آمنت بالفن وائتمنته على أسرارها وقصصها، لتتحول بمرور الليالي والأيام تلك المساحة البيضاء الصامتة إلى كائن حي ينطق بما تعجز عنه الكلمات. ترى التشكيلية هنوف محمد في الفن مكاناً سحرياً قادراً على احتواء صراعاتها الذاتية العميقة، وهي كما تقول عندما تعبر عن قضايا المرأة عبر لوحاتها فهي تُعبر عن ذاتها كامرأة شرقية لها متطلباتها الإنسانية، أبسطها أن تتحدث عن مكوناتها بحرية وبلا قيود. في النهاية الرسم في مفهوم هنوف يساعد على استمرار الحياة.
ما سر العلاقة الوطيدة بين هنوف والرسم؟
من الصعب شرح علاقتي بالرسم بشكل كامل، فهي علاقة عميقة ومعقدة. فقد بدأت مشواري مع الرسم منذ سن السادسة تقريباً، وكان بمثابة بوابتي الخاصة على هذه الحياة، ووسيلتي كطفلة في التعبير عن ذاتي من دون استخدام الكلمات. كنت ومازلت مأخوذة بفكرة أنني أستطيع تحويل هذه المساحة البيضاء أمامي لأي شيء أريد، لا يوجد حدود ولا قيود، شعرت وكأنني قد غافلت قوانين الحياة ووجدت مكاناً سحرياً قادراً على أن يحتوي خيالي الكبير. الرسم بالنسبة لي ليس مجرد هواية لقتل أوقات الفراغ؛ فهو طريقتي في فهم الحياة ورفضها، وطريقتي في الفرح والضحك، وطريقتي في الغضب والحزن والانكسار.
بكل بساطة يساعدني الرسم على الاستمرار في هذه الحياة وعدم التوقف. بالنسبة لي، الرسم هو ضرورة وليس ترفاً.
هل من صعوبات واجهتك في بداية مشوارك الفني، وهل أسرتك فنية؟
أسرتي متذوقة للفن، فوالدي يمارس الرسم كهواية، وهو بارع فيه. ومنذ اتضاح ميولي الفنية اهتم والداي بتنمية هذه الموهبة وتوفير الأدوات والبيئة الفنية من تشجيع وتحفيز وغيره. ومن الأمور التي ساعدت بشكل كبير في فتح آفاقي الفنية هو اصطحاب عائلتي لي منذ الصغر للكثير من المتاحف الكبيرة والصالات الفنية. حيث كانت طريقتي في الرسم غريبة وغير تقليدية، ففي أيام الدراسة، عندما كان يطلب منا رسم المواضيع التقليدية كالمناظر الطبيعية وغيرها، كنت أحاول رسم تلك المواضيع بطريقة غير تقليدية، لكن ذلك لم يعجب المدرسة أبداً. واستمرت العقبات تواجهني بسبب اختلاف طريقتي في الرسم وأفكاري عن البقية في الساحة الفنية، فعندما كنت فنانة ناشئة، حاولت عرض لوحاتي في صالات العرض المحلية، قوبلت إما بالرفض أو التجاهل. ولاحقاً تم عرض اللوحات التي تم رفضها محلياً في الصالات العالمية، ومنها متحف اللوفر.
درست الأدب الإنجليزي؛ فإلى أي حد استفدت من الاطلاع على الثقافة الأخرى في تجربتك الفنية؟
نعم بلا شك، فلاطلاع على الثقافات الأخرى، سواء عبر الدراسة الأكاديمية وغيره؛ له تأثير إيجابي كبير على الفنان. فالأدب هو نوع من أنواع الفن في نظري، فمثلاً عندما أقرأ نصاً نثرياً أو شعرياً لكبار الأدباء الإنجليز، وهم يصفون أنواعاً من المشاعر الإنسانية المعقدة؛ أقوم بشكل تلقائي برسم صورة حية وملونة للكلمات والمشاعر النفسية في مخيلتي. وذلك في كثير من الأحيان يكون منبعاً للإلهام الفني العميق الذي ينتهي بلوحة أو عدة لوحات.
