اعتدت من خلال وصايا (عشق أمي التربوي) أن أتوحد مع الذين أحملهم ويحملونني، أن أبذل لهم أكثر مما ينتظرونه مني، وأن أتمسك بمعايشتهم آناء أوجاعهم، وأحزانهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
الطواف عن الآخرين وسيلة للشفاء حين يكون آتياً من نية سرية لم تحتفظ بها غير ألواح الغيب، وسجلات النيات البيضاء التي لا تنتظر جزاءً ولا شكوراً، الشفاء للذين يلتصقون بمن يحملوننا عادةً ما يجيء بشفاء أرواح أهله أولاً، وإيقاظ داخلهم المحبة، وتأصيل العطاء المبعوث من كل نفس مطمئنة تحطم بهذا الطواف كل المسافات، والآلام، وتتصالح مع خبايا الذات على طريقة (كتاب العشق التربوي) الذي كتبه الإسلام في صدر كل واحد منا، وأوحى إلى المرء بتصفح أوراق كتاب عشقه الخاص به؛ ليكون على استعداد دائم لاختيار أيهما يبدأ به؟ وما الأعمال التي تبدأ عطاءً لقطف ثمار الروحانية، والتواصل البشري الدائم مع السماء.
كل ما يعيشه المرء من تراكمات تجاه أي إنسان بالكون مع الوقت قطعاً ستذوب؛ فالنفس الزكية قادرة على غسل ذاكرتها مما علق بها من قسوة، أو إساءة لو بعد حين. إنني على يقين بأن الله خلق صدورنا بيضاء نقية، وأنه لا يسلب منا شيئاً إلا ليعوضنا بما هو أعظم وأثمن منه، وأنه قادر على ترضيتنا به ولو بعد حين بعشق يغير مسامات أرواحنا، ويطمئن قلوبنا النابضة بمن عشقناهم.
حين نعيش في فوضى نختلف كثيراً عن حالتنا الطبيعية؛ فيتطور داخلنا شعور بعدم الكشف عن حقيقة ما نعيشه، نظن هي قوة، أو رغبة في عدم مقاسمة الآخرين ضعفنا الذي نعيشه مع أن مشاعرنا خلقت فطرية كسنبلة ما إن تُبذر حتى تنتظر المطر، إننا بشر انغرست في أرواحهم كل تفاصيل الرحمة مهما خبأنا، أو زعمنا أننا أقوياء، أو انهرنا فأثبتنا عكس ذلك. فالحقيقة ستتجلى حين نخلو بأنفسنا، عندها فقط سنبدو أكثر وضوحاً معها، وستتجلى هذه الحقيقة الغائبة التي لم تظهر أمام الذين دسسنا عنهم فوضانا الداخلية، إننا نعيش وفي دواخلنا مجموعة أحاسيس صادقة؛ لهذا نحن بكل ما فينا صادقون، وإن اختبأت في صدورنا خيبات، أو تجارب أليمة، سننجو في خلواتنا، من كل ما يعكر صفوها، أو ينقض وضوءها، ويزلزل أركانها.
لا تخافوا أبداً؛ (إنَّ الله معنا) إن الله في صدورنا باستمرار. إن الله لا يريد بعباده الصابرين إلا خيراً. الذين يمتحنهم في أجسادهم، وقلوبهم هم تماماً كالذين يمتحنهم في كل أشيائهم الجميلة حتى ينغرس داخلهم إيمان بأنهم -من آل أيوب- وعليهم الصبر طوال أعمارهم، وأن حظوظهم دوماً مؤجلة، ولا يمكن أن يتحقق لهم شيء أبداً.
إذن كل ما علينا هو الصبر في امتحانات الأقدار، والقلوب، والنوازل؛ لأن في داخلنا يقيناً بأننا ما خلقنا عبثاً، وأن لنا في سماء الغيب حظاً وفيراً، وهبة لصدورنا ستجعلنا في سعادات دائمة.