مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

مساعد بن عبدالرحمن

مساعد بن عبدالرحمن أمير الفكر والسياسة والإدارة

د. راشد سعد القحطاني: الرياض

 

  

 

الملك فيصل وعلى يمينه الأمير مساعد بن عبدالرحمن

 

لقد منَّ الله على هذا الوطن المبارك برجال مخلصين أوفياء كانوا إلى جانب الملك المؤسس -غفر الله له- نذروا أنفسهم وأوقاتهم وجهودهم في خدمة هذا الوطن والعمل لرفعته وتقدمه ومدنيته.
 ومقالنا هذا يسلط الضوء على أخي مؤسس الكيان وباني حضارته في عهده الزاهر، ذلكم هو سمو الأمير مساعد ابن الإمام عبدالرحمن ابن الإمام فيصل بن تركي آل سعود -غفر الله له ورحمه-.
 ما يطالعه القارئ العربي اليوم في مقالي هذا ما هو إلا جهد سبقته جهود علماء ومفكرين ومؤرخين كتبوا عن الأمير، إن من قريبٍ، وإن من بعيدٍ، كالشيخ حمد الجاسر ومحمد الجبير وعبدالعزيز الخويطر وعبدالرحمن الشبيلي ومتعب الفرزان ونوف العجران ومحمد القشعمي وغيرهم.
 علماً أن الكاتب له كتاب تحت الطبع عنوانه (الإيضاح والبيان في الكتب المهداة للأمير مساعد بن عبد الرحمن)، قد بسط فيه القول عن الأمير مساعد، وعن حياته الأسرية والعلمية والعملية.
مولده ونشأته العلمية
 ترجح بعض المصادر (ومنها كتابات الأستاذين خير الدين الزركلي وعبد الرحمن الرويشد) أنه ولد في قصر الحكم بالرياض سنة 1333هـ، ويذكر الأمير مساعد نفسه أنه عندما توفي والده الإمام عبدالرحمن الفيصل في ذي الحجة 1346هـ لم يكن في سن يسمح له باستيعاب الأمور.. ولذا يرجح كونه آنذاك في حدود الخامسة من العمر، وهو ما أخذ به عبدالله فيلبي في كتابه (الذكرى العربية الذهبية).. حيث جعله من مواليد عام 1922م (1340م) كما يرجحه أولاده أيضاً..
 ولعل في تاريخ إهداء إمام الحرم المكي الشيخ أبي السمح كتاب عمدة الفقه له ما يفتح أفقاً للقارئ والباحث في محاولة الوقوف على سنة ميلاد الأمير ولو تقريباً (تنظر الصورة المرفقة).
  والأمير يأتي ترتيبه قبل الأخير من أبناء الإمام عبدالرحمن ابن الإمام فيصل ابن الإمام تركي (مؤسس الدولة السعودية الثانية). ووالدته هي سمو الأميرة عمشة بنت فراج العجران الخالدي.
 وقد تلقى الأمير مساعد علومه في أعرق كُتاب عرف في مدينة الرياض.. وهو كتاب محمد بن مرحوم المعروف بـ(المصيبيح).. ثم تنقل في حِلق تدريب العلوم الشرعية والعربية علي يد المشايخ سعد بن عتيق وحمد بن فارس ومحمد بن عبد اللطيف ومحمد بن إبراهيم وابن سحمان وغيرهم، كما انصرف إلى القراءة وتلقي العلوم ومجالسة المتعلمين.. وكان له ولع بإثارة الموضوعات العلمية ومطارحة العلماء والمثقفين من السعوديين والوافدين.
 كما ذكر الدكتور عبدالعزيز الخويطر أنه أقبل على قراءة كتب العلم الحديث في وقت ندر فيه وجود من يقبلها، وكان -رحمه الله- يحرص على جلب الكتب واقتنائها فور صدورها أيام الحرب العالمية الثانية مع صعوبة المواصلات في ذلك الوقت.
 ويقال إن الأمير مساعد الوحيد بين إخوانه الذي حصل على شهادة جامعية.

