لايؤكد هذا الكتاب فقط على تميز الجنس البشري عن غيره من الأجناس بمنظومة الرموز البشرية: اللغة والفكروالدين والمعرفة/العلم والقيم والأعراف الثقافية، وإنما ينادي أيضاً بمركزية تلك الرموز في هوية الإنسان والمجتمع، ومن ثم، تحاجج فصول الكتاب بأن الإنسان كائن ثقافي بالطبع، وهي رؤية لانكاد نجد لها مثيلاً في المدارس الفكرية المعاصرة في العلوم الاجتماعية كالماركسية والسلوكية والبنيوية والتحليل النفسي، وباستقلالية شبه كاملة اهتدينا إلى رؤى وأفكار ومفاهيم جديدة تعززمسيرة علم الاجتماع الثقافي على المستويين العربي والعالمي. يتمثل البعض منها في التأكيد على وجود علاقة قوية بين الرموز البشرية وبطء نموجسم الإنسان وفي طرحنا المبتكر لطبيعة الإنسان على أنه جسد ورموزبشرية بد ل جسد وروح. كما استنتجنا من غوصنا العميق في خفايا عالم الرموز البشرية أنها تفتقد للوزن والحجم بالمعنى المادي للأشياء.أي أنها ذات طبيعة غيرمادية أو متعالية وروحية.وهو اكتشاف يجيزه بقوة تأويلنا للنص القرآني. يساعد هذا التصور للرموز البشرية ،مثلا، على فهم وتفسيرحيثيات كل من سرعة تنقل الكلمة المنطوقة والمكتوبة في عصرثورة الاتصالات السريعة والقدرة على وضع مكتبات ضخمة من الكتب في مجرد حاويات الإلكترونية صغيرة جداً. يعطي كشفنا للحجاب عن تلك الجوانب الجديدة للرموز البشرية مشروعية لاستعمال كلمة مقدمة بالمعنى الخلدوني في عنوان كتابنا. إذ المعالم الجديدة في متن الكتاب مستحدثة الصنعة غريبة النزعة كما وصف ابن خلدون المحتوى الفكري لمقدمته، ونظراً لأن كتابنا يركز على دراسة أهم ما يميز الإنسان والمجتمع وهي الرموز البشرية، فإن حصاد المعرفة المجمعة فيه مؤهل ليمثل قمة المعارف لفهم سلوك الإنسان وحركية المجتمعات والحضارات البشرية. بذلك يصلح اعتبار مخزون علم الاجتماع الثقافي المطروح في فصول كتابنا مبادرة رائدة في ميدان دراسة الثقافة في علم الاجتماع العربي المعاصر ولربما يصدق ذلك أيضاً حتى على علم الاجتماع الأمريكي الذي له قصب السبق اليوم في مسيرة تطوير علم الاجتماع الثقافي Cultural Sociology.