy (C.T.E.
وتردد لاعبون على الطبيب (بينيت) يشتكون معاناتهم من (اضطراب اكتئابي ونفسي ومن فقدان الذاكرة). لكن الفحوصات الطبية لم تظهر أي ضرر في أدمغتهم. وبمساعدة طبيب فريق (ستيلرز) السابق (جوليان بايلز)، وطبيب الأعصاب (ستيفن ديكوسكي)، وطبيب المقاطعة (سيريل ويشت)، ينشر (بينيت) نتائج فحوصاته في مجلة جراحة الأعصاب. وتبين له عبر فحوص أجراها على أدمغة جثث اللاعبين، أنها حوت نسبة عالية من (البروتينات) التي تسربت من الشرايين بسبب صدمات الرأس المتكررة، مما يؤدي إلى شلل المخ. وقد قام (بينيت) بتمويل البحث على نفقته الخاصة، إلا أن أصحاب القرار كان لهم رأي مغاير. فقامت رابطة كرة القدم الأمريكية برفض هذه النتائج. وتم اتهامه (بتزوير الحقائق والتشكيك بمهنيته).
وفي السنوات اللاحقة، يكتشف (بينيت) أن (سترزيلتشيك) ولاعبين آخرين في اتحاد كرة القدم الأمريكية، (تيري لونج) و(أندريه ووترز)، قد توفوا مُظهرين نفس الأعراض المرضية التي مات بها (ويبستر). وأعراض هذا المرض، يصيب أيضاً الملاكمين والمصارعين ولاعبي هوكي الجليد، ولا يمكن تشخيصه إلا بعد الوفاة واستئصال عينة من المخ لدراستها.
ويحاول (بينيت) إقناع (روجر جوديل) مفوض اتحاد كرة القدم الأمريكية المعين حديثاً بالسماح له بتقديم نتائجه البحثية أمام لجنة سلامة اللاعبين. لكنه مُنع من حضور اجتماع اللجنة. مما أجبر (جوليان بايلز) طبيب فريق (ستيلرز) السابق على تقديم العرض نيابة عنه. ولم تأخذ رابطة كرة القدم الأمريكية النتائج على محمل الجد. وزعمت أن صدمة رأس اللاعبين لا علاقة لها بممارسة كرة القدم. وبغضب (عنصري) يواجه (ديف دورسون) المدير التنفيذي السابق لرابطة لاعبي اتحاد كرة القدم الأمريكية (بينيت) ويهدده بترحيله وإعادته إلى بلده الأصلي (نيجيريا). و(الابتعاد عن لعبتنا).
ضغوط متواصلة
يتعرض (بينيت) لضغوط كبيرة للتراجع عن نتائجه البحثية، حتى وصل الأمر إلى تهديده بالقتل. حيث تعد كرة القدم رياضة محبوبة على نطاق واسع في (بيتسبرغ)، وتوفر فرص عمل وفرصاً جامعية. وفي مشهد يصف حالة (الإدمان) على كرة القدم الأمريكية، يعبر مدير المستشفى (لبينيت) عن أهمية اللعبة في أمريكا بقوله: (إن يوم الأحد كانت تملكه الكنيسة، أما الآن فهو ملك الدوري الوطني لكرة القدم).
ويخضع طبيب المقاطعة (سيريل ويشت) لملاحقة قضائية ذات دوافع سياسية بتهمة الفساد. ويتعرض (بينيت) للتهديد بالسجن بتهمة (تشويه صورة اتحاد كرة القدم الأمريكي). وتعاني زوجته (بريما) من الإجهاض بعد تعقب سيارتها. ويضطر (آل أومالو) لترك منزل أحلامهم خارج (بيتسبرغ)، والانتقال إلى (لودي)، كاليفورنيا حيث يحصل على وظيفة في مكتب الطب الشرعي لمقاطعة (سان جواكين).
وبعد ثلاث سنوات، يتم تبرئة (بينيت) عندما ينتحر (دويرسون) (المدير التنفيذي السابق لرابطة لاعبي اتحاد كرة القدم الأمريكية) بسبب عدم قدرته على التعامل مع تدهور وظائفه الإدراكية. وفي رسالة انتحاره، يعترف أن (بينيت) كان على حق، ويوصي بإخضاع دماغه للأبحاث المستقبلية. ثم تتم دعوة الطبيب (بينيت) لإلقاء محاضرة في مؤتمر اتحاد لاعبي كرة القدم الأمريكي حول الارتجاجات ومرض (اعتلال الدماغ الرضحي المزمن). فيقول: (إنه تمنى ذات يوم لو لم يعرف اللاعب الشهير (مايك ويبستر). لكن بمعرفته، فإنه يتحمل مسؤولية إبلاغ لاعبي اتحاد كرة القدم الأمريكي بالمخاطر الحقيقية التي يتعرضون لها من اللعب). ويقول: (إنه لا يحمل أي ضغينة تجاه اتحاد كرة القدم الأمريكي، ويطلب منهم أن يسامحوا أنفسهم وأن يكونوا في سلام).
