عاش وليم شكسبير في حقبة مميزة، في فترة نعرفها الآن بأنها المرحلة الأولى من الثورة العلمية. كانت هناك أفكار جديدة قد بدأت تحدث تحولاً في الفكر الغربي، وكانت القرون الوسطى تفسح الطريق أمام العصر الحديث، وكان العمل الذي قام به عدد من الشخصيات البارزة يلمح إلى العالم الجديد الشجاع الذي سيأتي، وكان من بين هؤلاء غاليليو المنهجي والعقلاني، ومونتين المتشكك، وكان من بينهم أيضاً - كما يؤكد مؤلف الكتاب دان فوك بشكل مقنع – شكسبير، الذي كان يراقب الطبيعة الإنسانية بمثل الاهتمام الشديد الذي كان يدرس به الفلكيون سماء الليل.
ونحن نلتقي في كتاب (عِلم شكسبير) مع زمرة متألقة من مفكري عصر النهضة من ضمنها توماس ديغز الذي نشر أول وصف باللغة الإنجليزية لـ(علم الفلك الجديد)، وكان يعيش في المنطقة نفسها التي عاش فيها شكسبير، وتوماس هاريوت (غاليليو إنجلترا) الذي صوب تلسكوباً نحو سماء الليل قبل نظيره الإيطالي بشهور، والفلكي الدانمركي تيخو براهي الذي كانت قلعته التي اتخذ منها مرصداً تقع على مرمى البصر من إلسينور التي وقع عليها اختيار شكسبير لتدور فيها أحداث مسرحيته (هاملت)، والذي تصادف أن كان شعار عائلته يحتوي على الاسمين (روزينكرانس) و(غيلدينستيرين). ثم هناك غاليليو نفسه، فكما يبين فوك، فإن ملاحظاته الرصدية التلسكوبية ربما أثرت على واحد من أعمال شكسبير الأخيرة.
يتحرى كتاب (علم شكسبير) لمؤلفه دان فوك الصلات بين الكاتب المسرحي الشهير وبدايات الثورة العلمية، وكيف غيّر الاثنان معاً وجه العالم إلى الأبد.
في أحدث كتاب له يحمل عنوان (عِلم شكسبير)، يتعامل دان فوك، الكاتب الصحفي العلمي الحاصل على جوائز، ببراعة مع علوم الفترة المبكرة من الحداثة، أو بالأحرى الفلسفة الطبيعية لهذه الفترة. ويصور كتابه هذا المناخ العلمي والتطورات العلمية التي شهدها زمن شكسبير، ويبرهن على تأثير العلم على أعمال هذا الشاعر العظيم.
لا تفتقر المكتبة إلى الأعمال الأكاديمية التي تتناول شكسبير، وهي الحقيقة التي يسارع فوك إلى الاعتراف بها. لكن الكاتب المسرحي ليس هو الموضوع الذي يتمحور حوله الاهتمام في كتاب فوك، بل يعمل شكسبير بالأحرى كعدسة يتم من خلالها استكشاف السياق العلمي الذي عاش فيه وعمل.
يصحب فوك القارئ - بتقييمه تعرّض شكسبير المحتمل للفلسفة الطبيعية - في جولة حافلة بالأحداث عبر العلوم في مستهل العصر الحديث، حيث نتعرف على كوزمولوجيات القدماء، قبل أن نواجه بعض الشخصيات الأشد تأثيراً في مطلع العلم الحديث، ومن ضمنهم كوبرنيكوس وغاليليو وتوماس ديغز وتيخو براهي. ويورد الكتاب نصوصاً عديدة مقتبسة من مسرحيات شكسبير، كما يحلل تأثير رؤى عالمية علمية معينة عليها. فعلى سبيل المثال، يبحث (علم هاملت) دور الكوزمولجيا البطلمية والكوزمولجيا الكوبرنيكية في عمل شكسبير الأشهر. والحقيقة أن جُل الكتاب مكرّس لعلم الفلك، لكن فوك يعترف فعلاً بالطبيعة المتعددة للعلم الحديث المبكر، حيث ينحرف معرّجاً على السحر والخيمياء والطب ومذهب الذَّرّيّة.
