مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

مصر والحرب العالمية الأولى

ظلَّت مصر صوب الأنظار في عصر الإمبريالية الأوروبية، إذ لم تغفل عيون بريطانيا عنها، وقد بذلت جهودها لاقتناص الفرص لتنقض عليها، وحاولت مراراً، وأخيراً نجحت في تحقيق هدفها عندما ضرب أسطولها الإسكندرية في 11 يوليو 1882، واحتلالها مصر بعد حوالي الشهرين، وادعاؤها أنها سوف تجلو عنها في القريب العاجل حين تستتب أحوالها. وسرعان ما وضعت لندن إستراتيجيتها تجاه كل من الدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر، والخديوي، والحركة الوطنية. وسجَّلت النقاط لصالحها مستخدمة أدواتها جيداً، رغم الصعوبات التي واجهتها.
مصر ما بين الضم والحماية والتحركات البريطانية
استمرت مصر على وضعها إلى أن بدأت سُحُب الحرب العالمية الأولى تتجمع في سماء أوروبا، وتكثفت الغيوم لتنذر بقيامها في 30 يوليو 1914. وأصبحت بريطانيا لها القوة القيادية في تحالف دول الوفاق ضد دول الوسط التي تتقدمها ألمانيا.
وكان لا بد من انعكاس ذلك الحدث الكبير على مصر، نظراً لأهميتها البالغة لخدمة أغراض الحرب، وبدأت بريطانيا تعدها تدريجياً، فسيطر القائد العام البريطاني للقوات الإمبراطورية على مجريات الأمور، وفُرضت الرقابة على المطبوعات، وصدر قانون التجمهر، وأُعلنت الأحكام العرفية، ثم رأت الحكومة البريطانية أن الوقت قد حان لتغيير الوضع السياسي في مصر، وذلك بإقصاء التبعية العثمانية. وكان عليها أن تسلك أحد أربعة طرق: أن تضمها إليها، أن تدمجها في إمبراطوريتها، مع إعطائها حكماً ذاتيّاً، أن تُعلن حمايتها عليها، أن تمنحها الاستقلال مع عقد معاهدة تحالف معها.
وبعد دراسة مستفيضة، عقدت بريطانيا العزم على مصر، لتسبغ قانونية وجودها، وتمتلك حرية تصرفاتها. ولكن وردت الأنباء من نائب المعتمد البريطاني العام في مصر تُفيد تفضيل فرض الحماية التي تعمل على إبقاء الحكم في أيدى المصريين ظاهريّاً، والحقيقة أنه يخضع لسيطرة الإنجليز. ومرة أخرى تستعرض لندن المسألة، وتُرجح النظام الأخير، وتُحصى ثمار تنفيذه، وأبلغت دار المعتمد بموافقتها. ولكن ما لبث الأمر أن تراجعت مع إعلان الدولة العثمانية دخولها الحرب مع دول الوسط في 5 نوفمبر 1914، ومن هنا رأت الحكومة البريطانية ضرورة ضم مصر للتاج البريطاني، ثم عادت إلى قرارها السابق تبعاً لنصيحة فرنسا، ولخشيتها من رد الفعل داخل مصر وخارجها.
وفي 18 ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا حمايتها على مصر، وفي اليوم التالي عزلت الخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان حينئذ في إستانبول وعيَّنت مكانه الأمير حسين كامل الذي اتخذ لقب سلطان. وأنكرت لندن أسس الحماية، حيث أعلنتها من جانب واحد. ورفعت مصر العلم ذا اللون الأحمر الذي تتوسطه ثلاثة أهلَّة بداخلها ثلاث نجوم بيضاء. وتغير لقب المعتمد البريطاني إلى المندوب السامي وصارت مصر رهن الإشارة لخدمات بريطانيا وحلفائها.
أما عن شرق مصر، أي شبه الجزيرة العربية، فقد حدث أن أعلنت الدولة العثمانية الجهاد لتستنفر الحجاز على وجه الخصوص ضد بريطانيا التي بدأت تحركاتها لحل المسألة الشرقية، فأعدت عدتها، واتفقت مع الشريف حسين ضد الآستانة لتدشن صفقة المصالح بينهما، وتبودلت مراسلات الحسين مكماهون خلال عامي 1915 - 1916، وأعقبها عقد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 لتقسيم المشرق العربي، ثم أصدرت وعد بلفور في نوفمبر 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ذو صلة