مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

رحلة التنقيب عن الوجه الحسن.. خبايا وأسرار جراحات التجميل

ما بين راغب في بلوغ الشكل المثالي، وحالم بشباب لا تطاله يد البلى، باتت العيون مصوبة اليوم على عالم التجميل، هذا العالم اللغز الآسر الذي لا يفك شفرته إلا فنان ضليع في النحت والرسم قبل أن يكون جراحاً. إنها رحلة من البحث المضني عن الجمال المصنوع لكن وفق معايير طبيعية حتى لا ينأى علم التجميل عن وظيفته الأساسية ليصبح مجرد نفخ وتشويه.
وتعد القاهرة المهد الأول لعمليات التجميل عربياً، حيث سُجلت أول عملية سنة 1951 وتمت في كنف السرية التامة، ويُروى أن الفنانة الاستعراضية نعيمة عاكف كانت أول من خضع لمشرط جراح التجميل د.نادر سويلم الذي كان يرأس الجمعية العالمية لجراحات التجميل في الستينات لتصحيح اعوجاج في أرنبة أنفها. وبالنسبة إلى الرجال، يبرز اسم الممثل الكبير الراحل يوسف وهبي الذي كان أول نجم عربي يقوم بعملية تصغير وترميم لأنفه في أواخر الخمسينات لدى جراح في ألمانيا، بعد أن وقف أنفه عائقاً أمام تحقيق حلمه بالتمثيل، حيث تم رفضه للعب أدوار لطالما حلم بها بسبب عيب خلقي خارج عن إرادته.
لبنان قبلة عالمية للسياحة التجميلية
أما في السنوات الأخيرة، فارتبطت عمليات التجميل في العالم العربي بالفنانات اللبنانيات على وجه الخصوص من قبيل هيفاء وهبي، نانسي عجرم، دينا حايك، مادلين مطر ورولا سعد، حيث تحول الأمر إلى ما يشبه الهاجس المرضي أو المنافسة المحمومة في الوسط الغنائي فالإعلامي، لتتخذ عمليات التجميل فيما بعد نسقاً تصاعدياً فشملت عامة الناس من جنس الإناث كما الذكور، ويعود ذلك أساساً إلى سمعة الأطباء اللبنانيين وحرفيتهم من جهة، وطبيعة اللبناني المقبل على الحياة الساعي أبداً إلى التجدد من ناحية ثانية، إلى حد تحولت معه بيروت إلى عاصمة التجميل الأولى في العالم العربي بل وأصبحت قبلة عالمية لما يعرف بالسياحة التجميلية.
عمليات التجميل.. من الضرورة إلى الموضة
 وعن أسباب إقبال المشاهير المفرط على عمليات التجميل وكيفية تعاطي جراح التجميل معهم، يقول د.نادر صعب- أخصائي الجراحة التجميلية والترميمية: (يهتم المشاهير بمظهرهم الخارجي أكثر من الآخرين لأنهم يصبحون بمثابة المثال الذي يحتذي به الكثير من المعجبين، لذلك نجدهم يخضعون للعديد من عمليات التجميل للحصول على الشكل المثالي الذي يرضيهم ويجعلهم أكثر تألقاً وجاذبية). ويوضح: (لذا وجب على الجراح أن يكون دقيقاً بالتعاطي مع هذه الفئة من المشاهير التي تكون محط أنظار الآخرين لأن أي تشوه يتعرضون إليه يكون سبباً مباشراً في الإساءة إلى طب التجميل وتنفير الآخرين منه باعتباره حاد عن وظيفته الأساسية (التجميل) ليجعل الشخص مسخاً. فكلما كان الجراح فناناً ومبدعاً ومخلصاً في عمله، كلما حافظ على الجمال الطبيعي للشخص منزهاً نفسه عن الكسب المادي. أنا ضد عمليات التجميل المبالغ فيها والتي تثير في نفوسنا التقزز والاشمئزاز من الشخص المقابل).
أخصائي التجميل.. مسوق للجمال
 ومن جهتها ترفض الأخصائية التجميلية الدكتورة هاجر لجنف من تونس عمليات التجميل التي تستنسخ شكلاً جديداً تضيع معه ملامح الشخص وتعابيره السابقة، مبينة أن ثمة تعابير ينبغي الإبقاء عليها في الوجه لأنها تحدد هوية الشخص، ففي حال تغيير الوجه ستصبح كل الوجوه متشابهة فإذا بنا أمام نماذج مكررة من نوال الزغبي أو نجوى كرم على سبيل المثال. وتشدد لجنف على ضرورة أن يكون أخصائي التجميل مسوقاً للجمال ومثالاً يحتذى به، فمن غير المعقول أن يحقن المرضى وجبينه مجعد، فيمكنه حقن نفسه بالفيلر أو البوتوكس إذا دعت الحاجة إلى ذلك دون أن يصل الأمر حد الهوس.
