مجلة شهرية - العدد (576)  | سبتمبر 2024 م- ربيع الأول 1446 هـ

مستقبل صناعة الهيدروجين الأخضر في الطاقات المتجددة

بدأت الدول العربية خلال العقود الأخيرة في دخول غمار الطاقات المتجددة، وبخاصة في مجال إنتاج الطاقة الشمسية والريحية. غير أن ما أصبح لافتاً للانتباه التوجه الأخير نحو مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، باعتبارها مستقبل الطاقة النظيفة في المستقبل لخصائصها المتميزة والإمكانات الواعدة التي يمكن أن تحل بها مشكلة الطاقات الأحفورية الملوثة بشكل خاص. في هذا السياق تقوم مجموعة من دول المنطقة العربية بتحركات مكثفة لجذب الاستثمارات في مجال هذا الوقود النظيف. حيث تعتبر المنطقة العربية مناسبة جداً لإنتاج هيدروجين نظيف ومنخفض التكلفة، وهي غنية بمصادر الطاقة المتجددة.
تحول التجارة الدولية في مجال الطاقة وتقديرات الطلب العالمي على الهيدروجين ما بين 2050-2020
(المصدر: IRENA2022)
لقد أصبحت هذه الدول، سواء المنتجة للوقود الأحفوري الملوث للبيئة والذي يزيد في انبعاث ثاني أكسيد الكربون، أو الدول التي تستورد الطاقة بشكل كبير مما يثقل كاهل ميزانها التجاري؛ أصبحت تعي أهمية التحول العالمي في مجال الطاقة نحو الطاقات المتجددة، خصوصاً الحيوية منها والكهربائية والهيدروجينية، في مقابل التراجع الكبير المتوقع في الاعتماد على النفط والغاز في أفق 2050.
كما أجمعت تقديرادت مختلف الوكالات المتخصصة في مجال الطاقة أن الهيدروجين الأخضر بدرجة أكبر والهيدروجين الأصفر بدرجة أقل سيكونان بديلين عن الهيدروجين الرمادي المنتج من النفط، والأزرق الذي ينتج من الغاز، وذلك في غضون العقود الثلاثة المقبلة.
ترتيب 20 دولة الأولى المرشحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
(المصدر: IRENA2022)
أمام تصدر بعض الدول العربية قائمة الدول المرشحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فمن المرجح أن يصل عدد مشاريع الهيدروجين العربية (المعلنة والمقترحة) إلى ما يقرب من 82 مشروعاً في 2023، منها 47 مشروعاً للتصدير.
وتعتبر السعودية والإمارات من رواد هذا المجال في منطقة الخليج، في حين تتصدر مصر والمغرب الدول الرائدة في شمال أفريقيا. غير أن هذه التجارب التي تسعى إلى التعاون الأجنبي تفتقد التعاون البيني (عربي عربي).

المملكة العربية السعودية أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر
في الوقت الذي تهدف فيه المملكة العربية السعودية إلى أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم بحلول عام 2023، أكملت شركة نيوم للهيدروجين الأخضر بنجاح المرحلة الختامية لأكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم. والذي سيقام بتكلفة تبلغ 8.4 مليار دولار أمريكي في منطقة نيوم في المملكة العربية السعودية، وسيقلل من انبعاثات الكربون بمقدار 5 ملايين طن سنوياً عند تشغيله بالكامل. وقد تسلمت الشركة الدفعة الأولى من توربينات لتشغيل المصنع في نوفمبر من عام 2023.
وتهدف المملكة العربية السعودية إلى تصدير 2.9 مليون طن من الهيدروجين (الأخضر والأزرق) سنوياً بحلول عام 2030، على أن يرتفع إلى -3.5 4 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وبفضل 4 جيجاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، سينتج التحليل الكهربائي للمصنع 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، أي ما يعادل إنتاج 600 طن من الهيدروجين الأخضر يومياً.
وتهدف المملكة إلى إكمال بناء المصنع وبدء الإنتاج التجاري للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026 بموجب عقد حصري طويل الأجل مدته 30 عاماً مع شركة إير برودكتس. وتعتبر المحطة ثمرة اتفاقية الشراكة الموقعة بين شركة نيوم وشركة أكوا باور السعودية وشركة المنتجات الجوية في عام 2020، والتي أدت إلى إطلاق شركة نيوم للهيدروجين الأخضر.
وفي عام 2023، وقّعت شركة أكوا باور السعودية مذكرة تفاهم مع شركة زينيث للطاقة وشركة غازلوغ وميناء أمستردام لدراسة جدوى إنشاء ممر لتصدير الهيدروجين يربط مواقع إنتاجها بميناء أمستردام. وفي السياق نفسه، تدرس شركة ماروبيني اليابانية جدوى إنتاج الهيدروجين النظيف في المملكة العربية السعودية لتوريده محلياً وتصديره إلى الخارج بموجب اتفاقية موقعة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مارس 2023.

