مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

مساهمة في تاريخ وأصل مصحف عثمان (المحفوظ بكاتا لانجر/ سانت بطرسبرج)

تقدم هذه المقالة فرضية مفادها أن القبيلة العربية التي احتفظت بملكية المخطوطة القرآنية القديمة (كاتا لانجر/ سانت بطرسبرج، (مصحف عثمان)، رقم E-20)، كأثر باقٍ مقدس ذي أصل عماني (ظفاري)، حيث وجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم أثناء مشاركتهم في الفتوحات العربية شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ثم استمروا بعد ذلك وعلى مدى سبعة قرون في العبور بامتداد طريق الحرير العظيم، الطريق التقليدي للهجرة، واكتمل توسعهم بحلول القرن العاشر الهجري (16م)، حيث استقروا في إقليم أوزبكستان الحديثة.
وتستند حجة المؤلف إلى الكشف عن أوجه تشابه صريحة بين زخارف فواصل سور المخطوطة المذكورة أعلاه، وزخارف الإبل العمانية التقليدية ذات تصميمات الرقمة. كما يلفت المؤلف الانتباه إلى قرب وظيفة وتصميم خواتم أنوف النساء العربيات بقرية جيناو (أوزبكستان)، اللواتي أحضر أجدادهن المخطوطة إلى أراضي أوزبكستان الحديثة، وخواتم أنوف أنثوية أخرى موثقة في ظفار (عمان).

ولأجل إثبات أو دحض الفرضية، فمن الضروري نشر مادة (إسحاق ن. فينيكوف Isaac N. Vinnikov) عن لغة، وفلكلور، وإثنوجرافيا قشقداريا العربية، لمواصلة دراسة التراث المادي، ونسج السجاد بشكل أساسي، لعرب منطقة قرشي بأوزبكستان، والتي بدأتها بعثات سانت بطرسبرج (كونست كاميرا) عام (2004 - 2005م)، بتحليل الحمض النووي لسكان قرية جيناو، ومقارنة النتائج مع التاريخ، واللغة، والفلكلور، والإثنوجرافيا، والأنثروبولوجيا في ظفار، فهي دراسة شاملة للتقاليد التاريخية الإسلامية المبكرة، بما في ذلك تحليل الأنساب، والتي يمكن أن تزودنا بمعلومات مثيرة للاهتمام، توضح مشاركة القبائل العمانية في الفتح العربي.
كلمات مفتاحية
مصحف عثمان رضي الله عنه- عمان- ظفار- هجرة- عرب قشقداريا بأوزبكستان- خاتم أنف- أراواك- العرب- لطوة تاش- خسافة- خسامة- فواصل سور مزخرفة- زخارف الإبل العمانية- تصاميم الرقمة.
مكنت دراسة موسعة لمخطوطة سانت بطرسبرج رقم (E-20)، وأجزائها الموجودة في أوزبكستان من تتبع المسار الذي سلكته بشكل عام لعدة قرون، فهي واحدة من أهم مخطوطات القرآن الكريم، والتي تم تكوينها مما قد نجي منها- والمؤرخ بالفترة من (158 - 183هـ)- تقريباً، أي الربع الأخير من القرن الثاني الهجري (8م)، والمنسوب ربما للمدينة المنورة، وربما لدمشق، والمكتوبة بخط حجازي متأخر. وإلى جانب الأشخاص الذين قدسوا المخطوطة باعتبارها أثراً باقياً مقدساً، فلقد أخذت المخطوطة المسار المعتاد لطريق الحرير العظيم من عاصمة سوريا الحديثة مروراً بأراضي (العراق، وإيران، وأفغانستان)، وظهرت في الفترة من (895 - 905هـ)، أي في نهاية القرن التاسع الهجري (15م) بشمال البلاد بالقرب من (بلخ، وشيبارجان، وأندخوي- منطقة يسكنها العرب شمال أفغانستان).
اضطر سلاطين الأوزبك الذين احتلوا شمال خراسان وبلخ (آنذاك)، في عام (918هـ - 1513م) إلى تطهير المناطق التي احتلوها، وأعاد السلطان (عبيدالله) توطين سكان مرو في بخارى، كما قام (جاني بك) هو الآخر، بإعادة توطين سكان (بلخ، وشيبارجان، وأندخوي) في إقليمه على الجانب الآخر من (آمو داريا)، أما (كاتا لانجر Katta-Langar)، فلقد كانت مركز الهجرة العربية إلى المنطقة، ويعيش معظم أحفادهم الآن بـ(قشلاق، قرية جيناو، ولاية قشقداريا بأوزبكستان).
