مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

الدبلوماسية الثقافية في خطاب الأمير سعود الفيصل

هي أحد أفرع الدبلوماسية العامة برزت كفكر منذ نشأة التجمعات الإنسانية فيمارسها الإنسان في تنقله بحثاً عن الرزق والتجارة، كما يمارسها العلماء والرحالة، وكذلك قادة الدول بنصيب أكبر. وظهر مصطلح (الدبلوماسية الثقافية) في مطلع القرن العشرين، فهي تُعرف بأنها (أي تعامل شخصي مؤثر مع ثقافات أخرى يسهم في فهم الدولة من عدة جوانب ثقافية وفنية). ومما لاشك فيه أنها قوة ناعمة بدورها تعزز من نشر الثقافات المختلفة بين الدول وشعوبها، ولها الأثر الأكبر في إرساء دعائم السلام العالمي، لإسهامها في تبادل الأفكار لتقريب وجهات النظر المؤثرة في إرساء الوفاق العالمي، والاستخدام الرائج لها هو من خلال الخطابات السياسية والزيارات والاستقبالات الرسمية والبعثات الدولية، التي تهدف للتعريف عن الدولة من عدة نواح أساسها سياسة الدولة وتاريخها ولغتها وثقافتها بشكل عام، وتعد أهم ركائز التواصل الثقافي المؤثرة في تكوين الصورة الذهنية للدولة.
وبشكل عام الخطابات السياسية والبعثات الخارجية سابقاً تعد أهم عنصر في تشكيل روح الدولة وهويتها الثقافية والاجتماعية، كما أنها عامل مؤثر على الرأي العام، يليها اللقاءات الإعلامية المصورة التي تعد محركاً كبيراً في إحياء الحراك السياحي وعاملاً مؤثراً إيجاباً على الاقتصاد والحراك الثقافي في شتى مجالاتهم، ومن خلال تصفح تلك الخطابات لفت انتباهي البصمة الكبيرة التي أضافها الأمير سعود الفيصل -يرحمه الله- في بحر الدبلوماسية الثقافية ظهر من خلالها تفانيه في إبراز الموروث الثقافي السعودي والإسلامي من خلال منبره السياسي لمدة أربعين عاماً، مشدداً على حرص المملكة العربية السعودية الكبير لإظهار الاعتزاز بقيمنا الإسلامية وبموروثنا الثقافي المادي والمعنوي، ولا تقتصر خطاباته على الشأن السعودي فقط فهو بارز في دفاعه الدائم عن ركائز العروبة والإسلام وقضايا العالم العربي، وهذا تأكيد له أصداء عالمية فجميع المهتمين من المختصين والعامة، يصلهم من مختلف وسائل الإعلام تفانينا بالحفاظ على ثقافتنا وأصالة موروثنا بحرص شديد يظهر أولاً بالزي الوطني خلال البعثات الدولية والزيارات الرسمية التي يمثلها وزراء الخارجية والسفراء غالباً ثم بالخطابات واللقاءات المصورة التي توضح الصورة كاملة عن الهوية السعودية الوطنية، وبمنظوري أنه تسويق إيجابي يجعل من يلتبس عليه أمر أو يجهل هذه الثقافة يتفكر بماذا نعتز ليبحث ويصل إلى لمحات من العمق التاريخي والتراثي، حيث أسهم هذا الفعل في تصحيح المغالطات بشكل غير مباشر، وفي هذا الإطار نستشهد بخطابات الأمير سعود الفيصل التي ألقاها خلال تواجده في المؤتمرات العالمية واللقاءات الإعلامية:
(فكما هو الشعب الأمريكي كذلك السعوديون حريصون على المحافظة على طبيعتهم وتميزهم وكذلك إيمانهم وثقتهم بالله وبتاريخهم وحضارتهم وأملهم في مستقبل أفضل لأولادهم وأحفادهم).
(هدفنا أن نبني بلدنا ويحصل مواطنونا على المستوى التعليمي والاقتصادي الذي نعتقد أنهم يستحقونه).
(نحن نطور برامجنا الوطنية لتحسين حياة المواطن وليس استجابة لطلبات تأتينا من الخارج، نحن نستجيب لطلبات الناس في المملكة العربية السعودية وما أقوله لك بوضوح لسنا بدولة تابعة نحن دولة مستقلة).
(ليس جدي فقط من وحَّد هذه الدولة، بل جدي وجده، وجده الأكبر، هذه عائلة عادت للحكم ثلاث مرات منذ نشأة المملكة العربية السعودية، وهذا يعني أنه يوجد ترابط بين شعب هذا البلد والعائلة الحاكمة وسبب بقائنا أننا نخدم مصالح الشعب، إنها عائلة لديها جذورها الراسخة داخل الأرض وتعمل لمصالح شعبها ولديها الحكمة في إصلاح الأخطاء وتجنبها).
(نحن العرب نحن في المملكة العربية السعودية لا ننكث بالوعد كما لا نرتضي الوعيد).
في الفقرة السابقة تم الاستشهاد بمقتطفات من خطاباته -يرحمه الله- على سبيل المثال لا الحصر، والجدير بالذكر أن الأمير سعود الفيصل تطرق في خطاباته ولقاءاته بأعلام ورموز تاريخية وثقافية من عالمنا العربي والإسلامي مخاطباً المجتمعات العالمية، ضارباً المثل في القواسم المشتركة بين الدول لكونها محركاً أساسياً في التعاون الثقافي والاقتصادي، وبمختلف المجالات، الأمر الذي لم يغفل عنه الأمير سعود الفيصل ويكاد لا يخلو خطاب منها ولكن في فترة ليست بعيدة تعددت وسائل الدبلوماسية الثقافية مع تطور الوسائل التقنية فأصبحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي متنوعة وتأثيرها أبلغ وأصداؤها أعلى وأسرع بالانتشار مما أسهم في تعزيز سبل الحوار والتعاون الدولي، حيث أبرزت جهود المواطنين في عكس هويتهم الوطنية والثقافية من خلال بعثاتهم ومشاركاتهم في عدة مناسبات عالمية مثل: مشاركات المبتعثين بالاحتفال باليوم الوطني في الدول المستضيفة، وتمثيل الوطن في المسابقات العلمية والابتكارية والنشاطات الرياضية العالمية بالأزياء المحلية، وكذلك الجانب الفني من الموسيقى السعودية، فلا يكاد يخلو حقل علمي أو ثقافي من تواجد مشرف للسعوديين، استكمالاً للجهود الوطنية المبذولة من وزراء الخارجية الذين وضعوا البصمة المشرفة الأولى وأكمل عليها المواطنون بكل عزم وفخر.

ذو صلة