يتحدى فوك دارسي شكسبير الذين يفنّدون فكرة أن شكسبير تأثر بعلوم عصره. لكنه لا يدعي أن شكسبير كان فيلسوفاً طبيعياً. كما لا يدعي أن العلم كان حتمياً أو محورياً في أعمال شكسبير. وتعد بعض الاستنتاجات التي يقدمها فوك أوليّة، لكن يبرهن فعلاً وبنجاح على أن الكاتب المسرحي كان على دراية على الأقل ببعض من التطورات العلمية الكثيرة جداً في مستهل العصر الحديث، وأنه ضمّن هذه التطورات في مسرحياته.
هذا الكتاب كتاب يسير، ويشتمل على شروحات واضحة للمفاهيم التي قد تكون صعبة في تاريخ العلوم الحديثة المبكرة. وهو قراءة ممتعة أيضاً ستروق لغير المتخصصين، لكنه مع ذلك يستند إلى اطلاع تام على المواد الأكاديمية ذات الصلة. والكتاب عمل مبني على علم ومفعم بالحماس ونرشحه لأي شخص يسعى إلى الاطلاع على محاولة جديدة لدراسة الشاعر الكبير الذي عُني الكثيرون بدراسته.
قام الكاتب العلمي فوك مؤلف كتاب (بحثاً عن الزمن: رحلات على امتداد بُعد غريب، المنشور في عام 2008، إلخ) بعمل يستحق الإعجاب بدراسته المكثفة إنتاج الكاتب المسرحي الذي تحتوي أعماله على أبيات وتلميحات وتعبيرات مجازية تشير إلى أحدث الاكتشافات. وعلى مر القرون، صارت الثورات العلمية تملأ الدنيا. ويقاوم المؤلف إغراء إفراد عصره، لكنه يؤكد على أنه كانت هناك تغيرات كبيرة تجري (عندما ننظر إلى الوراء بعد مرور أربعة قرون، يتضح لنا أن شكسبير عاش في زمن مميز)، وأكبر هذه التغيرات كان هو الوصف الجديد للكون.
ففي عام 1543، لم يُحدث نشر كوبرنيكوس عمله المعنون (في دوران الأجرام السماوية) - الذي حلت فيه الأرض محل السماء بوصفها مركز الكون؛ ضجة شعبية، لكن الفلاسفة -كلمة (عالم) كلمة تعود إلى القرن التاسع عشر- لاحظوا ذلك. كان غاليليو – المولود في سنة ميلاد شكسبير ذاتها – هو الأشهر، لكن هناك العديد من الإنجليز المغمورين الذين قدموا مساهمات جليلة. وربما يكون توماس هاريوت (1560–1621) قد محّص السماء بتلسكوب في الوقت نفسه. وكان توماس ديغز (1546–1595) – وهو من جيران شكسبير – أول إنجليزي يروج للنتائج التي توصل إليها كوبرنيكوس. وشكسبير نفسه يشير إشارة عفوية إلى هذا الكون الجديد لكنه لا يتجاهل التنجيم – الذي كان ما زال فرعاً محترماً من فروع علم الفلك – وكذلك الطب والسحر وعلم النفس، بل وعلم اللاهوت في العهد الإليزابيثي. كل المذاهب المسيحية تجد كثيراً مما يستحق إعجابها في شكسبير، لكن المتشككين يزعمون أيضاً أنه واحد منهم. ولم يدع فوك باباً إلا طرقه، وهو يكرّس ربما عدداً أكثر مما ينبغي من الصفحات للمتحمسين الذين انكبوا على الأعمال واكتشفوا قصصاً رمزية مدهشة ورسائل خفية واكتشافات سابقة كثيراً لعصره.
إنه مزيج غريب لكن جذاب من العلوم والتحليل الأدبي.
نبذة عن المؤلف
دان فوك صحفي علمي ومؤلف ومذيع. من بين كتبه (بحثاً عن الزمن: رحلات على امتداد بُعد غريب) و(الكون على تي شيرت: البحث عن نظرية كل شيء)، الذي فاز بجائزة صحافة العلوم في المجتمع لسنة 2002. الكاتب له إسهامات تنشر في (غلوب أند ميل) و(تورنتو ستار) و(نيو ساينتست)، كما أنه من المساهمين المنتظمين بكتاباتهم في برنامج (أفكار) الذي يذاع على أثير إذاعة (سي بي سي). وأتم فوك مؤخراً زمالة مرموقة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهي زمالة نايت للصحافة، حيث قام بمعظم أعمال البحث لتأليف هذا الكتاب.