الإمارات العربية المتحدة وإطلاق إستراتيجية إنتاج المحللات الكهربائية
اعتمدت الإمارات العربية المتحدة في يوليو 2023 إستراتيجية وطنية للهيدروجين في أفق 2050. ويتمثل أحد الأهداف الرئيسة لهذه الإستراتيجية في تحقيق الريادة العالمية في إنتاج هذا الوقود بحلول عام 2031، بحصة 25 % من السوق العالمية.
تهدف إستراتيجية الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء واحات هيدروجين منخفضة الكربون لإنتاج الكهرباء النظيفة بحلول عام 2031، على أن ترتفع إلى خمس واحات بحلول عام 2050. كما ستنشئ مركزاً للأبحاث والتطوير في مجال الهيدروجين في عام 2031، بهدف تطويره إلى مستوى عالمي بحلول عام 2050.
وبشكل عام، تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنتاج 1.4 مليون طن من الهيدروجين سنوياً بحلول عام 2031، ليرتفع إلى 15 مليون طن سنوياً بحلول عام 2050.
وفيما يتعلق بتنفيذ المشروع، وقّعت أدنوك في عام 2023 اتفاقية تعاون إستراتيجي مع شركة جون كوكرل هيدروجين وشركة ستراتا للتصنيع؛ لتصنيع المحللات الكهربائية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما وقعت عقداً مع شركة كاواساكي للصناعات الثقيلة لاستكشاف فرص إنتاج وتسييل ونقل الهيدروجين منخفض الكربون إلى الأسواق العالمية، بينما يهدف العقد الذي تم توقيعه مع المؤسسة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن وشركة ميتسوي وشركاه وشركة إنبكس وجمعية وقود الأمونيا النظيفة ومشروع أدنوك للأمونيا منخفض الكربون يتعلق باعتماد المشروع.
وقّعت شركة مصدر الإماراتية وميناء أمستردام وشركة سكاي إن آر جي وشركة إيفوس أمستردام وشركة زينيث للطاقة اتفاقية جديدة تستكشف تطوير سلسلة توريد الهيدروجين الأخضر بين أبوظبي وهولندا. وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم تصدير الهيدروجين الأخضر المنتج في أبوظبي إلى هولندا عبر ميناء أمستردام لتزويد القطاعات الأوروبية الرئيسة مثل وقود الطيران المستدام وصناعة الصلب وتموين السفن بالوقود.

