مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

المجلة العربية مسيرة نصف قرن

في مطلع يناير من عام 2025م ترتدي المجلة العربية، بزهو وافتخار، ثوبها الخمسين بعد أن قطعت تسعة وأربعين عاماً من مشوار العطاء الذي رسمت خطواته الأولى في عام 1975م حين وجه الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز بتأسيسها، وقد استمرت المجلة برعاية واهتمام الملوك خالد وفهد وعبدالله رحمهم الله جميعاً، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رجل التاريخ والثقافة الأول، الذي آمن بأهمية الفكر والكتاب للإنسان، وتجلى ذلك من خلال دعمه اللامحدود لمختلف المؤسسات الثقافية والبحثية والإعلامية، ومن حينها ألقت المجلة العربية على عاتقها مسؤولية الثقافة والفكر العربي، وواكبت التحولات والمتغيرات الاجتماعية والفكرية والأدبية الوطنية والعربية، فأصبحت بذلك مرجعاً رئيساً للمفكرين والباحثين والمهتمين، ينشرون من خلال صفحاتها أفكارهم ودراساتهم في مختلف المجالات الإنسانية والعلمية.
وبهذه المناسبة الخمسينية نتعرف من خلال هذه السطور على الجهود التي بذلتها المجلة خلال مسيرتها الممتدة من ملفات قضايا شهرية وآراء وأعلام استضافتهم أو كتبت عنهم، وغيرها من خطوات العمل الصحفي المتخصص.

