مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

شوقي بدر يوسف: النقد هو الوجه الآخر للإبداع

حوار/ عِذاب الركابي: مصر


شوقي بدر يوسف، ناقدٌ رؤيوي، يعتمدُ كثيراً على ذائقتهِ المهذبةِ بثقافةِ غزيرة وهادئة. وفي تحليلاته، وهوَ يربضُ في أعماق النصّ القصصي والروائيّ؛ كتبَ دراساتٍ مهمة عن روائيين مصريين وروائيين عرب لمْ يرهم، ولمْ يلتقِ بهم، ولكنّ أعمالهم هي التي حجزت لهُ تذكرة السّفر إليهم، وهي التي رتّبت بينه وبينهم هذا اللقاء عبرَ زورقِ ذائقتهِ الهادئ. ناقدٌ منحازٌ أبداً إلى العمل الإبداعي، بعيداً تماماً عن النفعية والمصلحة والمجاملة، وهذا ما جعلَ كتاباتهُ تتسمُ بالجديةِ والموضوعيةِ، وتخلو من التفخيم والتهويل والإطراء.

يقول أدونيس (النص هو قراءته)؛ قل كيف تقرأ النص القصصي والروائي؟ وما طقوس قراءتك؟
- قراءتي للنص القصصي والروائي هو نوع من التفاعل معه تماماً، من جوانب كثيرة، أولها: اللغة، والقضية المثارة داخل النص، والشكل الفني. ومقولة (أدونيس) هي مقولة معمقة إلى أبعد الحدود؛ فبدون قراءة النصّ يفقد النصّ أهم عناصره وهي قابليته للوجود.
اهتمامك منصب كناقد على العمل الروائي بالذات؛ لماذا؟ هل أنت من الذين يقولون إن الزمن زمن الرواية، وأن الرواية ديوان العرب؟ فسر لي هذا الاهتمام بالرواية؟
- ينبع اهتمامي بفن الرواية من أشياء متعددة، هي: أنني مولع بهذا الفن منذ زمن بعيد، ثانياً أن العمل الروائي هو شريحة من الحياة جاذبة، تتيح لك الاقتراب من عوالم مبهرة، لذا يعتبر التفاعل معها من الأمور الأساسية عند المتلقي، وبخاصة إذا كانت هذه العوالم تحمل داخلها قضايا تمس الواقع وتبلوره.
وربما كان لصدور كتابي الأخير (الرواية والروائيون) الذي حاولت فيه أن أبرز العلاقة بين الروائي والرواية من خلال بعض الدراسات التطبيقية لبعض النصوص الروائية، إضافة إلى ما صدر لي عن كل من: ضياء الشرقاوي وسعد مكاوي ومحمد جلال في مجال الرواية؛ يعطي انطباعاً عن اهتمامي الزائد بهذا الفن. ربما يكون هذا الجزء الغالب من اهتماماتي؛ ولكني أهتم أيضاً بفن القصة القصيرة، ولي فيها دراسات كثيرة، إذ صدر لي فيها عدة كتب، منها: تطور القصة القصيرة في الإسكندرية، وهاجس الكتابة، وجبل الثلج العائم، ومتاهات السرد؛ وجميعها دراسات في مجال القصة القصيرة، وهي تتناول الجانب التطبيقي لإصدارات عدد من المبدعين في هذا المجال. وفن الرواية والقصة القصيرة صيغتان تندرجان تحت الصيغة الكبرى وهي (السرد)، والدخول في هذه المنطقة يعتبر دخولاً في اللامرئي من النص والمناطق الاستدلالية لظاهرة الحكاية، حيث متعة الحكي والتلقي هي السائدة في هذا المجال، وحيث اكتشاف الأشياء في المتن القصصي والروائي بما يتيح النظر من بؤرة صغيرة إلى عالم مدهش ومبهر في عالم الرواية، وإلى لقطة سريعة من الواقع في فن القصة القصيرة.
النقد دائماً متهمٌ إما، بالتقصير عن مواكبة الأعمال الإبداعية شعراً وقصة ورواية ومسرحاً، أو بالانحياز بدافع النفعية والمصلحة لشخص ما؛ أنت ماذا تقول؟ كيف نقرأ نقداً جاداً يهدف إلى الارتقاء بالنص والكاتب معاً؟
