المطرقة والإزميل هما اليوم وبحسابات تطور التقنيات مجرد شاهد على الأداة الأولى في تنفيذ أعمال وإبداعات عالم النحت مع مختلف الخامات من أخشاب وأحجار ورخام ومعادن، ويساعدان في هذا الفن القديم العزيز بمراعاة اعتبارات الحجم للكتلة أو الأعمدة والقواعد، والغرض القومي أو الجمالي أوالديني من خلال التصاميم والابتكارات. كان ذلك قبل أن نتعرف على التكنولوجيا التي تجاوزت تلك المرحلة، وجاءت لنا بالأدوات وتطبيقات برامج الكمبيوترالحديثة والآلات الكهربائية الدقيقة والليزر، لتنفيذ أعمال التقطيع والنقش والحفر والتنعيم، كما جلبت تلك الثورة من التطور التقني السوائل والمساحيق والمعاجين والعديد من المكونات الكيماوية التي تم استحداثها لتنافس القديم من الرخام والأحجار.
ودون استعراض تاريخ فن النحت عبر العصور، والرجوع للاستشهاد بنماذج من تلك الأعمال الرومانية واليونانية والهندية والصينية والمصرية القديمة؛ نقول إن النحت السائل جاء نتيجة البحث الدائم عن حلول لتوفير الوقت والجهد وتقليل الضوضاء، وإنتاج أعمال غاية في الدقة، وقد يمكن استدعاء القديم منها وإعادة نسخها ومحاكاة البعض من تلك الأعمال حتى في ظروف وجودها الأولى، كل ذلك يتم اليوم بكل المواد والأدوات التي تم استحداثها في عالم النحت الحديث، والذي يمكن اقتناؤه أو الاعتماد عليه في فنون الصناعة والعمارة والتشييد، وكأننا نبعد المطرقة والإزميل والجهد الإنساني الكبير، ونوجه ذلك للآلات الدقيقة التي تستخدم اندفاع الماء أو الهواء أو الضوء والكهرباء.
قد يتبادر للذهن هنا أن المقصود بالنحت السائل هو الصب كأحد أقدم عمليات النحت الناتج من صب السائل المنصهر من البرونز والنحاس والألومنيوم أو المواد الأخرى في قالب يمكن صنعه من الطين، ثم يسمح للسائل بالتصلب، ويمكن بعد ذلك تكسير القالب لاستعادة صب الصلب بداخله؛ لكن الحديث هنا إنما هو عما يمكن استخدامه من مواد أخرى بعد تقنين أوزانها من خلال خلطها بمكونات أخرى مثل الإبوكسي أو الخرسانة أو الطين.
وحتى بيوت الأزياء والموضة اتجهت نحو تلك السوائل والمعاجين لتصنع من خلالها حلياً وقلائد وأيقونات وإكسسوارات وصولاً لسائل تزيين الأظافر وعمل نحت كرستالي. وأصبح من غير المستغرب أن تسمع عن البوتكس والبوليستر والجل والأكليرك وكريمات براقة تعكس الضوء وأعمال الريزن، كما استفادت من تلك السوائل وتقنياتها صناعة الأثاث وهندسة الديكور بشمولها هندسة ديكور القصور والبيوت والمسارح إلى السيارات وغيرها.
يقودنا ذلك بطبيعة الحال للكلام عن النحت السائل والتطبيقات التي حدثت في عالم النحت والتصوير من خلال العالم الافتراضي الذي برع في إيجاد بعض الحلول الفنية والتقنية، وأقام المعارض لخلق مجال الرؤية في جزء من تلك الفنون من خلال نظارات وعدسات وأجهزة خاصة ومتطورة تصنع تلك المجسمات الافتراضية في غير واقعها الحقيقي، وقد يأخذنا هذا الحديث إلى الهولوجرام الذي تقوم فكرة عمله على حدوث تصادم بين الموجات الضوئية للأشياء التي يرغب في تصويرها وعرضها من خلال الأجهزة المتخصصة، حيث يقوم الجهاز بتخطيط تلك الأجسام المراد تصويرها وعرضها ثم نقل المعلومات بدقة حول تلك الأجسام، فيتيح هذا الجهاز إمكانية إنشاء الموجة مرة أخرى في حالة إضاءة جهاز الهولوجرام. ولم يعد بمستغرب أن تأخذ تلك التقنيات طريقها لبعض الهواتف الذكية، إذ تتوافر تقنية الهولوجرام للمستخدمين العاديين من خلال بعض التطبيقات والأدوات البسيطة بشكل كبير، وهو سبيل جديد اعتمد عليه بعض الفنانين التشكيليين لعمل صور تتحرك وتتبدل في أشكال من الممكن أن تتكرر من ذاتها أو تغير ألوانها وحركتها.
ولعل تطبيقات تقنية الهولوجرام، وما شاهدناه في حفل أم كلثوم مؤخراً بالسعودية، وكذلك حفل للمغني العالمي مايكل جاكسون؛ يجعلنا نبحث عن سر الصور وخلفياتها الفكرية والعلمية الأكثر تطوراً. ولنتمكن من رؤية الهولوجرام علينا أن نعتمد على وسيط رؤية معين سواء أكان زجاجاً أم دخاناً أو وسيطاً مائياً، لنتمكن من الرؤية من خلال انعكاس الإضاءة على هذا الوسيط، ولكن ما قامت به الشركة المنتجة لتلك التقنية من تطوير سيقلب هذه القاعدة رأساً على عقب من خلال تطوير ثوري للتقنية، حيث تمكنت الشركة من ابتكار تقنية ليزرية يمكنها تأيين الهواء وتحويله إلى بلازما يمكن من خلالها عرض الصورة ثلاثية الأبعاد في الهواء دون الحاجة لوسيط آخر.
على الرغم من أن التطبيق الفعلي لهذه التقنية يبدو بدائياً بشكل واضح حتى الآن، إلا أنها تمثل نقلة نوعية في مستقبل هذه التقنية، وهو ما يمكن وصفه بمستقبل تقنية الهولوجرام التي طورت التصميمات ثلاثية الأبعاد لتصميم الشخص كلياً وعرضه من خلال زجاج ومن خلال تغيير الألوان، وحتى حركة المراوح تصنع اليوم ذلك الشكل الثلاثي الأبعاد من خلال حركتها. وكذلك يستفيد التلفزيون ووسائل الترفية والميديا من كل تلك التقنيات التي ننتظر لها الغريب والجديد الذي يتطور مع الأيام. ولم يعد النحت في المنظور البصري اليوم يحتاج للمس والشعور بالملمس وتحسس مواقع المطرقة والإزميل. نحن نعيش عالم مدهش في كل شيء، وتلك مكاسب علمية للفنون والثقافة والترفية وخدمة البشرية.