أبرز ملفات المجلة العربية
دأبت المجلة العربية منذ العدد (396) على فتح ملفات وقضايا ثقافية فكرية تجاوزت بها المحلية إلى آفاق عربية وعالمية، واستكتبت من أجلها العديد من الكتاب والمثقفين والباحثين من مختلف بقاع الأرض، وذلك لإثراء المحتوى العربي بما ينعكس إيجابياً على المشهد الثقافي العربي إثراءً وتنوعاً ومعرفة، وهي بذلك تشجع الكتاب والمثقفين ليتنافسوا فيما بينهم لاقتناص الفرصة التي أتاحتها المجلة للجميع لمناقشة ما يهم القارئ العربي والمهتم وعرض إبداعاتهم الأدبية والفكرية.
وفي لمحة سريعة لأبرز القضايا التي استعرضتها المجلة منها العدد (396) تحت عنوان (غواية العامية لشعراء الفصحى: تعايش أنماط أم ردّة ثقافية)، وهي بذلك تحاول سبر أغوار ودوافع الشاعر الفصيح لأن يكتب بالعامية، وهل انتقال هؤلاء الشعراء من ميدان الفصيح إلى سوق العامية أهو التنوع بين الفصيح والعامي؟ أو هو اتساق مع ما هو موجود في الواقع وفي لغة الشعب اليومية. أم لأن العامية لغة يفهمها الجميع ومن ثم تحقق انتشاراً كبيراً وسريعاً للشاعر، وغيرها من الأسباب والعوامل المساعدة لازدهار الشعر العامي من أبرزها الغناء وظهور بعض نجوم الغناء مثل أم كلثوم وعبدالوهاب ثم عبدالحليم، لتعتبر المرحلة الناصرية عاملاً مؤكداً وداعماً أساسياً للشعر العامي بسبب أن عبدالناصر كان يرى أن الثورة هي تدعيم لحركة الشعب وأدبه ونبضه، إضافة إلى وجود مسرحيات معظمها عرضت بالعامية، ليأتي العدد (397) حاملاً قضية (برامج الرأي العربية بين النشأة والتحولات) بدءاً من انطلاقة التلفزيون العربي في الستينات عندما كان يعمل في ظل رقابة الحكومات، وكان بمثابة أداة للدعاية السياسية للأنظمة القائمة رغم الوسائل الفنية المتواضعة والدعائم المالية المحدودة، مروراً بثورة البث الفضائي المباشر، حيث أتاحت الفضائيات في فترة التسعينات أن يطلع الجمهور العربي على نماذج أخرى مخالفة لواقع مجتمعه الحالي من حيث الديمقراطية ومساحة الحرية واحترام حقوق الإنسان وحق القول والتعبير بالإضافة إلى حق الحصول على المعرفة والأخبار، وهذا كله ألقى بظلاله على المجتمعات والدول، ومع ذلك ظل الكثير من برامج الرأي العربية تشبه بعضها ويحكمها ما أطلق عليه (المحاكاة والتناسخ)، لتطرح سؤالاً مهماً يعبر عن لسان الحال وهو: هل التقدم على مستوى الفضاء يقابله تقدم على مستوى الأرض؟ أم أن التقدم في الواقع العربي هو مجرد (فترينات) فضائية على حد تعبير المفكر محمد جابر الأنصاري؟
وجاء عدد (389) لينبش في ذاكرة الخليج وعقدة الرواية، ليبدأ السباق في حكايا سيرة الذات والمكان بحثاً عن متعة حيناً والتوثيق والتجارب حيناً آخر، مروراً بالعدد (399) الذي تناول بالبحث والقراءة اتحاد الكتاب وصولاً لتفسيرها وتصنيفها هل هي مجرد تجمعات بيروقراطية أو مؤسسات مدنية.
وقد توسعت قضايا المجلة العربية الشهرية متجاوزة فضاء الأدب وفنونه إلى تناول قضايا فكرية وعلمية عديدة ومتنوعة حافظت من خلالها على رتم المجلة الرصين، متسلحة بالتطور المعرفي المعاصر، حيث جاء العدد رقم (457) مدججاً بالسؤال الصعب (تراثنا العلمي العربي: كما لو كان حلماً) مدللاً على أن العرب اكتفوا باتفاق العالم على أنهم من نقل شعلة الحضارة إلى أوروبا مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي، حيث تقدم الآخرون وبقوا هم يبكون الأطلال، ومع انعطافة عدد (479) الذي جاء بعنوان (لا عرب في ديوان البشرية الجديد) ليؤكد اهتمام العربية بالمعارف المعاصرة وضرورة مواكبة الجديد ومستقرئة آراء نخبة من المتخصصين والمشتغلين في الحقل الثقافي والمعرفي والرقمي بذلك، تنوعت قضايا وملفات العربية في كافة مجالات الفكر والمعرفة، فهذا ملف عن اللغة العربية، وآخر عن الشفاهية الرقمية، مروراً بثقافة الترفيه ومحاولة لتتبع خطوات أجيال العرب في بلاد الغرب ومدارسة رأسملة الحياة وتسليط الضوء على مصطلح هذا العصر (الأمن السيبراني) ولا تقف عند استشراف مستقبل العلم الحديث فمن أهم ملفاتها أيضاً التي تستقرئ من خلالها المستقبل العدد 570 بعنوان (علم المستقبليات: غياب الدور وإلحاح التحول) وعدد رقم 571 بعنوان (هوية المدن) مروراً بالعدد رقم 572 بعنوان (بروق الأبل) وكذلك في عدد 574 بعنوان (التقنيات وتحول الاقتصاد) وعدد 575 بعنوان (اللهجات المحلية: بريق التنوع المهدد) وتسلط الضوء في العدد 576 على (فنون العمارة)، وتناقش في العدد 577 ملف (أرشيف الصحف) ككنز ثقافي على حافة الضياع والفقد، وليس آخراً في العدد 579 حين تفتح للنقاش مساحة حول (جدل الصورة النمطية).
ومع هذه الخطوات المتلاحقة استمرت المجلة العربية في دورها الوطني الريادي حيث بادرت في تخصيص بعض أعدادها كنافذة تاريخية استطاع القارئ من خلالها الاطلاع على تاريخ وتراث وعادات مدن ومناطق المملكة العربية السعودية من أبرزها عدد (464) الذي خصصته للعاصمة المقدسة مكة المكرمة ويعقبه عدد (470) لمحافظة جدة، تلاه عدد (472) لمنطقة نجران وعدد (486) لمنطقة تبوك مروراً بعدد (495) الخاص بمنطقة جازان ويتزين العدد (497) بتاريخ وحضارة العاصمة السعودية الأولى مدينة الدرعية.

أسماء كتبت للمجلة العربية
حظيت المجلة العربية طوال مسيرتها بقبول بين أوساط المفكرين والباحثين المهتمين العرب الذين تسابقوا لتسطير أسمائهم بين أحضان صفحاتها اعترافاً منهم بدورها الصحافي التنويري وانتشارها المؤثر ومن أبرز الأسماء: يوسف نوفل، وتوفيق وهبة، وعبدالله السمطي، وبلقاسم برهومي، وعلي الأمين، وواسيني الأعرج، وبنسالم حميش، ورشيد خيون، وليلى العثمان، ومحي الدين عبدالحليم، وعلي الشدي، وحمد الجاسر، وإبراهيم البليهي، وحمد البدر، وحسن الهويمل، وخيرية السقاف، وعاصم حمدان، وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وإبراهيم المليفي، ومحمد إقبال عروي، وساعد العرابي الحارثي، وسعد البواردي، وعبدالله سليم الرشيد، وعبدالله بن خميس، وعلي بن تميم، وسعد الحميدين.. وكثيرون من الكتاب والأدباء العرب.