الأمير مساعد بن عبدالرحمن خلال تفقده محطة التلفزيون بالرياض

 

 حسّه العلميّ 
 كان سمو الأمير مساعد رجلاً رزين العقل، حاد الذكاء، منظماً، غزير التجربة في الحياة، فقيهاً متضلعاً في أمور الدين، بسيطاً وواقعياً.
كما ذكر الشيخ صالح الحصين -الذي عمل معه ما يقارب عشرة أعوام- أنه -رحمه الله- كان واسع الثقافة، متنوع المعارف، وكان في مناقشته الفقهية والقانونية والاقتصادية كثيراً ما يحرج ذوي الاختصاص من الخبراء في هذه العلوم.
 ونمَّى هذه الملكة العلمية والفكرية لديه وجود مكتبة لديه، نهل منها، ونهل منها طلاب العلم والمعرفة آنذاك، في وقت لم يكن للمكتبات العامة في حياة الناس أثر يذكر، وذكر الشيخ محمد بن جبير والشيخ حمد الجاسر والأستاذ عبدالرحمن الرويشد أن مكتبة الأمير مساعد المنزلية هي أول مكتبة خاصة تفتح للعموم في الرياض منذ عام 1363، وكان طلبة العلم يأتون إليها، وكان يجلس فيها ويتناقش معهم ثم طورها ونقلها من مقرها الأول في (الحلة)، شرق الرياض.
 وقد أُهديت بعد وفاته إلى مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وفيها مجموعة من الكتب النادرة. وبلغ من عنايته بالمكتبة أن وضع لوحة في مدخلها للإعلان عن الكتب الجديدة الجديرة بالمطالعة، وعيَّن موظفاً قيّماً عليها وعاملاً آخر لتقديم الضيافة. وكان من روادها حمد الجاسر ومحمد بن بليهد وعبدالله فليبي ورشدي ملحس وعبدالله خياط وعبدالرحمن القويز وعبدالكريم الجهيمان.
 وفي بحث نشره المؤرخ حمد الجاسر -رحمه الله- في جريدة البلاد عام 1367هـ /  1948م عن نشأة المكتبات في المملكة العربية السعودية، ذكر أوائل من قاموا بإنشاء المكتبات في المملكة، وقال: إنه في سنة 1364هـ قام الأمير مساعد بن عبدالرحمن بإنشاء مكتبة عامة في الرياض، جمع فيها أشهر الكتب.
 وذكر الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري -رحمه الله- صاحب مجلة المنهل بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيس مجلته، وأشاد بدعم وتشجيع الأمير مساعد بن عبدالرحمن للمنهل.