وفي خضم التدقيق المتزايد من الكونجرس، اضطر اتحاد كرة القدم الأمريكي إلى التعامل مع قضية الارتجاج على محمل الجد. وفي عام 2011، رفع لاعبو اتحاد كرة القدم الأمريكي دعوى قضائية ضد الدوري لعدم إبلاغهم بشكل صحيح بمخاطر (اعتلال الدماغ الرضحي المزمن). عُرض على الدكتور (بينيت) وظيفة كبير الأطباء الشرعيين في مقاطعة (كولومبيا)، لكنه رفض العرض ليبقى مع عائلته في (لودي). وكما أصبح مواطناً أمريكياً في فبراير 2015. ويتضمن المونتاج النهائي للفيلم تقارير عن انتحار (جونيور سيو) سنة 2012 والدعاوى القضائية اللاحقة التي رفعها الآلاف من اللاعبين السابقين ضد اتحاد كرة القدم الأمريكي.
من خلفيات الفيلم
- بدأ التصوير الرئيس في 27 أكتوبر 2014، في بيتسبرغ، بنسلفانيا، وتم التصوير هناك حتى منتصف يناير.
- الممثل الأمريكي الشهير (ويل سميث) هو أصلاً من عشاق كرة القدم الأمريكية ومشجع لها، كما أن ابنه (تراي) مارسها فعلياً لمدة أربعة أعوام. وهذا ما شكل حالة من التناقض والصراع النفسي لدى الممثل، لكن جودة النص وتأثره بقصة الطبيب، أجبرته على احترام العمل والمشاركة فيه.
- وقال (سميث): (عندما كان ابني يمارس اللعبة كنت قلقاً عليه من إصابة عموده الفقري أو كسر عظامه، ولم تكن لدي أي فكرة أن صدمات الرأس التكرارية قد تؤدي إلى ضرر دماغي).
- اعتبر (سميث) شخصية الطبيب (بينيت أومالو) ذي البشرة السمراء نادرة من نوعها. لأنه هاجر من النرويج إلى أمريكا التي يراها (الجنة الموعودة). ولقد عانى، رغم إنجازاته العميقة وبحوثه الطبية، من أنواع العنصرية في أمريكا، فقط بسبب لون بشرته، متهمين إياه بـ(التبجح والتطاول على لعبة أمريكا الشعبية).
- قال منتج الفيلم (ريدلي سكوت) في بيان صحفي: (إن ويل سميث قدم في الفيلم واحداً من أجمل أدواره مجسداً شخصية الطبيب (بينيت)، الذي ألقى الضوء على الحقيقة، وكان كل شيء ضده، لكنه وقف إلى جانب الحق، والآن يتحدث الجميع عن إنجازاته). وأشادت وكالة (أسوشيتد برس) بأداء (ويل سميث) لكونه (حساساً وغير مبالغ فيه). كما لاقى أداء (أليك بالدوين) استحساناً جيداً، على الرغم من انتقاد لهجته.
- أجمع النقاد على أن الفيلم حقق نجاحاً كبيراً عبر تمثيل جيد لموضوعه المثير للإعجاب، حتى وإن كانت بنيته الدرامية الرياضية التقليدية آمنة للغاية.
- في دراسة طبية (عام 2018) تبين أن كل عام يلعب فيه الرياضي كرة القدم الأمريكية (قبل سن 12 عاماً) يتعرض لظهور مبكر (بمتوسط عامين ونصف) لأعراض (الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن)، وتشمل: مشاكل معرفية وسلوكية ومزاجية.
- نظراً لصعوبة التشخيص النهائي للمرض إلا بعد الوفاة.. أُجريت دراسة على لاعبي كرة القدم الأمريكية (في دوري الجامعات الأول خلال موسم رياضي)، للتوصل لتشخيص الإصابة عبر ميكروبيوم الأمعاء. حيث ظهر انخفاض نوعين من البكتيريا الموجودة عادةً بكثرة في الأمعاء في عينات البراز التي جمعت من لاعبين شُخصوا بالارتجاج، بالمقارنة مع الموجودة في عينات مأخوذة من أصحاء. ووجد ارتباط بين بروتينات الدم المرتبطة بإصابات الدماغ الرضحية المزمنة، ونوع بكتيري مرتبط بإصابة الدماغ. وتقول الدكتورة (سونيا فيلابول)، عالمة أعصاب في مستشفى (هيوستن ميثوديست) التي قادت الدراسة في جامعة (رايس): (باستطاعتنا اليوم أن نقول للمريض إننا لم نجد أي شيء غريب في التصوير التشخيصي للأعصاب (Neuro-imaging) ولم تُظهر تحاليل الدم أي شيء مثير للريبة. لكن يبدو أن هنالك نقصاً في البكتيريا المفيدة المُحفزة للجهاز المناعي، لذا ننصح بأخذ قسط من الراحة حتى تتحسن).