وتقول الدكتورة سعاد حسن هاشم، أخصائية نفسية عيادية بمركز الأعصاب بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام/ المملكة العربية السعودية: (إن تغيير بعض الأشخاص ملامح وجوههم بالكامل أثناء خضوعهم لتدخل جراحي كي يصبحوا نسخة من أحد المشاهير، يعد حيلة دفاعية المقصود بها أن الفرد تعرض لدرجة من الضغط والقلق النفسي وعدم الرضا عن الذات، بل إن مفهومه للذات وتصوره لها بدا مشوهاً، فتأثر بشخصية أخرى وعمد إلى تقمصها شكلاً، وقد ينتهي به الأمر إلى تقمص آدائها ومهنتها أيضاً). وتستطرد: (قد يشعر في البداية بتحسن في المزاج، وذلك بسبب الوصول إلى الغرض المنشود الذي أثر على مفهوم الذات وطغى عليها، إلا أنه سيعود لاحقاً إلى الشعور بالإحباط والتوتر والضغط النفسي وذلك بسبب الاحتماء بحيلة دفاعية سلبية). وتنوه د. سعاد الهاشم إلى أن التقمص يعد أيضاً من وجهة نظر نفسية إحدى الطرق التي يتعلم منها الفرد، فالأطفال مثلاً يتقمصون شخصية آبائهم أو مدرسيهم أو شخصية كرتونية، فهي سلاح ذو حدين قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية.
وعن كيفية تحول جراحة التجميل من طب علاجي إلى جراحة شائعة تقبل عليها مختلف الشرائح العمرية، يقول دكتور نادر صعب: (بدأت جراحة التجميل كجراحة ترميمية باعتبارها حاجة ملحة للكثير من الناس الذين يعانون من تشوهات خلقية أو ناجمة عن حوادث تعرضوا لها في فترة معينة من حياتهم، فكان لابد من تصحيح تلك التشوهات، ومن هنا بدأت فكرة التعديلات الطفيفة لتحسين الشكل وإعادته إلى سالف عهده). ويتابع: أما الجراحة التجميلية فهي أن نضيف تعديلات على شكلنا الطبيعي لنصبح أكثر ثقة بأنفسنا وتصالحاً مع ذواتنا كتكبير الصدر أو تقويم اعوجاج الأنف في فترة زمنية وجيزة لا تتعدى 15 دقيقة. فباجتماع الفن والتقنيات اللازمة يتجاوز الإنسان المشاكل النفسية التي قد يتعرض إليها بسبب وجود مشكلة ما في جسده. ويؤكد صعب على ضرورة تأخير اللجوء إلى الجراحة التجميلية في حال أمكننا القيام بالطب التجميلي من خلال الإبر والوخز والعناية بالبشرة عن طريق الليزر أو ما شابه، لافتاً في ذات السياق إلى قصور الطب التجميلي عن بلوغ النتائج التي نتوصل إليها عن طريق الجراحة، وقدم كمثال على ذلك ترهل الجلد في مستوى بشرة الوجه والعنق، معتبراً أن عملية شد الوجه التي تستغرق ساعة ونصف الساعة لا يوجد بديل عنها حد الساعة.
التجميل حيلة دفاعية تعزز الثقة بالذات
وتشير الأخصائية النفسية، إلى أن الاضطرابات والعوامل النفسية تساهم بشكل كبير في زيادة عدد مراجعي العيادة التجميلية، ومن أهمها اضطراب تشوه الجسم حيث يكون الفرد منشغلاً بالتفكير بعيب أو أكثر رغم بساطته وعدم بروزه للعيان، أو التحرج بمظهر الجسم العام، وينتج عن هذا القلق السعي للبحث عن حل لهذا الأمر وذلك بمراجعة العيادة التجميلية، لافتة إلى أن الفرد قد يشعر بالتحسن والرضا بعد التدخل التجميلي، ولكن قد يعود الإحساس بعدم الارتياح ومن ثم العودة للدائرة نفسها وذلك لأن السبب الرئيس لم يعالج من جذوره وهو الاضطراب النفسي.