تمثل رسوماتك حفراً في قعر المجتمع، ويظهر ذلك وأنت تقتربين من المرأة و(التابوهات)؛ كيف تسنى لك ذلك؟
لوحاتي هي تعبيري الخالص عن ذاتي وعن صراعاتي الداخلية والخارجية، خصوصاً صراعاتي كامرأة شرقية في المجتمع. اللوحات التي تعبر عن المجتمع والنفس الإنسانية بشكل عام هي سرد شخصي لمشاهداتي وتجاربي الخاصة كامرأة تعيش في مجتمع شرقي. كما ذكرت سابقاً، الرسم أتاح لي التعبير بحرية عن جميع الأفكار التي لم أستطع التعبير عنها بالكلام، سواء بسبب كونها تدخل ضمن (تابوهات) أو غيره.
المرأة تكاد تسيطر على رسوماتك؛ فكيف ترينها وأنت ترسمين وتطرحين قضاياها؟
المرأة هي باختصار عنوان رحلتي في هذه الحياة. طرحي لقضايا المرأة هو حديثي عن قضاياي الشخصية، وتعبيري عن المرأة هو تعبير عن ذاتي. كان ولايزال من الصعب بالنسبة لي التعبير عن نفسي كامرأة بلا حدود ولا قيود في المجتمع، لكن عبر الفن أستطيع التعبير عن داخلي كامرأة بكل حرية وجرأة، وأستطيع أيضاً طرح جميع القضايا التي قد لا أستطيع التعبير عنها بالكلام.
بماذا أفسر إخلاصك للفن التعبيري؟
الفن التعبيري أتاح لي فرصة الانفجار النفسي الإبداعي، فهو يعتمد بشكل أساسي على نقل المشاعر الإنسانية الطاغية لقماش اللوحة. عندما أريد أن أرسم، فأنا أريد أن أرسم البراكين التي تثور في داخلي وليس لدي أي اهتمام بأي جوانب فنية جانبية أخرى. أهم سمة في أي لوحة تعبيرية هي الطغيان الكبير للمشاعر على اللوحة. ومثال على ذلك لوحة (الصرخة) لمونك، فمجرد النظر إلى اللوحة نستطيع سماع دوي تلك الصرخة القاتلة. إخلاصي للفن التعبيري هو أنه أتاح لي تحويل أحاسيسي الداخلية العميقة والمعقدة إلى لوحات فنية تنقل حدة تلك الأحاسيس وعمقها بدقة.
ماذا تعني لك مشاركتك بعدد من لوحاتك في متحف (اللوفر) بباريس؟
لا يمكن أن أنسى انبهاري الكبير بباريس عندما زرتها لأول مرة. كانت المدينة أشبه بمتحف فني عملاق، كنت مأخوذة بكل تفاصيلها، كيف لا وهي من احتضنت أعظم الفنانين على مر التاريخ؟! باريس هي بلا منازع مدينة الفن الأولى، لذلك لك أن تتخيل شعوري بمشاركتي المتواضعة في ركن صغير في القاعة الأرضية لأكبر متحف فني في العالم. الشعور الطاغي لدي هو رهبة كبيرة.
ما الأثر الذي تعكسه المشاركات الدولية على الفنان؟ وهل تضيف له شيئاً؟
المشاركات الدولية مهمة جداً لتطور الفنان ومسيرته. فعندما يشارك الفنان في المحافل الدولية، فهو يفتح آفاقه على ساحات فنية دولية مختلفة، ويتيح لنفسه دراسة أنواع ومدارس مختلفة من الفن، وبمشاركته بأعماله الخاصة فهو أيضاً يتيح لتلك الدول التعرف على الساحة الفنية المحلية والتعريف بها.
هل رسمت اللوحة الحلم بالنسبة لك؟
لا أظن أن لدي هدف لأصنع (لوحة الحلم). بالنسبة لي، أعتبر جميع لوحاتي الشخصية جزءاً من حلم كبير، وهذا الحلم الكبير سيستمر بالتوسع إلى ما لا نهاية له.