مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

لميعة عمارة.. العراقية المهاجرة وصوت الرومانسية

استطاعت أن تضع لنفسها مكانة في تاريخ العراق الأدبي في زمن كان العنصر النسوي في العراق معدوم الحضور في جميع الساحات الفنية والأدبية، لكن تمكنت تلك المرأة التي أطلق عليها تسمية النورسة العراقية المهاجرة، وجاءت تلك التسمية من وصف وصفها به الكاتب الفلسطيني سمير الحاج، إنها فعلاً النورسة العراقية المهاجرة، فقد هاجرت من بلدها العراق عام 1978 لكن قلبها معلق بهوى العراق حيث تغزلت بأشعارها في بلدها العراق وفي بغداد قائلة:
(أغني لبغداد)
هلا وعيوني بلادي رضاها
وأزكى القرى للضيوف قراها
بلادي ويملؤني الزّهوُ أني
لها أنتمي وبها أتباهى
لأنَّ العراقة معنى العراق
ويعني التبغددُ عزاً وجاها
أغني لبغداد تُصغي القلوب
وألفي دموع الحنين صداها
وإِن قلتُ بغدادُ أعني العراقَ
الحبيبَ بلادي بأقصى قُراها
أما عن دواوينها فمن أشهر دواوينها ديوان لو أنبأني العراف، عراقية، وأغاني عشتار.
هذه هي أشهر دواوينها الشعرية، فقد كتبت الشاعرة لميعة عباس الشعر الفصيح، فهي تعشق اللغة العربية الفصحى، بل هي متعصبة في هواها ولكن حبها للهجتها العراقية الجنوبية جعلها تكتب الشعر العامي باللهجة العراقية الجنوبية، فقد كتبت باللهجة العامية لأن جمهورها عشق قصائدها العامية وتغنى بها لأنها سهلة اللفظ سلسلة المعنى لا صعوبة فيها.
كتبت لميعة عباس الشعر الفصيح والعامي وأبدعت في كليهما، وتعد الشاعرة من رواد الشعر الحديث وهي من أعمدة الشعر المعاصر في العراق حيث لمع اسمها مع كوكبة من الشعراء البارزين في ذلك الوقت وعاصرت شعراء لهم الريادة في الشعر الحر من أبرزهم الشاعر العراقي بدر شاكر السياب والشاعرة نازك الملائكة وكانوا زملاء لها في الدراسة.
كانت أول قصيدة لها نشرت في مجلة (السمير) حيث احتلت القصيدة الصفحة الأولى من المجلة، وقد ساعدها في ذلك الوقت الشاعر إيليا أبو ماضي حيث كان صديقاً لوالدها، ومنذ ذلك الوقت عرفت لميعة عباس عمارة شاعرة عراقية أجادت الشعر الفصيح والعامي.
جاءت تسمية عمارة إلى كونها تنحدر من عائلة تنسب إلى مدينة العمارة، وهي من مدن الجنوب العراقي إلا أن الشاعرة ولدت في بغداد عام 1929 ونشأت وترعرعت في منطقة من مناطق بغداد القديمة في جانب الكرخ على ضفة نهر دجلة الخالد وهذا المكان جعلها تنشد قصائدها الخالدة في الذاكرة حيث ترنمت بقصيدتها العراق وهي تتغزل تارة بمها الرصافة وتحكي عن أبي نواس في الكرخ، تتنقل في بحر القصيدة بين الكرخ والرصافة قائلة:
لِمَها الرصافة في الهوى سفر
لِعيونِها يتفجَّرُ الشِّعْرُ
سَهِرَ الضِّياءُ على شواطئها
وصحا على لأْلائهِ النَّهرُ
لقد عانت الشاعرة من الغربة فقد عاشت أيام الغربة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب توجهها السياسي ومقاطعتها للرؤساء والحكام الذين تعاقبوا السلطة في زمانها وماتت في غربتها هناك بعيدة عن العراق.
لقد أحبها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وله قصيدة كان مطلعها:
ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطار
وجاء في القصيدة متغزلاً بها:
ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطار
ولندن مات فيها الليل مات تنفس النور
رأيت شبيهة لك شعرها ظلم وأنهار
وعيناها كينبوعين في غاب من الحور
مريضاً كنت تثقل كاهلي والظّهر أحجار
أحن لريف جيكور
وأحلم بالعراق وراء باب سدّت الظلماء
بابا منه والبحر المزمجر قام كالسور
على دربي
وفي قلبي
وساوس مظلمات غابت الأشياء
وراء حجابهن وجف فيها منبع النور
ذكرت الطلعة السمراء
أما الشاعرة لميعة ذكرته قائلة:
قد ينسى الإنسان ولكنه لا ينسى صميم حياته، كان بدر بالنسبة لي الصديق المنتظر والرجل الذي خططت كل حياتي لأن ألتقي به، كنت أود أن يدرك أن الحب عالم الشعراء، فما عرف هذا علاقتي بالسياب لم تكن عادية، لا في حياتي ولا في حياته، لماذا كان السياب يقول إنه رجل شقي محكوم عليه بالألم؟!
وما من عادتي نكران ماضي الذي كانا
لقد عرفت الشاعرة لميعة بأنها شاعرة جريئة تكتب في الحب والرومنسية فكانت قصيدتها (أنا كل النساء) تقول فيها:
أنا كل النساء طوع يمينك
لا تقرب أنفاسك النار من وجهي
وأذني، وشعري المتهافت
بهذه القصيدة أججت مشاعر الغرام في كلماتها ودقت أجراس الحب والغزل فأصبحت الشاعرة الجريئة والمغامرة في العراق في ذلك العهد.
انحدرت الشاعرة من عائلة صابئية مندائية، وهي عائلة غنية فقد كان والدها من أشهر صاغة الذهب في بغداد، أما عن وراثة الشعر فإن لها قريباً كان من أشهر شعراء العراق هو الشاعر الكبير (عبدالرزاق عبدالواحد) ابن خالتها وصاحب قصيدة سلام على بغداد مرة أخرى.
تخرجت الشاعرة لميعة عباس عمارة من الثانوية والتحقت في دار المعلمين العالية التي يطلق عليها (كلية التربية) حالياً، الكلية تابعة لجامعة بغداد.
عينت الشاعرة مدرسة في دار المعلمين سابقاً جامعة بغداد حالياً ولكن تركت التدريس في الدار بعد هجرتها ومكوثها في أمريكا حتى وفاتها عام 2021 عن عمر ناهز 92 عاماً، ودفنت هناك في مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بعيدة عن أهلها ووطنها ومعشوقتها بغداد.

ذو صلة