العيوب الخلقية والتنمر
أما فيما يخص متطلبات كل فئة عمرية باعتبار طبيعة المشاكل التي قد تتعرض إليها، فيفند نادر صعب الرأي القائل باستحالة الخضوع إلى عملية تجميل قبل سن الـ18 وأنه لا جدوى من القيام بذلك عند بلوغ سن الخمسين، مبيناً أنه إذا توافقت المتطلبات مع الإنسان وعمره ليس من الخطأ الوقوع تحت طائلة مشرط التجميل فإذا لم نعجل بالجراحة ستسبب لنا مشاكل عويصة تتفاقم حدتها عبر التقدم في الزمن، فالأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم سنة أو سنتين ويعانون من مشكلة خلقية تتمثل في الأذن (الوطواطية) (غير متلاصقة) وهي أشبه ما تكون بميكي ماوس، من الأفضل خضوعهم إلى مثل هذه الجراحة في سن مبكرة لأن غضروف الأذن يكون طرياً حينها والعملية أسهل ولا تتجاوز ربع ساعة. وهذا من شأنه تغيير مسار حياة الطفل، أما إذا دخل المدرسة مع هذا العيب الخلقي فسيكون مثاراً لسخرية زملائه وعرضة للتنمر ما يؤثر سلباً على نفسيته، فيصبح بحاجة إلى علاج نفسي أكثر منه جسدي. لذلك ينبغي أن تكون لنا ثقافة واسعة بالتجميل لنعرف بأي عمر نلجأ لمختلف العمليات التجميلية لضمان راحتنا وتأمين سعادتنا. وبالنهاية الجمال ثقافة قبل كل شيء.
ومع التقدم الهائل في عالم التجميل، أصبحت ظاهرة الحقن التجميلية كالبوتوكس والفيلر وغيرها، من الطفرات الحديثة والمستشرية في مختلف أصقاع العالم، وقد زاحمت المساحيق كعنصر أساسي في عالم التجميل احتل الصدارة لعقود متتالية، فسحبت منه البساط (الحقن)، لتغدو الخيار الأفضل والأسرع للمرأة لما تمنحه إياها من نتائج مذهلة في ظرف قياسي، حتى ليطالعنا وجهها أكثر نضارة وحيوية وشباباً بعد أن غزته التجاعيد وبات شبح الشيخوخة يترصد به مع بلوغ العمر أرذله. فلاحظنا مؤخراً سباقاً محموماً بين النسوة -على اختلاف وضعيتهن الاجتماعية- ليظفرن بتلك الحقن دون التفكر في مخاطرها ومضاعفاتها الحينية أو المستقبلية. يقول د.نادر صعب متحدثاً عن عوامل شيخوخة البشرة: (كل واحد منا يبحث عن الشباب الدائم خصوصاً على صعيد نضارة البشرة وإشعاعها، لأنه كلما تقدمنا في العمر تطرح مشاكل جفاف البشرة والتجاعيد بفعل تقلص الكولاجين، ويساهم التراجع في الوزن والحمل في الوصول إلى تلك النتائج السلبية كذلك. ففي فترة الحمل مثلاً يتوقف الجسم عن إفراز مادة الأوستروجين المسؤولة عن ترطيب البشرة مما يساهم في جفافها وظهور التصبغات والكلف). وما يعمق مشاكل البشرة أيضاً عدم شرب المياه بشكل كاف وعدم استعمال الوخز المغذية للبشرة والكولاجين، إضافة إلى التعرض للشمس أوقات الظهيرة واستعمال المكيفات الهوائية، والأسوأ من كل ذلك التدخين. كل تلك العوامل تؤدي إلى جفاف البشرة وترهلها في سن مبكرة. وينصح صعب السيدات باستعمال الكريم المرطب وواقي الشمس حتى داخل البيت للحفاظ على نعومة البشرة ورونقها، وتفادي المكيفات لأنها تسبب جفاف البشرة أكثر من أشعة الشمس ذاتها، ومعالجة المشاكل الهرمونية في الجسم.
تكميم المعدة دون جراحة.. ثورة في عالم التجميل
 ولعل من أحدث ما وصل إليه علم التجميل اليوم، تكميم المعدة عن طريق المنظار كبديل عن الجراحة التي تحف بها العديد من المشاكل والمخاطر على جسم الإنسان، وليس أقلها تغيير مسار الأكل ومجراه. يقول د.نادر صعب في هذا الإطار: (تكميم المعدة دون جراحة تقنية أحدثت ثورة بعالم التنحيف، فباستعمال المنظار الهضمي بالمعدة نلجأ إلى طي جدارها على بعضه البعض، وبالتالي نحصل على معدة تشبه الأنبوب ونخفف سعتها 70 بالمئة، وهكذا يحس الإنسان بالشبع بشكل سريع وينحف تدريجياً). مضيفاً: وهذه التقنية لا تساهم في التخسيس فحسب، بل تخفف نسبة الأدوية التي يستعملها المريض سواء منها الخاصة بالكوليسترول أو السكري أو الضغط أو مشاكل القلب، وتخفف من آلام الظهر وآلام الركب.
وصفوة القول إن مكنة التجميل لا حدود لها، شريطة أن نحسن توظيفها حتى نعزز ثقتنا بأنفسنا في عصر غزته الميديا وسيطر عليه عالم الصورة وبات المظهر عنصراً رئيساً في كل مجالات الحياة ولاسيما المهنية منها.

ذو صلة