مصر البلد المصدر لأول شحنات أمونياك من الهيدروجين الأخضر في العالم
تتصدر مصر قائمة الدول العربية من حيث عدد مشاريع إنتاج الطاقة الهيدروجينية، بما يقرب من 23 مشروعاً لتصدير الهيدروجين ومشتقاته تم الإعلان عنها أو اقتراحها في مصر إلى حدود نهاية 2022.
كما نجحت مصر في إنتاج وتصدير الوقود النظيف في عام 2023، لتصبح أول دولة في العالم تصدّر الأمونيا المشتقة من مصادر الطاقة المتجددة، والتي يتم إنتاجها في مصنع الهيدروجين الأخضر في المنطقة الصناعية بالعين السخنة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس المملوكة لشركة فرتيجلوب الإماراتية. وسيتم تسليم أول شحنة في العالم من الأمونيا من مصادر الطاقة المتجددة إلى شركة توتيكورين للكيماويات والأسمدة المحدودة في الهند لاستخدامها في إنتاج رماد الصودا لشركة هندوستان يونيليفر (HUL). وهذا المشروع عبارة عن شراكة بين صندوق مصر السيادي وشركة سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة وشركة أوراسكوم للإنشاءات، وتبلغ طاقته الإنتاجية من الهيدروجين الأخضر 15 ألف طن سنوياً. وتبلغ طاقته الإنتاجية السنوية من الأمونيا المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة 90.000 طن سنوياً.
وفي أكتوبر 2023 نجحت مصر في جذب استثمارات صينية في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 15 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك توقيع اتفاقية إطارية مع شركة تشاينا إنرجي الصينية لإنتاج الوقود الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء و210 آلاف طن من الهيدروجين الأخضر .هذا بالإضافة إلى المشروع الذي ستنفذه شركة أكوا باور السعودية باستثمارات تزيد عن 4 مليارات دولار أمريكي.
وقد اعتمد المجلس الأعلى للطاقة في فبراير 2024، الإستراتيجية الوطنية المصرية للهيدروجين الأخضر المخفض الكربون للحكومة المصرية. وتتضمن أبرز ملامح هذه الإستراتيجية حصول مصر على حصة تتراوح بين 8-5 % من سوق الهيدروجين العالمي، وتحقيق الأمن الطاقي، والمساهمة في خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 40 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 18-10 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2040.