 آثاره العلمية
 لا بد للعالم من تزكية علمه الذي يحمله، ولذلك كانت نفس الأمير تواقة لنشر العلم، والحث على التعليم، وذلك ما نلمسه من خلال هاتين الرسالتين اللتين ألّفهما سمو الأمير -رحمه الله- وهما (نصيحة إلى إخوتي في الدين والنسب، تأليف مساعد بن عبدالرحمن آل سعود، القاهرة) مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1360هـ، رسالتان 38+4 ، 38+4 صفحة، فهذا الكتاب الوحيد الذي صدر للمؤلف في طبعة واحدة، وبخلاف موضوعه في الدعوة المبكرة لتعليم المرأة، إلا أن له ميزة شكلية وغريبة، حيث لم يصرح المؤلف باسمه باللغة العربية على صفحة العنوان أو داخله، وإنما كتب اسم المؤلف بحروف لاتينية فيها شيء من التعمية، فقد استخدم رسم الحروف اللاتينية ليقابل الأشكال التقريبية للحروف العربية وليس نطقها مع استخدام النقط لإعجام الحروف، ومن ينظر إلى الكتابة اللاتينية فسوف يبدأ القراءة من اليسار لأول وهلة، ولكنه لن يفهم شيئاً أو يصل إلى دلالة بالحروف اللاتينية، إلا إذا تخيلها حروفاً عربية تبدأ من اليمين.
وتجدر الإشارة إلى أن الأمير مساعد أصدرهما سنة 1360هـ / 1945م، فالرسالة الأولى منهما بعنوان (الغايات التي يرمي إليها الإسلام، وموقفنا منها وبيان بعض ما يجب عمله). والرسالة الثانية بعنوان: (التربية والتعليم)، وما ورد فيهما يكفي للتدليل على سعة أفقه ومداركه واهتمامه بالصالح العام ومستقبل أمته.
 ويهمنا ها هنا ما ورد في الرسالة الثانية، حيث نجده يقول عن تأسيس مدارس للبنات ما نصه: وتأسيس مدارس للبنات يدرس فيها نساء يجلبن من سائر البلاد العربية، مع مراعاة الديانة فيهن والصيانة والاحتشام، وفتح معهد يدعى معهد المعلمات، ويكون تأسيسه بعد فتح المدارس بسنوات ويجلب له أيضاً معلمات كسابقاتهن، أما متخرجاته فيعهد إليهن بالتدريس في مدارس البنات. وفتح معهد آخر يدعى معهد المرشدات، ومتخرجاته يعهد إليهن بالإرشاد والمحاضرة في الأندية النسوية. وفتح ناد في كل حي من أحياء المدن يحتم على كل نساء الحي قصده، ويجعل فيه مرشدات يرشدن النساء إلى ما يجب عليهن لربهن وأزواجهن وإخوانهن المسلمين، وكيف ينظمن بيوتهن ويعاملن أزواجهن ويربين أطفالهن ويعنين بصحتهم وتنمية أخلاقهم، والإكثار من التشكيلات والأعمال الرياضية وخاصة الفروسية وتعميمها. وقال: (... وقد يظن الكثير أن لا حاجة إلى تعليم النساء وأن مفاسده تربو على مصالحه، وقد يستند بعضهم في ظنه على حالة نساء الأمصار المتعلمات، فنجيب بأن هذه الظنون ضباب حجب الحقيقة عن ظنها، فتعليم المرأة واجب من وجوه: منها أنها المدرسة الأولى للطفل وعلى كفاءتها تتوقف صحة الطفل وسلامة أخلاقه في الطور الأول من حياته، الذي هو عبارة عن الأساس لنمو قوى الطفل وملكاته، ومنها أن النساء شقائق الرجال فعليهن من الحقوق والواجبات لله ولجماعة المسلمين شبيه ما على الرجال من جهة التكليف ووجوب الأداء، ولهن حق في العناية المراد بها تعميم المنفعة الإنسانية، ومنها أنه يحصل من تعليم المرأة صلاح الحياة الزوجية، وهي من الأغراض السامية للدين الحنيف وإعانة للرجال على أداء واجبهم لما تتحمله الزوجة من حسن تدبير البيت وشؤونه على شكل يطمئن الزوج إليه فيطرح عنه عناء ذلك، ولما تدخله على الزوج من السرور أيضاً لإتيانها بما يسره من الأفعال والأقوال، ومنها أن في تعليم المرأة سبيلاً شريفاً لارتزاق اليتيمات والأرامل والعوانس، وهو خير لهن من تكفف الناس، هذا ولو أردنا إيراد الأدلة على فوائد تعليم المرأة لملأنا منه الصحائف، ويقيني أن هذا القدر كاف، أما ما يظن في تعلم المرأة من المفاسد فلا يحصل إلا من التوسع في تعليمها توسعاً يخرجها عن منزلتها التي خلقت لها، ومن هذا التوسع حصل بعض ما نراه في نساء الأمصار من التهتك.
أما جملة ما نراه فيهن من ذلك فسببه غير التعلم وقد شرحناه فيما سبق، وخير للبنت ألف مرة أن تقضي معظم وقتها في المدرسة تكسب علماً وأدباً من أن تقضيه في اللعب في الطرقات والتمرغ في التراب، وخير للمرأة أن تقضي بعض وقتها في النادي تتعرف على واجباتها من أن تقضي أكثر وقتها بين صويحباتها في الاشتغال بالفضول وأكل أعراض المسلمين وشب نيران العداوة.)
 ولذلك لا عجب أن يسبق الأمير مساعد بدعوته هذه لتعليم المرأة قبل عشرين عاماً من صدور الأمر الملكي بافتتاح تلك المدارس التي خرجت أجيالاً من فتياتنا اللاتي تبوأن أعلى المراكز العلمية والإدارية.
 هذا، وقد كرمت الأمير مساعداً وزارةُ التعليم العالي على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب 2006م، ضمن رواد المؤلفين السعوديين، على كتابه المذكور وعلى دعوته إلى الأخذ بزمام المبادرة في تعليم الجيل العلوم الحديثة.

