مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

توقعات الاقتصاد العالمي

المراقب للتحولات الاقتصادية الدراماتيكية خلال السنوات العشر الماضية يلاحظ تداخل المتغيرات السياسية والتكنولوجية والديموغرافية بشكل متسارع، ما أنتج حالة اقتصادية غير مسبوقة تتمثل بانتقال الثروات من دول وأقاليم جغرافية إلى دول أخرى، وأصبحت قطاعات صناعية تقليدية عرضة للتهديد والاختفاء وبخاصة في مجال التكنولوجيا مثل شركة كومباك، التافيستا، بالم وغيرها من الشركات المالية مثل شركة باين ويبر التي تأسست عام 1880 واندمجت مع شركة أخرى عام 2000 وهناك العشرات من الشركات اختفت عن الوجود بسبب الإفلاس وعدم قدرتها على مجاراة التحولات الاقتصادية أو التكنولوجية الجديدة، إضافة إلى أن ارتفاع كلف الإنتاج في بعض الدول مثل أمريكا وبخاصة أجور العمال والتأمين أدى إلى انتقال كثير من الشركات العالمية إلى دول ذات تكاليف إنتاج منخفضة مثل الصين والهند والبرازيل ودول أخرى في أفريقيا وآسيا، هذا التحول خلق حالة من التحديات الاجتماعية في تلك الدول المصدرة للاستثمارات تمثلت بارتفاع كلف المعيشة وارتفاع نسب البطالة وبالتالي إحداث تحولات اجتماعية متمثلة بانخفاض نسب الإنجاب وارتفاع نسب كبار السن، ما أدى إلى ارتفاع كلف إعالة الأفراد غير المنتجين على الدولة وبالتالي رفع قيمة الضرائب على المواطنين، كل ذلك كان سبباً في سعي الدول الغنية والمتفوقة تكنولوجياً إلى تطوير قدراتها التسليحية والسعي نحو استغلال ثروات الدول الضعيفة مما خلق بيئة خصبة للفوضى السياسية في كثير من الدول ذات الثروات الوفيرة مثل بعض دول أفريقيا وبعض الدول العربية.
من المتوقع خلال السنوات العشر القادمة استمرار سمة الاندماج لكبرى الشركات لمواجهة المنافسة القوية من الشركات الجديدة التي دخلت الأسواق وأصبحت تهدد عروش شركات كبرى تقليدية، وبخاصة الشركات الصينية في مجالات التكنولوجيا وصناعة السيارات. فالمراقب لهذه القطاعات يلاحظ انتشار السيارات الصينية المنشأ مثلاً في دول عديدة وأصبحت تهيمن على أسواق السيارات في مختلف أنحاء العلم.
وحسب توقعات بنك ستاندرد تشارترز لواقع الاقتصاد العالمي عام 2030، ستحل الصين في المرتبة الأولى عالمياً من حيث نمو الناتج القومي الإجمالي تليها الهند ثم أمريكا، ثم إندونيسيا ومن ثم تركيا والبرازيل، كما وردت مصر من بين الدول المتوقع لها نمواً يصل إلى 30 % مع حلول عام 2030. هذه الدول المتوقع لها صدارة النمو الاقتصادي عام 2030 تتصف بارتفاع معدلات النمو السكاني وكثافة سكانية مرتفعة وهذا يشير إلى علاقة قوية ما بين النمو الاقتصادي وعدد السكان وبخاصة الدول التي تفوق فيها شريحة الشباب على كبار السن، بمعنى أن الشرائح السكانية الفتية هي الأقدر على الصمود اقتصادياً والأقدر على الإنتاج والاستهلاك في نفس الوقت.
علينا التركيز على أمرين: التعاون الدولي بين الحكومات فيما يتعلق بالتغير المناخي وبخاصة فيما يتعلق بالتجارة الدولية، وأهمية تغيير النمط الاستهلاكي للأفراد في الدول الغنية ليصبحوا أكثر شعوراً بالمسؤولية تجاه البيئة وتجاه المجتمعات الفقيرة.
إن صراع التقدم التكنولوجي والاستحواذ على آخر الابتكارات أصبح هو المقياس لتقدم الدول والأفراد، وهذا السباق قد يفضي إلى تحول الصراع من تكنولوجي اقتصادي إلى صراعات عسكرية قد تقود إلى تغييرات ديموغرافية على مستوى العالم، خصوصاً أن هذه التغييرات التكنولوجية فتحت الآفاق أمام كافة شعوب الدنيا بأن تسعى إلى قبول التغيير والتحرر من قيود الماضي وبخاصة جيل الشباب الذي يسمى جيل (Z). حيث يعد أعضاء جيل Z من أكثر الأجيال تقنية، فقد تربوا في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية بشكل عام، ولديهم القدرة على التفاعل الاجتماعي وبناء العلاقات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى بشكل أكبر من الأجيال السابقة، إضافة إلى القدرة على الابتكار وريادة الأعمال، حيث يعبر العديد منهم عن رغبتهم في إنشاء مشاريعهم الخاصة والعمل في بيئة عمل مرنة. كل ذلك من شأنه المساهمة في إنشاء أعمال جديدة ابتكارية غير تقليدية وقابلة للقبول والانتشار في جيل متقبل للتغيير والأفكار الجديدة بعيداً عن القيود الاجتماعية. وهذا ما نشهده في التحولات الاقتصادية والاجتماعية في دول الخليج التي تسعى بشكل سريع إلى مواكبة التحولات الاقتصادية الاجتماعية العالمية بشكل كبير وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية، حيث تسعى المملكة ضمن رؤية واضحة إلى قيادة اقتصاد بديل للبترول لتكون مركزاً تجارياً وسياحياً عالمياً ونقطة التقاء كبرى مراكز التجارة العالمية، مستغلة في ذلك عوائد البترول لصنع هذا التغيير.

ذو صلة