قام (إسحاق ن. فينيكوف Isaac N. Vinnikov) في الأعوام (1938، 1943 - 1944م) بجمع مادة لغوية، وفلكلورية، وإثنوجرافية من السكان الناطقين بالعربية بمنطقة قشقداريا بجمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفيتية، وفي عامي (2004 - 2005م)، استمرت الدراسة الإثنوجرافية للسكان العرب المحليين في إطار البعثات الاستكشافية التي نظمتها (MAE RAS). والنتائج التي توصلت إليها أولاً وقبل كل شيء، هي تحليل الزخارف المتسلسلة (بعد الهجرة)، والرئيسة في نسج السجاد، والتي سمحت لنا بتأكيد استنتاجات سابقة حول طريق القبيلة العربية الذي امتد لقرون، والتي سبق وأن حفظت القرآن القديم باعتباره أثراً باقياً مقدساً.
انجذب اهتمامنا إلى خواتم أنوف نساء قبائل الأراواك أو العرب (لوحة 1)، حيث تم شراء نموذجي (لوحة 4 - 5)، وإحضارهما إلى المتحف. يتم تركيب هذا الخاتم بواسطة إدخاله عبر الحاجز الأنفي، كما يكشف اسم الخاتم نفسه عن أصله، فوفقاً للسكان المحليين فإن خاتم (الأراواك، أو العرب)، هو الذي يميزهم عن الشعوب والأعراق الأخرى في آسيا الوسطى.
ويأخذ الخاتم شكل قوس مزين بالخرز، وتسمى أكبر حبة، (إما خضراء وإما زرقاء) بـ(لطوة تاش، (حجر حامي: تميمة))، وهو ما يفسر الاستخدام التقليدي للخاتم، إنه (طلسم: تعويذة)، وقد يستخدم خاتم الأراواك لربط الحجاب على الوجه، أو يمثل حجاباً رمزياً، فالحجاب الحقيقي لم يكن شائعاً في الوسط البدوي، بينما في آسيا الوسطى، فترتدي النساء عادةً، الحجاب على وجوههن. أما جيناو فبها أساطير مختلفة حول أصل خاتم الأنف، وجاءت عادة ارتداء خاتم الأنف من السيدة هاجر، حيث غضبت السيدة سارة ذات مرة، فقالت لهاجر: سأقطع أنفك! وظهر سيدنا جبريل عليه السلام، وقال لسارة: لماذا قلت ذلك؟ فردت سارة: نذرت نذراً، سأقطع أنفها! فتركهم وأُتي بخاتم أنف من السماء، ووضعه في أنف هاجر، ثم قال لسارة: قطعت أنفها، لم ينقض نذرك!
توصلت (م. يانيس M. Yanes) عند تحليلها لخواتم الأنف المذكورة أعلاه، إلى استنتاج مفاده أنه في بداية القرنين التاسع والعاشر الهجريين (15 - 16م)، ارتدت بالفعل نساء القبيلة العربية التي استقرت فيما وراء النهر خواتم تعويذة في حاجز الأنف، وتؤكد هذه الحجة أيضاً منمنمات مؤرخة بالقرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (16 - 17م)، بينما لم يتم تسجيل هذا النوع من المجوهرات في المنمنمات المبكرة. وكانت خواتم شبه الجزيرة العربية، التي يتم ارتداؤها في جوانب الأنف نوعاً منتشراً من المجوهرات، بينما سجلت الخواتم التي يتم ارتداؤها في حاجز الأنف بشكل أقل، والنموذج الوحيد المعروف الموازي والقريب جداً لمثل هذه الخواتم كان بظفار، (عمان)، ويمكن أن نرى ذلك في ربيع عام (2017م) ضمن سياق رحلة دولية، (تاريخية، وإثنوجرافية) عقب مشروع (العالم المادي للقرآن)، الحياة اليومية لشبه الجزيرة العربية زمن النبي صلى الله عليه وسلم. (لوحة 6 - 7).
احتفظ المتحف، والمجموعات الخاصة لنا بالعديد من هذه الخواتم، (اسمها المحلي خسافة أو خسامة، انظر لوحة 8 - 9). إنها مرتبطة بخواتم من جيناو، ليس فقط من خلال معايير التصميم المشتركة، والدور الطلسمي لأكبر خرزة (مكونة من لطوة تاش: تميمة)، ولكن أيضاً من خلال مبادئ استخدامها كمؤشر للتغيرات بالنسبة للفتيات في حالة طقوس الانتقال عند البلوغ، فلقد كان أنف الفتاة مثقوباً لخاتم الأنف الذي كانت سترتديه بمجرد أن تصبح امرأة متزوجة.