الأمير مساعد ووصفي التل رئيس وزراء الأردن


مهماته السياسية والوزارية
 لقد بدأ مسيرته الاستشارية بحضور مجلس الملك عبدالعزيز مع كبار مستشاريه، ثم تركزت وظائفه الإدارية في عهدي الملك سعود والملك فيصل -رحمهما الله- والتي استمرت اثنين وعشرين عاماً (1373 - 1395هـ) بدأ بتعيينه مستشاراً للملك سعود.
 ومن المناصب التي تولاها -رحمه الله- رئاسة ديوان المظالم حيث أسند إليه الملك سعود إنشاء وتنظيم ثم رئاسة ديوان المظالم عام (1374هـ)، وديوان المراقبة العامة عام (1377هـ)، ثم تولى وزارة الداخلية عام (1382هـ)، ووزارة المالية والاقتصاد الوطني (9 / 10 / 1382هـ -  8 / 10 / 1395هـ)..
كما أسندت إليه مسؤوليات سياسية شارك فيها بوصفه أحد أعضاء الأسرة المالكة الذين يؤخذ برأيهم، ويستشارون في أمور السياسة الخارجية، مثل المشاركة في معالجة الخلاف السعودي اليمني، والقيام بجهود وساطة بين الهند وباكستان، ممثلاً المملكة مع الرئيس أنور السادات ممثلاً لجمهورية مصر وسمو الأمير يمثل المملكة العربية السعودية. وعلى صفحة عنوان الكتاب الموسوم بـ(من الثورة العربية الكبرى إلى العراق الحديث- ذكريات) لمؤلفه اللواء الركن إبراهيم الراوي بأن المؤلف كان يمثل بلاده وأنور السادات يمثل مصر (تنظر الصورة المرفقة).
الأمير مساعد وحديث الذكريات
هنا أيها القارئ الكريم أحاديث سجلها التاريخ، مما رواه بعض معاصري الأمير في مراحل حياته العلمية والسياسية والإدارية. فقد ذكر الأستاذ محمد بن عبد الله الشريف الذي أمضى نحو (14) عاماً في ديوان المراقبة العامة، وأدرك العمل مع الأمير مساعد عندما كان يجمع بين رئاسة ديواني المظالم والمراقبة العامة قائلاً: (عرفنا نحن العاملين في ديوان المراقبة العامة في ذلك الوقت في الأمير مساعد بن عبدالرحمن صفات الورع والتقى والعفة والنزاهة، أما الجوانب الإدارية في شخصيته فهي تفيض بالإخلاص والحكمة وعمق الرؤية، وكان يعمل يومياً في كل من الديوانين ويتابع ويشرف إشرافاً مباشراً وكنا نأنس ونرتاح عندما يؤمنا في صلاة الظهر).
 وتحدث عن هذه الفترة معالي الأستاذ محمد أبا الخيل الذي خلف الأمير وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني حيث قال: (كان أسلوب إدارته للوزارة يتسم بالتركيز على النظر فيما يُعرض عليه ودراسته من حيث مدى الالتزام بالقواعد المحددة في إدارة المال العام.
 وكان يتوجب على من يعمل معه من مساعديه أن يثبت له من خلال ما يقدمه وما يعده أن يكون مطابقاً لهذه القواعد وأن استنتاجاته وتوصياته كانت متفقة مع الفهم الصحيح لهذه القواعد).
 وفاته
 وسنن الله تجري في خلقه، ومنها الموت الذي وافى الأمير مساعد ابن الإمام عبدالرحمن ابن الإمام فيصل بن تركي آل سعود -رحمه الله- صباح يوم الثلاثاء 8 / 4 / 1407هـ، في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، عن عمر ناهز السبعين عاماً.
 ومع أنه رحل إلا أنه يظل في ذاكرة التاريخ الوطني والعربي بطلاً من أبطال مقاومة الجهل والتخلّف، وداعياً من دعاة النور والتقدم والحضارة والمدنية الصحيحة، مع الحرص على الالتزام بالثوابت الشرعية.

 

ذو صلة