حوارات العربية
يعد الحوار الصحافي في المجلة العربية منبعاً رئيساً لتوالد الأفكار والرؤى الجادة العميقة التي لا تشيخ من خلال مناقشة العديد من المفكرين والأدباء والمبدعين والمهتمين في مختلف مجالات الحياة والفنون، ومن أبرز مَن حاورتهم المجلة العربية:
الملك فهد بن عبدالعزيز حينما كان ولياً للعهد في العدد (3) عام 1976م، كذلك الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية في العدد (4) عام 1977م، وحوار مع الأديب ميخائيل نعيمة في العدد (8) عام 1978 م، ومع الشاعر عمر أبو ريشة في العدد (9) عام 1978م، والأمير الشاعر عبدالله الفيصل في العدد (10-11) عام 1978م، وحاورت قسطنطين زريق في العدد (10- 11) عام 1978م، كما حاورت الشاعرة نازك الملائكة في العدد (10) عام 1981م والشاعر فارق شوشة في العدد (61) عام 1982م، ومع مصطفى أمين في العدد (94) عام 1985م، والأديب عبدالعزيز الرفاعي في العدد (100) عام 1986م، والشاعر محمد حسن فقي في العدد (107) عام 1986م، والأديب محمد حسين زيدان في العدد (107) عام 1986، والأخوان الناشران هشام ومحمد علي حافظ في العدد (108) عام 1986م، وحاورت الشاعر غازي القصيبي في العدد (125) عام 1988م، والأديب يوسف إدريس في العدد (130) عام 1988م، وكذلك حاورت عبدالله الغذامي في العدد (150) عام 1990م، والناقد العربي رجاء النقاش في العدد (156) عام 1990م، والناقد شكري عياد في العدد (158) عام 1990م، والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي في العدد (168) عام 1991م، والروائي ثروت أباظة في العدد (170) عام 1991م، والشاعر حسين سرحان في العدد (178) عام 1992م، والشاعر بلند الحيدري في العدد (184) عام 1992م، والروائي أسامة أنور عكاشة في العدد (200) عام 1994م، ومع الروائية غادة السمان في العدد (205) عام 1994م، والروائي الطاهر وطار في العدد (227) عام 1996، والشاعر سليمان العيسي في العدد (234) عام 1996م، والروائي حنا مينا في العدد (245) عام 1997م، مع الشاعر عبدالوهاب البياتي في العدد (250) عام 1998م، كما حاورت الروائي نجيب محفوظ في العدد (293) عام 2001م، والروائي جمال الغيطاني في العدد (300) عام 2002م، والروائي الطيب صالح في العدد (319) عام 2003م، وحاورت عالم الفضاء العربي فاروق الباز في العدد (328) عام 2004م، والشاعر عبدالعزيز المقالح في العدد (333) عام 2004م، والسياسي محمد الرميحي في العدد (498) عام 2018، والناقدة ميساء خواجا في العدد (507) عام 2018م، والناقدة لطيفة لبصير في العدد (518) عام 2019م.. وغيرهم كثير في مختلف المجالات الثقافية والأدبية.

بورتريهات المجلة العربية
نهجت المجلة العربية إلى نشر صور شخصية (مرسومة) لمثقفين وأدباء وفنانين سعوديين مع ترجمة مختصرة عن مسيرتهم العلمية والعملية، وذلك تقديراً منها لعطائهم الفكري والأدبي والثقافي في مجالات مختلفة.

