مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

المجلة وتحدي الأجيال

حرصت أن أكون هنا، في الصفحة الأخيرة من المجلة، ليس بعدي إلا الغلاف، لن أسرد ذكرياتي وعلاقتي بالمجلة، ولا تجربتي في تحرير صفحاتها، ولكن هنالك أمراً آخر دفعني لذلك، وهو البحث عن إجابة لسؤال أزعجني في هذه السنوات الأخيرة التي بدأنا نرى التغير في ساحة نشر الصحف والمجلات وبالأخص الدوريات الثقافية، تغير - للأسف - ليس إيجابياً، بل سلبي، فقبل سنوات كانت المجلة العربية، وغيرها من الصحف والمجلات حاضرة في كل مكتبة أو مركز تسوق، وبدأت مع الزمن تتلاشى، توقف أغلبها، وتوجهت بعضها بالاكتفاء بالنسخ الإلكترونية، وإضافة إلى ذلك أسهمت جائحة كورونا بالإجهاز على بعض الصحف المترنحة.
السؤال المزعج: هل الاحتفال بمرور خمسين عاماً، من قبيل الابتهاج أن المجلة صامدة وستبقى، أم أنها في منعطف مرحلة زمنية أصعب، حيث إن البقاء للأفضل والمختلف.
خمسون عاماً يعني أنها مرت على عدة أجيال، والأجيال في السنوات الأخيرة متلاحقة، فأبناء من احتفى بصدور المجلة يختلفون عن آبائهم في كثير من الأمور، فما بالكم بالأحفاد، وهذا زمنهم، فجيل ما قبل خمسين عاماً يختلف عن جيل اليوم، ذلك الجيل المتعلم الذي يحب القراءة والكتابة ويحرص على اقتناء الكتب والصحف والمجلات، ويعني له كثيراً صدور مجلة ثقافية شاملة، الآن الفضاء السايبروني، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تشبع شغف كثير من يهوى المعرفة، لذا سيكون السؤال: ماذا تقدم مجلة ثقافية، في زمن نشرات البريد الإلكتروني، والمنصات الإلكترونية، ووسائل التواصل؛ مثل فيسبوك، وإكس، وإنستغرام، وغيرها، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي.
الجواب ببساطة: يجب على المجلة الثقافية التي ترغب في استمرار صدورها تقديم ما هو مختلف، وجاذب، ويتسم بروح العصر، أنا لن أتكلم باسم (المجلة العربية) ولكن بكل تأكيد أسرة المجلة تعي ذلك، وتحرص أولاً على حضورها المنتظم الورقي، وبالطبع الإلكتروني، والذي سيكون أكثر انتشاراً في ظل مشاكل التوزيع التي تعاني منها كل المطبوعات الورقية ومن ضمنها الدوريات، وذلك في العالم العربي، وصول المجلة ليد القارئ أو المتصفح في وقت محدد دون تأخير، هذا مهم، يبقى الأهم وهو المضمون. كل المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل أو بصيغة أخرى الإعلام الجديد، بقيت عاجزة على أن تشغل موقع الدوريات الثقافية والتي تقدم إضافة إلى الدراسات والنصوص الإبداعية، التحقيقات وتطرح ملفات تناقش فيها قضايا مختلفة، الدوريات تقوم بذلك، وخير مثال ما تطرحه المجلة العربية، ونرى صداه في وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن نتفق أنها وسائل تواصل إضافة إلى كونها نسقاً إعلامياً جديداً، بالطبع المجلة الدورية وكذلك المجلات والصحف لن تصل لمرحلة (السبق الصحفي) في ظل الإعلام الجديد، وهنا يبقى للمجلة نسقها الخاص بعيداً عن نشر الأخبار أو متابعة المناسبات، ولكن بالمقابل تطرح الرؤية والرأي، وتقدم النص الإبداعي بصورة مشوقة.
نعرف أن الجيل الجديد لا يرضى مطلقاً بالعادي أو المباشر، وأفقه الذهني والمعرفي أوسع، وهنا وبعد تفكير قد يكون طويلاً، هل تكون الشريحة التي تتوجه إليها المجلة من بقايا الأجيال السابقة، أو ما يطلق عليهم في المملكة (جيل الطيبين)، أم أن ذلك الجيل لن يدوم طويلاً، لذا لابد من صيغة معينة للوصول إلى الأجيال الجديدة، التي أعتقد أنه يهمها ما هو مشوق ومختلف، أعتقد أن مسار كل مجلة أو صحيفة ترغب بالاستمرار، أن تساير تغيرات العصر، لا بأس لتكن الصحيفة والمجلة نسخاً إلكترونية، ولكن مهم أن تقدم بشكلها الورقي، إخراجاً، وتقدم بصيغة النسق الإلكتروني المألوف، ليسهل قراءتها، ومن ثم التفاعل مع المادة المنشورة بإعادة نشرها أو تعميمها إلكترونياً، أو التعليق على النص، وهذا التعليق سيصل للكاتب، ويثري مقروئية المجلة.
الحديث طويل، وشائك، لنتفاءل، ونحتفل، أملاً باستمرار المجلة العربية لسنوات طويلة، ليكون هنالك احتفال بمئة عام، ويكون كل من مر على هذه المجلة كاتباً أو محرراً أو فنياً، جزءاً من تاريخ خالد.

ذو صلة