مجلة شهرية - العدد (583)  | أبريل 2025 م- شوال 1446 هـ

فنون النحت والتشكيل والرسم بالحلويات

مما لا شكّ فيه أن الفنون الإبداعية تطوّرت كثيراً في العقود الماضية، ومنها الفنون التشكيلية التي أصبح لها أساليب ومدارس جديدة متنوعة، وكذلك فنون النحت والخطوط وغيرها، حيث تبقى هذه الأعمال الفنية خالدة تسجّل باسم مبدعيها. ولكن ماذا لو كانت هناك أعمال فنية تبدو كأنها حقيقية، وهي من إبداع أشخاص موهوبين تُغري المتفرج بمشاهدتها والتمعن بموضوعاتها والتي هي مشاهد واقعية وانطباعية ومنحوتات تعتمد مبادئ وقواعد فنون النحت المعروفة وهي: (الكتلة والفراغ)؟ ليُفَاجَأ المُشاهد أن الذي أمامه عبارة عن أعمالٍ فنية يمكنه أكلها بعد مشاهدتها، وهذا فنٌّ جديد نسبياً أطلق عليه (فن تنسيق الحلويات)، وهو ينتمي للفنون التركيبية والتطبيق ية ولمهارات الفنون والحرف اليدوية.
في عام 2007 تأسست مسابقة على شبكة الإنترنت دعيت باسم (ثريد كيكس)، وهي مسابقة سنوية يشارك فيها أمهر مصنعي الكعك والكاتوه في العالم، حيث يقدّمون منحوتاتهم بطريقة النحت والتصميم الثنائي والثلاثي الأبعاد، ويتنافسون على الفوز بأفضل منحوتات الكعك في العالم، وبعد صدور نتائج المسابقة تؤكل هذه الأعمال اليدوية من قبل من يشتريها، وبالتأكيد بأسعار جيدة حسب الإبداع فيها من قبل مصنّعها.
وفي فندق (ذا باركلي) بالعاصمة البريطانية لندن يقوم الطهاة هناك بتصميم حلويات مستوحاة من أعمال مصممي الأزياء كالأحذية والحقائب والألبسة، لتُقدَّم مع الشاي الإنجليزي الشهير بعد الظهر، حتى أنّ أحد أشهر مصممي الأزياء العالميين وهو (جيمي تشو) عَمِلَ مع الفندق لتقديم تشكيلته الجديدة على طريقة التصميمات العالمية، وعلى مدى أسبوع كامل قُدّمت تلك التصميمات من الحلويات في أطباق أنيقة إلى جانب مختلف أنواع الشاي المحلية والمستوردة، وفتح فريق التصميم العامل مع المصمم جيمي تشو الأبواب وعرضوا القطع العريقة على طهاة الحلوى في الفندق الذين قاموا بتنفيذها بشكل يؤكل، ومنها أحذية بالكعب العالي، وشنطة بألوان الحمار الوحشي.. وتصميمات كثيرة أخرى، وحُولت جميعها إلى قطع من الحلوى والبسكويت، وزُينت بنفس الألوان.
التنافس في التصميم والنحت للحلويات والشوكولا
في عام 2010 قام أحد أصحاب شركات الحلويات الشرقية في العاصمة السورية دمشق، ومن خلال الحرفيين لديه بعرض أكبر لوحة فسيفساء محضّرة من الحلويات الشرقية كالبقلاوة والبللورية والكنافة.. وغيرها، فاستحقت دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية، حيث عرضها في مدينة المعارض الدولية بدمشق، وكانت بأرقامٍ مذهلة، حيث بلغ طول علبة الحلويات 112 متراً وبعرض 120سم، وتخلل العلبة قناطر بعرض 220سم، ووصل وزن العلبة الإجمالي لأكثر من 12 طناً، والوزن الصافي للعلبة يزيد قليلاً عن 4 أطنان، وبلغ عدد القطع الفسيفسائية من الحلويات أكثر من ستمئة ألف قطعة من جميع أنواع الحلويات الشرقية المصنعة من الجوز واللوز والفستق الحلبي والكاجو وغيرها (وكل قطعة لا تزيد أبعادها عن 2,5*2,5سم)، كما بلغ عدد العاملين في إنجاز هذا العمل الضخم 80 عاملاً وموظفاً من الشركة. وقد أدهش العمل هذا مدير شركة غينيس للأرقام القياسية في لندن فقال لصاحب الشركة: أنت حولت الحلويات إلى فن! وكانت اللوحة الفنية العملاقة تتضمن أعمالاً فسيفسائية للمواقع التاريخية والأثرية السورية، وعندما عُرِضَتْ على الجمهور، الكثير منهم لم يصدّق أن ما يرونه حلويات تؤكل، وصاروا يلمسون قطعها بيدهم ليتأكدوا أنها فعلاً حلويات، والبعض منهم تَعِبَ وهو يحاول مشاهدتها جميعها، حيث سيسير مشواراً لأكثر من مئة متر ليشاهد كل جزء وقطعة منها بشكلها الفسيفسائي وزخرفتها الفنية ومناظرها الفريدة.