صور نادرة
نظراً لأهمية الصورة في توثيق الأحداث وإبراز الشخصيات، اهتمت المجلة العربية بالصورة الفوتوغرافية، إيماناً بقيمتها الفنية الثقافية، من ذلك الصور النادرة والتاريخية للأحداث والشخصيات الثقافية والسياسية والاجتماعية، واستطاعت المجلة منذ تأسيسها جمع مادة صحفية منوعة وثرية ومرجعاً أميناً في توثيق الصور والأحداث من أبرزها صورة تجمع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن مع الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت عام 1910م وأخرى للملك المؤسس بلباس الإحرام لدى دخوله مكة المكرمة عام 1926م وغيرها من الصور التي تجمعه مع أنجاله والملوك والوفود الرسمية والدولية، وصور لملوك المملكة العربية السعودية؛ سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، وصورة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إبان تطوعه في الجيش المصري عام 1956م، وصورة أخرى له -حفظه الله- في بدايات عمله أميراً لمنطقة الرياض.
كما نشرت المجلة العربية صورة للرئيس المصري جمال عبدالناصر، والرئيس أنور السادات، إضافة إلى صور لعدد من الشخصيات الأدبية والعربية كالشاعر أحمد شوقي، وعلي الطنطاوي، وحمد الجاسر، وصورة للاجتماع الأول لمجلس جمعية (أبوللو) الأدبية برئاسة أحمد شوقي عام 1932م، وأخرى تجمع كلاً من أحمد زكي، وعباس العقاد، وبنت الشاطئ، وطه حسين، وأمينة السعيد، وطاهر الطناحي عام 1945م، ويوسف السباعي، ومجموعة متنوعة من صور المؤتمرات الإسلامية والعربية وبعض البلدان والمدن السعودية والعربية.
والمجلة العربية وهي تحتفل باكتمال عقدها الخمسين تتطلع إلى مواصلة تميزها في الحفاظ على تراث وأصالة الثقافة العربية مع التزامها بمواكبة المعاصرة والتجديد.

ولدت مذكراتهم في المجلة العربية
تكشف ذاكرة المجلة العربية عن مواكبتها للعديد من رواد الثقافة الذين أشرعت لهم صدر صفحاتها لكتابة مذكراتهم وتجاربهم وسيرهم. منهم العلامة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، حيث نشر أولى حلقاته في المجلة العربية في رجب 1406هـ، الموافق مارس 1986م، وامتدت إلى رجب 1417هـ، الموافق نوفمبر 1996م، بما يشكل في المجلة 98 حلقة، وقد صدرت لاحقاً في كتاب من جزءين عن دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر عام 1427هـ/ 2006م في الكتاب الشهير (من سوانح الذكريات).
أيضاً الأستاذ عبدالله القرعاوي، حيث نشر في المجلة العربية أكثر من 41 حلقة في الفترة من محرم 1416هـ إلى رمضان 1419هـ، ثم صدرت هذه الحلقات في كتاب من 640 صفحة في كتابه (ذكريات نصف قرن).
كذلك الأستاذ أحمد المبارك، وقد نشر في المجلة العربية أكثر من 50 حلقة في الفترة من شعبان 1420هـ، إلى رمضان 1424هـ، لتصدر لاحقاً في كتاب (رحلة الأمل والألم). والأستاذ علوي الصافي، إذ نشر مذكراته في المجلة العربية في أكثر من 40 حلقة في الفترة من محرم 1423هـ إلى جمادى الآخرة 1427هـ، وهي مادة كتابه: (مذكرات صحافي.. ناقص الذاكرة).
ومن بين من أوقدت المجلة العربية لهم لحظة التدوين والتذكر الدكتور يوسف عز الدين، حيث نشر في المجلة العربية أكثر من 22 حلقة في الفترة من شوال 1424هـ إلى رجب 1428هـ، ليصدر عبرها كتابه (نفحات من الماضي العبق). كما يحضر الأستاذ عبدالله خياط الذي نشر في المجلة العربية أكثر من 62 حلقة عن مسيرته الصحافية في الفترة من محرم 1417هـ إلى صفر 1422هـ، ثم صدرت لاحقاً في كتابه (مذكرات رئيس تحرير سابق). والأستاذ عبدالله الجفري، حيث نشر في المجلة العربية أكثر من 17 حلقة في الفترة من رجب 1427هـ إلى محرم 1429هـ. وكذلك الدكتور عاصم حمدان حيث استهل النشر في المجلة من عدد 468 بتاريخ 1437هـ الموافق نوفمبر 2015م، تحت عنوان: (ذكريات من الصفة). وكتب الأستاذ سعد الحميدين مذكراته الأدبية والصحافية تحت عنوان (خطوات قلم) في 35 حلقة.
وتأمل المجلة العربية مواصلة هذا الدور بالمزيد من المذكرات للمثقفين والأدباء.

ذو صلة