عندما يصور الفن انزلاق قدم شخص ما على قشرة موز ملقاة على الأرض، في مشهد كوميدي للتهريج، كما هو شائع في كثير من مشاهد ومقاطع متداولة؛ تصبح قشرة الموز بطلة الموقف. فهل نرى أن كل ما يقدم لنا اليوم يسير باتجاه الكوميديا بالفعل الصادم؟ وكيف يقع اللوم على الفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتلان الذي وضع موزة كاملة أو ثلاث في صالة آرت بازل بميامي للمعارض؛ طالما أن الموز أصبح دلالة شكلية وفنية للكوميديا والفن المشاغب (الكاريكاتير)؟ كما لا نستغرب حينما نرى أن الفنان الهولندي ستيفان بروشي المقيم بمدينة روتردام يتخذ من الرسم على الموز وسيطاً فنياً لصناعة قصص ومواكبة الأحداث والمعارض التجارية، وكذلك إقامة ورش عمل للتعريف بفن الرسم على الموز.
ويستهجن بعض النقاد والفنانين هذا العمل المستفز بالمفهوم الفني للفن المعاصر الذي ينتج مجرد شكل بلا محتوى وبلا معنى، وأصبح واقعاً ومحطة من محطات تاريخ الفن التشكيلي، وقد حدث في مطلع الثلاثينات ما هو أغرب عندما عرض فنان إيطالي آخر غائطه بعد وضعه داخل علبة بيعت بمثل وزنها ذهباً، هل التقييم المادي والتسعيرة المعلنة جعلت الموضوع يخرج من حلقة الكوميديا إلى التراجيديا في وسط فني عالمي يعاني الكساد وضعف التسويق، بينما نرى بالمقابل من ينظر للموضوع بشكل مختلف بعيداً عن نقد الآخر إلى نقد الذات والنظر لما نقدم نحن للفن، وهذا ما كتبه فنان النحت الأكاديمي المصري د.رمضان عبدالمعتمد عن رأيه فيما يحدث: (لا أجد غضاضة فيما حدث، بل أحيي هذا الفنان الذي أقنع المقتني ولثالث مرة على التوالي ليقتني عمل أصابع الموز بثمن مئة وعشرين ألف دولار، ربما يؤسس لمنهجية الإيحاء التي ينتهجها العديد من مديري قاعات العرض، فلا تسخروا منه ولا تعلقوا على المقتني ولا على جهة العرض، فجميعهم واعٍ ومدرك ماذا يفعل. وهذا الشأن يحدث في الوسط الفني المصري والعربي، ولكنكم كما تقولون تحبون نقد الآخرين ولا تحبون نقد الذات، فقط انظروا جيداً أولاً فيما تقدمون، وانظروا أيضاً فيما نراه مروجاً له في قاعات العرض المصرية والعربية وأنتم ستجدون الأكثر من ذلك فداحة وأقل قدراً، فتعددت الصور لكن المشهد واحد، مشهد العبث، مشهد صناعة النجم المزيف، مشهد الخائنين لمفهوم ودلالات الفن الحقيقي، فقط نقد الذات أولاً).
ولكن الأمر لا يقف عند هذه الحالة التي نعرض لها من مفهوم كوميديا الموز، بل هناك جوانب أخرى فنية واجتماعية ونقدية تناولها الفنان الأكاديمي السعودي د.عصام عسيري في مقال له بصحيفة الرياض تحت عنوان موزة ماريزيو الشقية، حيث حدد رأيه الشخصي في المسألة بالقول: (في رأيي الشخصي، إن الحدث ككل هو شيء صحي في عالم الفن والفكر والإنسان، فشقاوة الموزة أثارت كل ما يتعلق بسوق الفن وغرائبه فرصه وحظوظه، وإحباط الفنانين الجادين عبر العصور ممن لم يحالفهم الحظ، عندما يقدّم خلاصة عمره في قطعة فن من روحه، في مجتمع لا يُقدّر فنه وعطائه، بعضهم حرق ومزّق أعماله، لا يجد أحداً يستحقها ويستحق ألمه وتفكيره وعذابه ومحاولاته وخطأه وتطوره). ومن هنا نعود للمفهوم الفني للفن المعاصر وتبنيه موضوعات يعتبرها البعض صادمة، وتعتمد الدعاية ولفت الانتباه كما فعلها بانسكي في لوحته قرود في البرلمان، وكذلك لوحته المشهورة التي تتلف نفسها بعد بيعها.