المغرب.. توظيف خبرة الطاقات المتجددة في ريادة الهيدروجين الأخضر
أطلق المغرب إستراتيجيته الأولى لتنمية الطاقة المتجددة في عام 2009، حيث بدأ تشغيل أول مجمع للطاقة الشمسية بطاقة 560 كيلوواط في الساعة في ورزازات في جنوب شرق المغرب، كما تم إطلاق ثلاثة مشاريع كبيرة للطاقة الشمسية ستدخل نطاق الخدمة في موعد أقصاه بداية العام 2027 بمنطقة ميدلت جنوب شرق المغرب. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق أول سيارة هيدروجينية مغربية الصنع، كما تم توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية مثل رينو (فرنسا) وبي إم دبليو (ألمانيا) لإنتاج الكوبالت لاستخدامه في إنتاج البطاريات الكهربائية، خصوصاً أن المغرب ينتج أزيد من 40 ألف سيارة كهربائية، ويرشح أن يرتفع العدد إلى 100 ألف خلال السنتين المقبلتين.
وتمثل الطاقة المتجددة حالياً أكثر من 40 % من مزيج الطاقة في المغرب، مع هدف الوصول إلى نسبة 52 % بحلول عام 2030. ووفقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) فالمغرب يتموقع بشكل جيد في خريطة الهيدروجين العالمية، حيث يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول التي لديها القدرة على أن تصبح منتجاً رئيساً للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050. ووفقاً لذات التقرير (IRENA)، من المتوقع أن يغطي الهيدروجين المنتج في المغرب حوالي 12 % من الاستخدام العالمي للطاقة.
وفي سياق تسريع خطوات تعزيز قدرات المغرب والعمل على التطوير التكنولوجي لقطاع الطاقات المتجددة المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، فقد تم منذ 2020، إحداث اللجنة الوطنية للهيدروجين، والتي أنيطت بها مهمة قيادة وتتبع إنجاز الدراسات اللازمة بخصوص مجال الهيدروجين، وكذا تدارس تنزيل خارطة الطريق لإنتاج الهيدروجين ومشتقاته من الطاقات المتجددة.
وقد أعلنت الحكومة المغربية مؤخراً عن (العرض المغربي) لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر باعتباره عرضاً عملياً وتحفيزياً يغطي كامل سلسلة القيمة في القطاع ويتماشى مع تطلعات المستثمرين في القطاع. ويعتمد هذا العرض (مقاربة شاملة وشفافة تمنح المستثمرين رؤية واضحة). في هذا السياق أبدى ما يقارب 100 من المستثمرين الوطنيين والدوليين اهتماماً بالعرض المغربي.
ويتكون هذا العرض من ستة أجزاء:
الأول يتعلق بمجال تطبيق العرض المغربي، ابتداء من توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة والتحليل الكهربائي إلى تحويل الهيدروجين الأخضر إلى الأمونياك والميثانول والوقود الاصطناعي.
الثاني: مرتبط بتعبئة العقار لتنفيذ العرض المغربي، وذلك بتوفير 300 ألف هكتار في المرحلة الأولى، توزع على قطع تتراوح ما بين 10 آلاف و30 ألف هكتار.
الثالث: يهتم بالبنية التحتية اللازمة لتطوير القطاع، وفي هذا الصدد تم تعبئة كافة المتدخلين الحكوميين والقطاعات ذات الصلة للإسهام وتوحيد الجهود والتنسيق العملي في هذا المجال.
الرابع: يخص الإجراءات والتدابير التحفيزية التي يتضمنها العرض المغربي، سواء تعلق الأمر بالتحفيزات الخاصة بالاستثمار والتي ينص عليها الميثاق الجديد للاستثمار، أو التحفيزات الضريبية والجمركية كالضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للسلع المقتناة محلياً أو المستوردة، وكذا رسوم الاستيراد.
الخامس والسادس: يختص بعملية اختيار المستثمرين وإبرام العقود مع الدولة، حيث تم إسناد اختصاص استقبال الطلبات وتتبع المستثمرين إلى الوكالة المغربية للطاقات المتجددة (مازن). وهي المكلفة بناء على ذلك على (حوكمة قطاع الهيدروجين الأخضر) وتنسيق عمل مختلف المتدخلين.
مستقبل التعاون الطاقي العربي في مجال صناعة الهيدروجين الأخضر
يعتبر مستقبل الطاقة تحدياً كبيراً أمام مختلف الدول العربية، فالدول المنتجة للبترول اليوم تستشعر اقتراب نهاية عهد الطاقات الأحفورية، أما الدول غير المنتجة فهي تستوعب مدى خطورة التحول في مصادر الطاقة مستقبلاً، وأثر ذلك على فاتورتها الطاقية أمام توقع ارتفاع أسعار الطاقة النظيفة مستقبلاً.
وأمام هذا التحدي المزدوج، يعتبر توحيد الجهود بين مختلف دول الخليج العربي من جهة ودول شمال أفريقيا من جهة أخرى أحد أهم السبل لتحقيق الانتقال الطاقي السلس، من خلال تبادل الخبرات والتجارب. ويمكن اعتبار الإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة (2030-2010) الإطار المرجعي لهذا التعاون.
وقد وافق مجلس وزراء الكهرباء العرب على الإستراتيجية العربية للطاقة المستدامة في عام 2014 من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي. وقد تم توسيع نطاق إستراتيجية 2030 لتشمل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ونظم الطاقة المستدامة وتأمين الوصول إلى الطاقة، كما شملت تحليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المنطقة.
وتعد هذه الإستراتيجية بمثابة خارطة طريق لتسهيل وتحفيز إدخال الطاقة المستدامة ونشرها في المنطقة العربية، حيث تهدف أساساً إلى:
- الحفاظ على الموقع الإستراتيجي للمنطقة العربية في سوق الطاقة العالمي.
- دمج الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في تخطيط قطاع الطاقة من منظور عربي متكامل.
- ضمان استمرار مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الإجمالي من خلال الحفاظ على الموارد والاحتياطيات وتقليل الواردات.
- ضمان بقاء قطاع الطاقة مصدراً رئيساً للدخل القومي بدلاً من أن يكون عائقاً أو مستهلكاً لمصادر الدخل الأخرى.
- زيادة فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي يوفرها قطاع الطاقة المستدامة.
- زيادة قدرة الاقتصادات العربية على الاستجابة للتغيرات السريعة في خريطة الطاقة العالمية.
غير أن الملاحظ على أرض الواقع، أن التوجهات في الإستراتيجيات القطرية للدول العربية تتجه إلى الانفتاح أكثر على المستثمر الأجنبي غير العربي، مما قد يرهن قطاع الطاقة المتجددة المستقبلية في أيدي الشركات العالمية الأجنبية، كما كان الأمر في الطاقات الأحفورية، حيث تستحوذ الشركات الأجنبية على مجالات التنقيب والإنتاج والتوزيع لعقود طويلة. لذلك يبقى الاستثمار العربي العربي توجهاً لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجال الطاقات المتجددة لضمان مستقبل أفضل في مجال هذه الصناعات الإستراتيجية.

ذو صلة