مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

الحصن المنيع بخروش بن علاس الزهراني

في عام 1170 من أحد بيوت قرية قريش الحسن، إحدى قرى منطقة الباحة، ولد أحد أقوى القادة والمحاربين السعوديين، قائد زهراني لمع نجمه في عهد الدولة السعودية الأولى، ولم يبرح أرض الحرب حتى احتز رأسه فيها فداء للوطن، الأمير (بخروش بن علاس القرشي الزهراني) القائد الذي كما قال عنه المؤرخ الإيطالي (جيوفاني) لم يشهد العرب أشجع منه في زمانه. عُيّن القائد بخروش بن علاس أميراً على كافة بلاد زهران عام 1218هـ بعد إخضاع قبيلتي غامد وزهران لحكم الإمام عبدالعزيز بن محمد على يد (عثمان المضايفي)، ولم يكن اختيار هذا القائد الزهراني للإمارة إلا دليلاً على شجاعته وإقدامه والتي شهدتها كل أرض وطئتها أقدامه ودفن في أرجائها أعداؤه. توفي الأمير بخروش بن علاس تاركاً وراءه قلعة حصينة كل زاوية منها تحكي إحدى قصص ذلك الشجاع وجيشه. تقع القلعة في قرية الحسن في المدخل الشمالي للمنطقة الجنوبية، وهي البوابة الشمالية لحماية المنطقة شمالاً من تدخل الحجاز. تقدّر مساحة القلعة بنحو 2000 متر مربع، كانت الواجهة الأولى وخط الدفاع الأول عن المنطقة، ولم يكن اختيار الموقع عشوائياً فقد اختاره الأمير بخروش بدقة حيث تقع القلعة في قمة جبل تحيط بها المنحدرات وتحفها من الجنوب حصون دائرية للمراقبة، يتكون كل حصن من ثلاثة طوابق وفي كل منها 70 فتحة للرماة تكشف لهم المنطقة كاملة وتوفر لهم الحماية، أما من الشمال فيحيط بها سور متين يصعب اقتحامه ويتوسطها حصن مربع يتكون من خمسة طوابق لم يتبق منها سوى ثلاثة. خُزنت الموارد من الحبوب والماء والأموال في مبنى محصن لا نوافذ له وله باب واحد فقط سمي بيت المال. أما بالنسبة للأجزاء الخارجية فقد ارتبط بالقلعة حصن جنوبي شرقي دائري الشكل مكون من طابقين وبه 40 فتحة للرماة وسور جنوبي لحماية الخندق ومورد الماء (بئر الرهوة) وقصر مستقل للأمير وطريق رئيسي سمي بسبل السلطان.
كانت القلعة المقر الرئيسي للأمير بخروش ومقر القيادة ومنها تنطلق كافة العمليات الحربية ضد الغزاة العثمانيين الذين شهدوا الكثير من المعارك التي ذاقوا فيها الذل والعذاب والخسارة، من أهمها معركة القنفذة، ومعركة وادي قريش بزهران، وموقعة ناصرة بالحارث، وموقعة قريش الحسن الثانية والتي استشهد فيها بطل عظيم لا يزال يذكر اسمه ضمن أحد أقوى رجال زهران. حرص أهالي قرية الحسن على الاهتمام والحفاظ على ما تبقى من القلعة بعدما قام (محمد علي باشا) بعد قتل بخروش من إضرام النيران وتخريب الكثير منها، حيث قاموا بترميمها واستقبال الزوار والسائحين فيها لما تحمله من قصص الشرف والتضحية وفداء أهل الجنوب للوطن. لا تزال قلعة بخروش معلماً شامخاً إلى وقتنا الحالي لتترجم الكثير من مواقف القوة والحزم وشجاعة ذلك الأمير الزهراني وقواته للأجيال القادمة.

ذو صلة