- لا شك أن إشكالية النقد هذه إشكالية مزمنة. وربما يكون تساؤلك حول اتهام النقد بالتقصير نبع أساساً من هذه الإشكالية. وأنا لي رأي آخر حول هذا الموضوع، فالنقد هو بالدرجة الأولى الوجه الآخر للإبداع، ولا شك أن تنوع مدارسه وتياراته ومناهجه، والمناداة بمشروع نقدي أو نظرية نقدية عربية؛ حديث كثر الخوض فيه، وكثر الجدل حوله. وفي كثير من الأحوال ينشأ للمتن الإبداعي نص أو أكثر موازٍ له يتناوله بالنقد والتحليل، وهو ما نسميه بالنقد التطبيقي. والساحة الأدبية ليست مفلسة إلى الحد الذي نتهمها بالتقصير حيال الجانب الإبداعي، ولكن الجانب السلبي في هذا الموضوع ينشأ من قلة عدد النقاد بالنسبة لعدد المبدعين في شتى الأجناس الأدبية، وعدم ظهور الناقد المتخصص في جنس واحد، إذ يلجأ كثير من النقاد إلى الكتابة في شتى المجالات.
بعد كتابك النقدي الرائع (الرواية والروائيون)؛ ماذا نقرأ من جديد للناقد شوقي بدر يوسف؟
- لما كانت اهتماماتي الأساسية تنصب على النقد التطبيقي في مجال السرد (الرواية والقصة القصيرة)، حيث أعتبر هذا المجال هو عالمي الخاص المعني بالنص وروافده المختلفة من كافة جوانبه؛ لذا أحاول قدر المستطاع أن يكون هذا العالم متنوعاً وواسع المدى، يشمل القريب والبعيد، وهو كحلقة صغيرة تبدأ من المجتمع الأدبي المحيط، حيث تتسع لتشمل مصر، ثم تتسع بعد ذلك لتشمل العالم العربي، ثم تتدرج في الاتساع لتشمل العالم كله. وأنا لا أدعي لنفسي هذه الشمولية، ولكنها محاولات أحاول فيها أن يكون المتخصص في مجال السرد متابعاً لكل ما يهمه في هذا المجال، وقد صدر لي -بعد كتاب (الرواية والروائيون)- كتابا (هاجس الكتابة) و(جبل الثلج العائم)؛ وهما عبارة عن دراسات في القصة القصيرة. وأعتقد أن تخصصي في هذا المجال قد أعطاني رحابة وسعة في التناول، أرجو أن تكون مؤثرة ومتفاعلة مع حركة السرد التي تسير سيراً مضطرداً الآن في العالم العربي.
أعمالك الصادرة، مثل: متاهات السرد، جبل الثلج العائم، الرواية والروائيون، غواية الرواية.. وغيرها؛ ألا يورطك هذا الاهتمام بإشكال مع بقية الفنون وموقف من قبل المبدعين الآخرين؟
-أنا مؤمن بنظام التخصص، وأقرأ في جميع المجالات؛ ولكن بؤرة اهتمامي هي في مجال السرد، وهو همي الوحيد الذي أعايشه وأكتب عنه، وأحاول قدر الإمكان توثيقه إلكترونياً، وهذا لا يورطني، بل بالعكس فهو يعطيني خصوصية في التناول من خلال هذا التخصص، وهذا الاجتهاد في مجال واحد. والانفتاح على الساحة السردية في العالم شيء مذهل للغاية، خصوصاً أن هذه الساحة تعطي الكثير لفنون السرد في القصة القصيرة والرواية والسيرة الذاتية، وكل يوم نرى الكثير ونسمع عن أسماء جديدة لم نكن نسمع عنها من قبل، وذلك من خلال العديد من الجوائز المتناثرة في العالم.
لاحظت من خلال علاقتنا الحميمة ومتابعتي لأعمالك النقدية اهتماماً كبيراً بالرواية المصرية والعربية والعالمية؛ هل لأن الرواية تقول كل شيء أو كما قال عنها سانت بيف: (تكتسح كل شيء)؟
- الرواية كما قلت في مقدمة كتابي (الرواية والروائيون) هي محور العلاقة بين الذات والعالم وبين الحلم والواقع، ولأنها فن التخييل الذي يثري الحياة والذي يحمل من التأويلات ما يجعل عقل الإنسان في ثورة مستمرة، ولأنها هي الخطاب الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي المتوجه دائماً نحو حشد من الأسئلة التي تأخذ من الإنسان والطبيعة والتاريخ محاور موضوعاتها لتعيده إلينا رؤى ووعياً وبنى جديدة تضيء وتوهج الواقع، وتضع له أطراً تحدد به طريق الخلاص في هذا العالم؛ لذا كان لزاماً أن تتوجه الأنظار إلى الإبداع الروائي لتحفر في أنسجته المختلفة. وبهذا فقد تحققت من خلال ذلك مقولة الناقد الفرنسي سانت بيف بأن الرواية تكتسح كل شيء، وأن الرواية كما نرى الآن هي الحاضرة وبكل قوة على الساحة السردية، ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم كله.

ذو صلة