وثَّقت الصُحف والدوريات الخليجية والعربية العديد من الأحداث والمتغيرات التي شهدتها المنطقة عامة وعُمان خاصة خلال فترات زمنية مختلفة، ويأتي هذا المقال ليستعرض جانباً من جوانب التغطية الصحفية الكويتية للشؤون العُمانية في مرحلة تاريخية مهمة، تحديداً في أواخر الأربعينات من القرن العشرين.
مجلة كاظمة الكويتية(1) في عددها السابع الصادر في شهر يناير عام 1949م، تطرقت إلى الشأن العُماني عبر مقال للكاتب عبدالله الصَّانع(2) بعنوان (طرف عن عُمان). في هذا المقال سرد الصَّانع ملامح من تاريخ عُمان وأوضاعها السياسية والاجتماعية خلال حقبة الأربعينات من القرن العشرين الميلادي.
واللافت أن هذا المقال جاء بطلب من الشيخ عبدالله السالم الصباح -ولي العهد الكويتي آنذاك- وأميرها خلال المدة (1950 - 1965م)، حيث يذكر الكاتب ذلك بقوله: «ما جئتُ مجلسَ الأمير الجليل والشيخ الوقور عبدالله بن سالم الصباح إلا ويسألني عن عُمان في ماضيه وحاضره، وقد قال لي ذات يومٍ إن عُمان حافلةٌ بالحوادث التاريخية، ولكننا مع الأسف لا نعرفُ عنها شيئاً، ولم يكتب أحدٌ عن تفاصيل أخبارها بما يُشفي المتطلع إلى ذلك القطر الشقيق، فعلمتُ أنه بهذه الكلمة يشيرُ -حفظه الله- إلى أنه يجب عليَّ أن أكتب عن هذا القطر الذي أصبحت أحد أبنائه، حيث سلخت فيه شرخ الشباب ونيفت على الثلاثين عاماً في سكناه، كما قضى والدي أكثر من ذلك، ودفن مع إخوته في ثراه. ونزولاً عند رغبة الأمير الأديب، سأقوم بجهدِ الطاقةِ بما يجب عليَّ إيراد أخباره وحوادثه».
في مستهل المقال، تحدث الصَّانع عن حدود عُمان وامتدادها الجغرافي، حيث قال إن عمان «قطرٌ شاسعٌ يقعُ في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه جزيرة العرب، وتمتد من شمال أبوظبي بقرب الدوحة من شبه جزيرة قطر حتى بلدة مرباط من بلاد المهرة جنوباً، ويحده من الغرب صحراء الأحساء في المملكة السعودية، ومن الجنوب الغربي الربع الخالي، ومن الشرق خليج فارس وبحر العرب، وطوله من الشمال إلى الجنوب تقريباً ألف وخمسمائة ميل»(3)، أما عن سكانه، فيذكر الكاتب أنهم مليونا نسمة على وجه التقريب.(4)
ويلاحظ في وصف الكاتب لامتداد عُمان الجغرافي تحديده مناطق إقليم عُمان بما فيها إمارات ساحل عُمان (دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً) دون الفصل بينها وبين عُمان، وذلك التحديد يتوافق مع ما كتبته المصادر التاريخية والجغرافية في تلك الحقبة التي سبقت استقلال مشيخات الخليج العربي فيما بعد وتحديداً عام 1971م.
يقول الكاتب في هذا الصدد: «وأول بلاد عُمان من الساحل الشمالي بلدة أبوظبي وحاكمها الأمير شخبوط بن سلطان الفلاحي، ودبي وحاكمها الأمير سعيد بن مكتوم الفلاسي، والشارقة وحاكمها الأمير سلطان بن صقر القاسمي، وعجمان وحاكمها راشد بن حميد النعيمي، وأم القيوين وحاكمها أحمد بن راشد العلوي، ورأس الخيمة وأميرها صقر بن محمد القاسمي... وهذه الإمارات في مساحة طولها 168 ميلاً على الساحل، ومستقلة كل إمارة عن أختها».(5)
ويضيف قائلاً: «أما بلدة خصب فهي تابعة لسلطنة السيد سعيد بن تيمور بن فيصل بن تركي السعيدي الأزدي (سلطان مسقط وعمان)». ويرى الكاتب أن هذا اللقب أي سلطان مسقط وعمان يدل على أنه وإن كان في عمان إمارات مستقلة وإمامة في الداخل، فإن السلطان سعيد بن تيمور لا يراها إلا من قبيل الوضع الشاذ، لأنه يرى نفسه السلطان الشرعي الوارث السلطنة عن آبائه السعيديين سلاطين عمان. ويدلل على تفسيره هذا بقوله: «إنه لا يجوز للعماني السفر إلى الخارج إلا بجواز سعيدي، ما عدا أهل الساحل الذين لأمرائهم معاهدات مع الدولة البريطانية».(6)
ثم يتحدث الصَّانع عن بقية المناطق العُمانية، فيقول: «تأتي مقاطعة الباطنة على الساحل الشرقي الجنوبي ممتدة بين بلدة كلباء إلى مدينة مسقط، وأهم بلادها: شناص، لوى، صحار، صحم، الخضراء، السويق، المصنعة، بركاء... ومن وديان الباطنة وادي الحواسنة التابع لسلطنة مسقط، ومصبه على الخابورة... ومن عُمان مقاطعة الحجور بين الباطنة والظاهرة، وتشمل وادي حام وبلدته مسافي لمحمد بن حمد الشرقي، ووادي القور، وبلدته السود لسلطان بن سالم القاسمي، ووادي حتر، وبلدته مصفوت لراشد بن حميد النعيمي، ووادي الجزي، وبلدته سهيلة لصقر بن سلطان النعيمي، ووادي عاهن لبني عمر وبلدته الوقبة».(7)