هل موضوع الموز فنياً كان ساذجاً وسطحياً؟
هل دخل الموز على خط السياسة؟
هل مازالت قشرة الموز التي تسبب الانزلاقات خامة كوميدية جيدة للمسرح والسينما؟
الموز كان له حضور سياسي داخل خطاب زعيمة حزب الاشتراكيين الألمان أندريا نالس، رداً على السفير الأمريكي في لقائه برؤساء مجالس إدارات كبرى شركات السيارات الألمانية لبحث إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، إذ قالت أن ألمانيا ليست جمهورية موز، وهي إشارة ربما لبعض الدول بأمريكا الجنوبية.
في الدراما السورية في مسلسل الخربة عن ريف السويداء تتحول عبارة (الموز ولا البازيلا) إلى هتافات مشفرة للاعتراض وطلب الحرية، وفي مصر تتحول عبارة (بابا جاب موز) إلى صفحات للتنكيت والتبكيت على الفيسبوك إلى جانب مسرحية كوميدية من تأليف أحمد الإبياري وإخراج أشرف زكي عن تاجر موز له أربعة أبناء، توافيه المنية لتشب بينهم الخلافات والصراعات المتعددة.
وبدأت قشرة الموز تشكل خطراً على النظافة العامة وحياة الناس في أمريكا كما يوضح كتاب: الموز.. مصير الثمرة التي غيرت العالم (لدان كوبيل).
وزعمت عدة مصادر أن قشور الموز كانت مسؤولة عن الأطراف المكسورة، بما في ذلك بعض التي تم كسرها بشدة حتى أنه كان لا بد من بترها. وأصبحت هذه قضية في المدن الأمريكية عام 1909، حتى حظر مجلس مدينة سانت لويس (رمي أو وضع) قشر الموز في الأماكن العامة. ولكن معظم السينمائيين وصناع الكوميديا اعتمدوا في أداء المواقف المضحكة على الانزلاق من خلال قشرة الموز، ومنهم باستر كيتون، وهارولد لويد، وتشارلي شابلن، مما يفتح المجال للبحث عن ذلك في موضوعات تعددت منذ الانطلاقة الأولى مع الكوميديا وأفلام الأبيض والأسود، وقد تعززت فترة الأفلام الصامتة بالإمكانات الكوميدية لقشرة الموز في صناعة الكوميديا، رغم ندرة وجود قشرة موز الآن على الأرصفة في شوارع نيويورك مثلاً.
ويعلم المزارعون والمتخصصون بالعلوم الزراعية أن الموز فاكهة معمرة، ولها خصائص وفوائد غذائية كبيرة، كما أنه نبات عشبي وليس شجري، وأن ساقه هي ساق كاذبة. ويقال إن كلمة موز تعود لأصول هندية، حيث كان يسمى عندهم بطعام الفلاسفة. أما في اللغات الأجنبية فيسمى (بنانا) عن لغة الولوفية التي كانت تستخدم قديماً في أفريقيا، وأغلب الظن أنها مشتقة من اللغة العربية، فالعرب قديماً يطلقون على أصبع الموز بنان الموز وذلك للشبه الكبير مع أصابع اليد، ثم حرفت في الغرب من بنان إلى بنانا.
وأظن أنه من الواجب التنبيه لعملية الخلط بين شيئين وعدم التفريق بينهما في موضوع موزة ماوريتسيو كاتلان، وهو العمل الفني كجسم للتأمل وإطلاق الفكرة، والثاني هو عملية البيع بشكلها المثير والمستفز. عملية الخلط التي تمت جعلت الأمر أكثر تعقيداً، وإذا تم العرض فقط دون بيع لما أثار كل هذا الاستهجان، فالموضوع ليس أكثر من انزلاقة على سطح أصبع موز بالكاد يساوي دولاراً واحداً وليس مئة ألف، الفنان هنا لم يتعرض لمشكلتنا نحن في أننا لم نرَ العمل ولم نتأمله إلا من خلال المبلغ الكبير وتراجيديا الفن.