وبعد كل هذا العمل الطويل والمُجْهِدْ كان مصير هذه اللوحة الفنية الضخمة الأكل من قبل أشخاص يحبون تناول الحلويات الشرقية!
نماذج إبداعية رمزية من الحلويات
كما يتنافس الطهاة على تقديم أطباقهم بمذاق مميّز وجودة عالية، ليتركوا بصماتهم عليها؛ فإن هناك أيضاً رسامين ونحاتين أكاديميين تخصصوا وتفرغوا لتصميم وتقديم الحلويات بأشكال فنية مستوحاة من الأشياء المعاصرة والتراثية ومن خيالهم الإبداعي، حيث يحلّق في عالم الجمال والإبداع، ومنهم الفنانة التشكيلية (رودا قازنجي) المقيمة في (أبوظبي)، حيث تقوم بتصميم نماذج متنوعة من الحلويات الجافة والشوكولا والبسكويت لتقدّمها للجمهور في معارض فنية ومناسبات الأفراح والأعياد، لتُؤكل فيما بعد من الجمهور، وكانت قد أطلقت موقعاً على شبكة الإنترنت دعته (فن الحلويات). وتقول رودا في لقاء لي معها قبل فترة حول أعمالها الفنية: أسلوبي الفني هنا هو الذي يدخل البهجة والفرح إلى النفس بطريقة مرحة، وهي من متع الحياة، وأستخدم هذا الأسلوب عن طريق بعض المواضيع والمناسبات، حيث لدي بعض طرق وأدوات معينة لتشكيل العيّنة التي أريد صنعها باستخدام مهاراتي الفنية ومن مخيلتي، فأنا أستخدم عجينة السكر للكاب كيك وكريمة الأيسنغ للكوكيز والبسكويت. أما مواضيع الأشكال الفنية لحلوياتي فغالباً تكون من مخيلتي ومن الحياة الواقعية وبعضها من مصادر عبر الإنترنت، ولكن أضفي عليها لمساتي الفنية وبصمتي في هذا المجال. بعض النماذج التي أبدعتها مؤخراً في مجال فن الحلويات ومنها مثلاً أبريق من الشوكولا والكريما وهناك البسكويت المغطس بالكريما الملونة والمنفّذ بشكلٍ متقن بحيث يظهر وكأنه لوحة فنية عليها مثلاً (السلّم الموسيقي أو أوراق النباتات والأشجار وأزهار الربيع بألوانها الزاهية الخضراء والصفراء والحمراء) وغير ذلك، هناك مثلاً عمل (البحر)، وهو مستوحى من الشاطئ، فيظهر مثلاً على قطع الشوكولا والبسكويت البحر بلون مياهه الزرقاء، وهناك شكل الموجة البحرية.. وغير ذلك، مع كتابة عبارات معبرة مثل كلمة الصيف باللغة الإنجليزية، لتدلل رودا على رمزية هذا العمل، حيث البحر مقصد الناس في فصل الصيف، وهناك مثلاً أدوات الرسام كالريشة والوعاء الذي يخلط به الرسام صبغات ألوانه وضعتها رودا بشكل رمزي على أعمالها في الحلويات الفنية.
إبداعات من الحلويات خاصة بالأطفال
منذ عقود انتشرت في الأسواق العربية حلويات بسيطة خاصة بالأطفال، صممت من قبل اختصاصيين بأشكال محببة للأطفال كالألعاب والسيارات، حيث تُدهش الطفل، ويعتقد أنها لعبة حقيقية، وتكون المفاجأة الطريفة عندما يقوم أهله بحثّه على تناولها، فيشعر الطفل بسعادة وسرور، ومن هذه الحلويات الجافة مثلاً ما كان مستوحى من مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية، مثل حلوى (قبقاب غوّار الطوشة) وهي حلوى بسيطة تصمم على شكل (القبقاب)، وهو حذاء للرِجل يُستخدم في المنازل والحمامات ويصنّع بشكل تراثي من الخشب، وكان من أشهرها القبقاب الذي كان ينتعله الممثل الكوميدي السوري دريد لحام (غوار الطوشة) في مسلسلات الستينات والسبعينات، ومنها (صح النوم وحمام الهنا وغيرها) وفي السنوات الأخيرة كان هناك حلويات للأطفال أيضاً مستوحاة من ألبسة مسلسلات شهيرة مثل باب الحارة.. وغيرها.