كما يصف الصَّانع الحياة الاقتصادية في عُمان وأهم مصادرها في ذلك الوقت، حيث يقول: «إنه قُطر غني بمياهه وخصوبة أرضه، كثير الأفلاج، جم العيون، من حاصلاته الحنطة والشعير والذرة والتمر، ومن فواكهه الهنبا (المانجو) والموز والعنب، وفيه الجبل الأخضر المنعوت بجودة زعفرانه، وقطنه الأصفر الذي يشبه الديباج، والرمان والجوز، ومن المعادن في عمان حسب تقرير الخبراء الذهب والنحاس والقصدير والفحم الحجري».(8)
وفي ختام مقاله يصف الكاتب عدداً من الشخصيات البارزة في المجتمع العُماني خلال تلك الفترة، مثل: الشيخ سليمان بن حمير النبهاني شيخ قبيلة بني ريام، وأمير الجبل الأخضر، حيث يقول عنه: «إن الأمير سليمان من أوسع الأمراء العُمانيين اطلاعاً وأوفرهم معرفة، سمح الأخلاق، لا تشوبه شائبة التزمت والتعصب، كريم السجايا، جم الاطلاع في اللغة والشعر، وهو أمير معظم قبائل بني غافر».(9)
كما يصف الشيخ عيسى بن صالح الحارثي وابنه صالح بن عيسى قائلاُ: «الشيخ عيسى بن صالح الحارثي سيد القبائل الهنائية، وعلى جانب كبير من العلم، وسعة الاطلاع في الفقه، وذو صلاح وتقى وكرم يجاري السحاب، وقد توفي الشيخ عيسى بن صالح منذ ثلاث سنين عن عمر ناهز الثمانين، وتولى الإمارة من بعده ابنه الأكبر محمد، وتوفي بعده بعام، ثم تولى أخوه الأمير صالح بن عيسى، وهو كوالده في العز والشرف والتقى والصلاح».(10) ويذكر الصَّانع(11) بأن الشيخ سليمان بن حمير ومن تبعه من بلاد وأمراء، وكذلك الشيخ صالح بن عيسى ومن تبعه من أمراء الحرث وقبائل بني هناة ينضوون جميعهــم تحت راية الإمام الخليلي.(12)
لقد تعرفنا عبر هذا المقال على جوانب مهمة من الأوضاع العامة في عُمان خلال أربعينات القرن العشرين، وهو توثيق مهم للشأن العُماني في أوراق الصحافة الكويتية في تلك الحقبة من الزمن، وبلا شك فإن صفحات الصُحف والمجلات العربية الأخرى تحمل بين طياتها العديد من الأخبار عن عُمان، وأبرز أحداثها خلال مراحل تاريخية مختلفة، وبانتظار من يميط عنها اللثام، ويتيح محتواها للقراء.
-------------------
(1) مجلة كاظمة، مجلة شهرية تبحث في الآداب والعلوم والفنون والاجتماع، وهي أول مجلة تطبع في الكويت، بعد وصول أول مطبعة وهي مطبعة دائرة المعارف، وقد تولى إصدارها كلٌ من: عبدالحميد الصانع، وعبدالصمد تركي جعفر، وأحمد زين السقاف، حيث صدر العدد الأول منها في يوليو 1948م، واستمرت مدة تسعة أشهر متصلة، حتى توقفت عن الصدور بعد عدد مارس 1949م، بسبب كونها مجلة شهرية، وغلبة طابع الأسماء غير الكويتية عليها. انظر: فتحي حسين عامر. (تاريخ الصحافة العربية)، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014م، ص151.
(2) عبدالله علي الصَّانع، (1902 - 1954م)، أديبٌ وشاعر سياسيٌّ كويتي، عُرف عنه فصاحة اللسان وبلاغة القول، له كتاباتٌ في الصَّحافة الكويتية مثل مجلات البعثة، والرائد، وكاظمة، واليقظة. انظر: عبدالله بن محمد الطائي، (الأدب المعاصر في الخليج العربي)، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، 2016م، ص92.
(3) عبدالله علي الصَّانع. (طرف عن عمان)، مجلة كاظمة، الكويت، العدد (7)، يناير 1949م، ص242.
(4) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
(5) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
(6) المرجع نفسه، ص242 - 243.
(7) المرجع نفسه، ص243.
(8) المرجع نفسه، ص242.
(9) المرجع نفسه، ص243.
(10) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
(11) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
(12) محمد بن عبدالله الخليلي: بويع بالإمامة بعد مقتل الإمام سالم الخروصي بثمانية أيام، في مدينة نزوى ليمتد حكمه من 1920 إلى 1954م، وَقَّع صُلْحاً مع السلطان تيمور بن فيصل في السيب بمسقط عام 1920م، ولذا عُرف هذا الصلح باسم (اتفاقية السيب)، وقد اتّصفت إمامة الخليلي ببساطة النظام، واتخاذ القرار بعد المشورة. تُوفي الإمام محمّد بن عبدالله الخليلي في مدينة نزوى ودُفِنَ في مقبرة الأئمة. انظر: الموسوعة العمانية، المجلد 9، وزارة التراث والثقافة، 2013م، ص3209 - 3210.