تظهر المخطوطة التي نهتم بها عدة مراحل من العمل على النص، ففي المرحلة الأولى تم تمييز نهاية السورة وبداية السورة التالية بمساحة فارغة، كما تم فصل الآيات عن بعضها البعض بواسطة فواصل بسيطة للغاية، وفي ثلاث حالات يميز نهايات السور فاصلان (دفعة واحدة)، وفي إحدى الحالات ميزت نهاية السورة بثمانية فواصل آيات معتادة، وملء الفراغ المتبقي بعد النص حتى نهاية السطر، ولاحقاً ملئت المساحات الفارغة بين السور بزخارف مذهبة (لوحة 2)، كل منها عبارة عن حلية أصيلة من مثلثات وأنصاف دوائر مكونة من خطوط حمراء وخضراء متوازية، ومتشابكة، ومتقاطعة، وفي عدة نماذج أضيف لها حلية هامشية قصيرة، وكتبت أسماء السور وعدد الآيات بجانب حليات عناوين السور بنمط كتابي عكسي قديم.
تمت المراجعة الأولى لعلم الرسم بنفس الوقت الذي تم فيه وضع زخارف، وفواصل إضافية بين الآيات، وأضيفت التصويبات إلى النص بحبر أحمر في اثنتي عشرة حالة؛ كان الجزء الأكبر لإضافة الألفات (الوسطى) المحذوفة في جميع الحالات. ولقد تم إجراء هذه التغييرات عندما عانى النص بالفعل من أضرار المياه في عدد من الأماكن، كما تم إعادة كتابة الأماكن المغسولة بالحبر الأحمر. وبشكل عام، تشترك خصائص الرسم لنسختنا كثيراً مع قواعد علم رسم المخطوطات القرآنية الأولى.
ومع ذلك، فهناك عدد من الاختلافات المهمة -على سبيل المثال- ألف الوقاية في مخطوطتنا، أو كتابة كلمة (شايء) بدون ألف، أو كلمة (على) بالياء (على)- (هكذا)، بدلاً من كتابتها بألف في نهايتها (علا)- (هكذا)، كما هو الحال في كثير من النسخ المبكرة. وفي عدد من الحالات، كان وضع حرف علة متحرك طويل في نصنا أصيلاً، ويكون بنفس الحالات غير موجود في النسخ المبكرة الأخرى. وهو الحال أيضاً في عدد آيات السور، حيث يكشف تحليل قواعد الرسم في مخطوطتنا وغيرها من المخطوطات المبكرة عن تناقض بين التهجئات الموجودة هناك، والقواعد المحفوظة في التقليد الإسلامي.
وتتوافق مخطوطتنا في معظم سماتها، (رسماً، وخطاً) مع المخطوطات المكتوبة بخط حجازي والمكتشفة بصنعاء. ويعود تاريخ المخطوطة إلى الفترة من (173 - 183هـ) تقريباً، أي في نهاية القرن الثاني الهجري (8م)، علاوةً على ذلك، فلقد كان من الممكن إجراء تصحيحات بالحبر الأحمر، وإدخال فواصل مزخرفة بين السور بعد (60 عاماً) من نسخ المخطوطة. ويمكن أن تكون مخطوطتنا مثالاً ممتازاً على وحدة النص، التي نجح المجتمع في تحقيقها في الفترة من (173 - 183هـ) تقريباً، أي في نهاية القرن الثاني الهجري (8م).
أثناء التحضير لنشر دراسة عن المخطوطة، أصبحت مهتماً بالزخارف التي تزين فواصل السور، وانتقلت إلى زملائي بطريقة ما مرتبطة بدراساتهم، فلقد وجد جميعهم تقريباً، صعوبة في تحديد أوجه التشابه المحتملة، وكانت الفكرة الأكثر شيوعاً، اقتراح استكشاف زينة نساء البدو التقليدية، (أقراط، وزينة الصدر)، والتي انعكست في مؤلفي. ومع ذلك ففي خلال البعثة الاستكشافية التاريخية والإثنوجرافية الدولية، المذكورة أعلاه، عقب مشروع (العالم المادي للقرآن)، الحياة اليومية لشبه الجزيرة العربية في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، لفت انتباهنا زخارف الإبل العمانية التقليدية التي تحتوي على عناصر يمتد عمرها لقرون، من تصاميم الرقمة (لوحة 3)، وكان التشابه بين زخارفها وزخرفة فواصل السور في نسخة القرآن الكريم القديمة (E-20) مفاجئاً.