(سماح عوّاد) فنانة تشكيلية درست الفنون في معهد الفنون الجميلة، ولكنها اختارت أن تتخصص في تصميم وإبداع لوحات فنية للأطفال قوامها الحلويات، بحيث يأكلها الطفل بكل سلاسة وسرور بعد أن تدهشه أشكالها الجميلة، تقول سماح في حوار لي معها: أنا أحب توظيف الفن بالحلويات الخاصة بالأطفال، وبشكل ملفت للنظر من خلال (الكيك والبوب كيك) والمصاصات أحوّلها لأشياء جميلة، كما أنني لاحظت مؤخراً أنه لم يعد هناك أطعمة نظيفة، وهذا أحد دوافعي لأصمم مثل هذه المأكولات للأطفال، بحيث تكون نظيفة أنيقة ومفيدة يحبّها الطفل، ومما أحضّره على سبيل المثال: المصاصات بشكل مختلف عن المصاصات العادية، حيث آتي بحبات التمر أطحنها وأضيف لها المنكّهات وأغلفها بكيك وأغطّسها بالشوكولا وألوّنها بألوان زاهية، وبالتالي فإنَّ الطفل يظنّ أن هذه القطعة مصاصة فيتناولها بشهية، وبالتالي أقدّم له مادة غذائية لذيذة المذاق وذات قيمة غذائية جيدة من خلال مكوناتها الرئيسة، أحضّر من التوب كيك مثلاً (شخصيات الأفلام الكرتونية) للأطفال مثل سبونج بوب ولعبة الجوّال الأنجري بيردز (الطيور الغاضبة)، حيث أصممها من عجينة اللوز، كذلك وضعت في تصاميمي الكورن فليكس وهو محبب لدى الأطفال حيث أضعه على التوب كيك مع الكريما، كذلك صممت البيرنسز (الأميرات) اللواتي يظهرن في أفلام الكرتون، قمت بتصميمهن من الكيك وعجينة السكر وكريمة الزبدة بطبقات مع التغليف الصحي، وأشكّل فستان الأميرة وبداخله توب كيك والمجسّم هنا صعب، حيث أتيت بأوراق ملونة وخشبة صغيرة لأنفّذ الرأس، فظهرت الأميرات بشكل جميل والطفل ينجذب لهذه الأشكال ويأكلها بتلذذ، صممت التوب كيك مثلاً على شكل (خواريف)، والتمر المحشي بالشوكولا أو المارشملو ومغطى بالشوكولا ومزيّن بشكل جميل وضعته بسلّة بشكل يلفت انتباه الأطفال، كذلك آتي بحبّة تمر وأحشوها بـ(مارشميلو) وأضيف لها الشوكولا وألوّنها وأرفقها بعود صغير وأغلفها بشكل صحي، هناك (هيلوكاتي أو لولو كاتي) من أفلام الكرتون، وهي (قطّة) محببة للأطفال حولتها لمصاصة لهم حضّرتها من عجينة السكر التي أعّدها بشكل شخصي حتى أضمن أن تكون نظيفة وصحيّة، ولا آتي بها جاهزة، كذلك حضّرت لهم (السنافر) وأحذية وربطات عنق من الكاتوه وعجينة السكر أو عجينة راس العبد، تؤكل وتتميّز بأنها ذات نكهة وجودة وقيمة غذائية، وهناك البسكويت، إذ قمت بشكّه بأسياخ وشويته على شكل (كباب) ولففتها بشكل أنيق، عجينة البسكويت حولتها لصحون صغيرة وفناجين وحشيتها بالكورن فليكس أو الشوكولا والمارشملو وطابات الشوكولا وسمارتيز، حضّرت مثلاً شعارات وسائل التواصل الاجتماعية (الواتساب والفايبر والفيسبوك) وغيرها بشكل جميل ولطيف ولذيذ المذاق.

ذو صلة