مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

مثلث البيانات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء

تنصب بؤرة الاهتمام وعدسة الرصد على مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات، واللذين لا ينفكان عن مكونهما الثالث للمثلث وهو إنترنت الأشياء، وهذا تطور طبيعي لمحاولة تعليم الآلة وتطوير قدراتها لمحاكاة العقل البشري والتصرف ذاتياً بذكاء ربما يفوق قدرة الإنسان من حيث التحليل الدقيق للبيانات وتصنيفها وفق دلالاتها ومعانيها وعلاقاتها عبر ما يعرف بالأنطولوجيا، ويقال بأن الذكاء الاصطناعي عبارة عن محاكاة الآلة لقدرات الذكاء الإنساني، أو أن تتمكن الآلة من التعلم الذاتي لتكون قادرة على الفهم ذاتياً من دون تدخل بشري، كما يمكن القول بأن المقصود بالذكاء الاصطناعي قدرة الآلة على اتخاذ القرار بشكل ذاتي.
وتعتبر البيانات الضخمة ثروة غير مستغلة ورصيداً معرفياً مطموراً تحت الأرض، وهناك من يطلق عليها النفط الجديد، ولذلك فإن الحاجة أصبحت ملحة جداً للتعامل مع السيل الجارف من البيانات الضخمة التي ينتجها البشر وتنتجها الأشياء بشكل مذهل ومخيف لا يمكن السيطرة عليها من دون تطوير برمجيات تحليل البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والوصول إلى إنتاج برمجيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته اللامتناهية التي تمكن من جمع البيانات وتحليلها واتخاذ القرار الذكي من دون حاجة للتدخل البشري.
وتعد النظم الخبيرة والروبوتات والتحكم الآلي بالأشياء والتعرف على تعابير الوجه وتمييز الحركات والأصوات وإدارتها من أهم أوجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي المبنية على تحليل البيانات الضخمة وتنفذ قراراتها عبر تقنيات إنترنت الأشياء.
ومن أهم الخصائص التي تجدر الإشارة إليها في معرض الحديث عن الذكاء الاصطناعي قدرة الآلة على الاستنتاج الذاتي واتخاذ ردة الفعل على أوضاع لم تتم برمجتها في الآلة.
وتعمل برمجيات الذكاء الاصطناعي باستخدام الأنطولوجيا المفاهيمية والتي تربط الألفاظ والمصطلحات بناء على دلالاتها والمفهوم لكل منها مع تتبع دقيق ورصد أدق لمعاني تلك المصطلحات وتحويلها إلى قرارات تتخذها الآلة بناء على تلك المعطيات، فمثلاً عندما يوكل لبرمجيات الذكاء الاصطناعي مهمة متابعة حالة الطقس واتخاذ القرارات اللازمة بحسب الحالة فإن قدرات الآلة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ستمكنها عبر تحليل البيانات الضخمة ومن خلال تطبيقات إنترنت الأشياء من القيام بعدة قرارات تنفذها ذاتياً مثل رصد حالة الأعاصير والفيضانات في المناطق التي تكثر فيها وتحديد المدة الزمنية التي يجب اتخاذ التدابير اللازمة نحوها والتصرف بناء على تلك المعطيات بما يلزم، حيث تقوم الآلة الذكية من خلال تحليل تلك البيانات بإغلاق الطرق وإيقاف السيارات ذاتية القيادة وإيقاف الطائرات المجدولة في رحلات يتم إلغاؤها أو تأجيلها ذاتياً بناء على معطيات الرصد، وتقوم باتخاذ القرار المناسب والتصرف من خلال تطبيقات إنترنت الأشياء بإغلاق كلي أو جزئي للمطار وتأجيل لجميع أو بعض الرحلات المغادرة أو القادمة وإعادة جدولتها وإبلاغ المسافرين بالاتصال على هواتفهم المحمولة أو عبر إرسال رسائل إليهم.
وفي حالة التعامل مع المستشفى والمدرسة سيتمكن الذكاء الاصطناعي أيضاً من خلال تحليل البيانات الخاصة بالأرصاد، والبيانات الخاصة بتلك المنشآت من حيث عدد الطلاب والمرضى الموجودين وأعمارهم وحالتهم الصحية، وكم عدد من يشتكي من بينهم من أمراض تتأثر بالحالة المناخية، وهل ستؤثر تلك الحالة الجوية بشكل كبير أم لا بإغلاق كافة الأبواب والنوافذ المقابلة للجهة التي تقدم منها العاصفة، وإطلاق جرس الإنذار -إن تطلب الأمر- وستظهر في الشاشات المتوافرة رسائل تحذر المارة من اقتراب مرور العاصفة، وتطالب بارتداء القناع الواقي والبقاء في أماكن مناسبة وأخذ الاحتياطات لمرضى الجهاز التنفسي، وسترسل رسائل على هواتف سالكي تلك الطريق التي ستمر فيها العاصفة في وقت مبكر بعدم السير خلال مرور العاصفة، ولو كان من بين تلك السيارات سيارات ذاتية القيادة فإن الذكاء الاصطناعي سيتخذ قراراً بإيقاف تلك السيارات، وسيتم إغلاق المخارج المؤدية إلى الطرق التي تتدنى فيها الرؤية إلى مسافة غير مناسبة للقيادة أثناء مرور العاصفة وهكذا بقية ما يمكن للذكاء الاصطناعي عمله في مثل تلك الحالة التي شعر بها ذاتياً واتخذ من القرارات الضرورية ما يلزم للتعامل مع الحالة المناخية من دون تدخل بشري، وهذه أمثلة بسيطة لما يمكن لقدرات الذكاء الاصطناعي عمله بناء على تحليل البيانات وتفعيل إنترنت الأشياء التي ستمكن الذكاء الاصطناعي من التعامل بذكاء ودقة وسرعة مع ما يجب التعامل معه بشكل يفوق قدرات الإنسان.
وهذا أحد مؤشرات مستقبل البحث والابتكار في سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذكية مع بدء استخدام شبكة الجيل الخامس للاتصالات 5G التي تسرع بدرجة فائقة من القدرة على نقل وتبادل البيانات. لذا سيكون الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحكم بمستقبل البيانات الضخمة وتحويلها إلى قيمة مضافة مع التمكن من إدارة الأشياء المتصلة بالإنترنت، وسيكون ذلك أكثر أهمية في فهم بحر لا نهاية له تقريباً من البيانات المتدفقة من هذه الأجهزة.
وتستعد بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية لقطف ثمار جهودها المكثفة في استثمار مستجدات التقنية والقرارات الخاصة بتحليل وإدارة البيانات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وإنترنت الأشياء لتحقق الأهداف المنشودة من رؤية المملكة 2030 وتهيئ لرفاهية المواطن والمقيم وتساعد على جودة الحياة وتساهم في رفع الناتج الوطني وتعزز من مكانة المملكة محلياً، ويواكب ذلك تحول رقمي في مختلف جوانب العمل والحياة واتجاه لتطوير المستقبل التعليمي والوظيفي بما يطور من قدرات السعوديين للدخول بفعالية في هذه المجالات المستجدة

ذو صلة