تتكون أدوات تثبيت الرأس (خاتم) من زخارف مثبتة حول رقبة ورأس الإبل، والتي تسمح بالتحكم عند ركوب أو قيادة الحيوان، جميعنا مهتم في المقام الأول برباط العنق، وهو رباط مجدول (مضفر) يتراوح عرضه من (3 أو 4 - 25 سم)، ويبلغ طوله نحو (80 سم)، وهو يلائم رقبة الإبل، فإذا استخدم رباط العنق للزينة فقط، فإنه يطلق عليه اسم (قلادة)، وفي حالات كثيرة يلحق بتميمة جلدية واقية، أما بالنسبة لأدوات السرج، فلقد اعتقدنا أن رباط العنق سيكون ذا أهمية أساسية، حيث به غرزة بعرض نحو (4 - 4.5 سم)، وطول نحو (100 - 200 سم)، بالإضافة إلى رباط عنق ثانٍ (زيار) لديه نفس العرض، وزينت أحزمة السرج (البداد) بنفس تصاميم الرقمة.
وبقدر معين يمكن تمييزه، فإن العديد من الأنماط الهندسية المنسوجة في زخارف الإبل قديمة جداً، بحيث تم نسيان اشتقاقها منذ فترة طويلة، بينما لم تنس طريقة إنتاجها! ولقد اكتشفت لاحقاً أن تنفيذ زخارف التصميم التقليدي متوارثة وممتدة عبر مجموعة من الفئات الحرفية، مثل التصميمات الزخرفية كالمثلثات، وزخرفة الأوراق الملتفة، والدوائر المتشابكة، والتي يمكن رؤيتها أيضاً على الأبواب الخشبية، وصواني الطعام النحاسية، والمجوهرات الفضية، كما تظل معروفة جداً للعين المحلية، وتقبلها فوراً لكونها مألوفة لديهم وخاصة بهم.
توفر المواد المذكورة أعلاه، أسساً كافية لطرح فرضية عمل تستند إليها القبيلة العربية، تلك التي احتفظت بملكية المخطوطة القرآنية القديمة كأثر باقٍ مقدس ذي أصل عماني (ظفاري)؛ فلقد وجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم أثناء مشاركتهم في الفتوحات العربية شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ثم استمروا بعد ذلك وعلى مدى سبعة قرون في العبور بامتداد طريق الحرير العظيم، الطريق التقليدي للهجرة، واكتمل توسعهم بحلول القرن العاشر الهجري (16م)، حيث استقروا في إقليم أوزبكستان الحديثة.
يعلق (يفيم. رضوان) في نهاية مقاله قائلاً: «أعتقد أنها قصة ساحرة حقاً، لواحدة من أهم مخطوطات القرآن الكريم الباقية، والتي تستحق بالتأكيد الجهد، وبرنامجاً بحثياً محدداً. ومهما كانت الحالة، فإن هذا الأخير -يقصد البحث-، لابد وأن يؤدي إلى نتائج علمية بارزة».


مقالة نشرها (يفيم أناتوليفيتش رضوان- Efim Anatolievitch Rezvan)، باللغة الإنجليزية، بعنوان:
A contribution towards the history and origin of the Katta-Langar/ St. Petersburg «QURAN OF UTHMAN». Manuscripta Orientalia: International Journal for Oriental Manuscript Research، Vol. 32، No. 2 (December، 2017)، pp. (3- 9).
(*) رئيس تحرير مجلة المخطوطات الشرقية، ونائب مدير متحف بطرس الأكبر (كونست كاميرا) للأنثروبولوجيا والإثنوجرافيا- الأكاديمية الروسية للعلوم، وأستاذ كرسي اليونسكو في الدراسات المقارنة للتقاليد الروحية وثقافاتهم الخاصة والحوار بين الأديان، متخصص في الدراسات العربية والإسلامية والقرآنية، فهو مؤلف لعدد من الدراسات والمقالات التي تتناول العلاقات الروسية العربية، وتاريخ الإسلام، ودراسات الحوسبة الشرقية، وترتبط إنجازاته العلمية بدراسة مجموعات المخطوطات والمحفوظات في سانت بطرسبرج.

ذو صلة