مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

دومنجو باديا بين الركن والمقام

تعدُّ الجزيرة العربية مهد الحضارة، ومنطلق الإسلام إلى أرجاء المعمورة؛ بلداً غامضاً، مجهولَ التفاصيل، من وجهة النظر الغربية، وذلك جعلها قبلة نظر المهتمين، ومحل نظر الباحثين، مما حدا بالدول الغربية الاستعمارية إلى إرسال بعثات استطلاعية إليها، في محاولات جادة لفهم ذلك المجتمع المجهول -في نظرهم، ولوضع قدم لهم على أراضيها، واختاروا لتلك المهمة رجالاً على قدر عالٍ من الذكاء والصبر.
ودعوني أقول -ولا مشاحة في ذلك- بأنهم قد نهضوا بدور كبير ومهم في نقل الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فنقلوا ودوّنوا أدق التفاصيل التي لم يتطرق لها المؤرخون من أهلها، كما قدموا درساً مهماً في الانتماء والوطنية، والعزيمة والجلد، وتحديد الهدف، والاستماتة في تحقيق المقصود، وذلك أسهم في إدراج أسمائهم في قوائم الشرف في بلدانهم. أقول ذلك تحقيقاً للعدل والإنصاف، وإلا فهم من جهة أخرى عينٌ باصرة للدول الاستعمارية التي كانت تُحدُّ شفرتها لتمزيق الدول الإسلامية، ونهب ثرواتها، مستترين في لباس المستكشف والمغامر، وعلى رأس أولئك الرحالة الغامض والمثير للجدل الإسباني (دمنجو باديا) Domingo Badia الذي ولد في برشلونة عام (1767م / 1180هـ) لأبوين يهوديين، ثم درس العربية حتى أتقنها، وتعلم تعاليم الإسلام، وفهمها، وأطلق على نفسه اسم (علي باي العباسي) زاعماً أنه مسلم، من بقايا العباسيين، وانتحل الدور جيداً حتى أنه اختتن كالمسلمين، وذلك ضمن سعيه الحثيث لتقمص دور الشخصية العربية المسلمة في مشروعه الذي يروم تحقيقه، ثم سعى للحصول على تمويل رحلته من قبل حكومته، ولكن محاولاته باءت بالفشل، فحاول الاتصال بنابليون الذى احتل بلاده إسبانيا -آنذاك- فدعمه نابليون، لما يحمله من أفكار توسعية في الشرق، ورغبة دفينة لمعرفة دقيق وجليل ما يجري على أراضي الدولة العثمانية التي كانت -حينذاك- تترنح، وتعاني اضطراباً سياسياً، ينبئ بانهيارها. فكان أحد أهداف تمويل رحلته دراسة وفهم الأسس التي ترتكز عليها الدولة السعودية، تلك الدولة الفتية التي قام بالتثني في أعطاف مجدها، في سباق محموم مع الإنجليز الذين كان لشركة الهند الشرقية دور كبير في وضع قواعدها في سواحل عمان بالاتفاق مع سلطانها، في حين أن الإنجليز كان لهم اتصال مع إمام الدولة السعودية من خلال إرسال مندوبهم (رينو) إلى الدرعية ليقدم تعهداً باحترام الصلات، والود الدولي مع الدولة السعودية، وهذا الأمر -بلا شك- مربك لنابليون.
وبصرف النظر عن أسباب الرحلة وأهدافها، فإن ما يعنيني الوقوف عليه في هذا المقال هو مشاهد تلك الرحلة التي انطلقت في الثامن عشر من شهر ديسمبر سنة 1806م الموافق للثامن من شهر شوال عام 1221 للهجرة من القاهرة التي استقر بها بعد رحلة طويلة بدأها من المغرب، فانطلقت القافلة من القاهرة متوجهة الى السويس، وكان في وداع القافلة عددٌ كبير من الوجهاء يتقدمهم القنصل الفرنسي الذي أعطى إشارة الانطلاق لقافلة تضم خمسة آلاف بعير أدخل معها (باديا) أربعة عشر جملاً، وحصانين، وخادمين يتقدمان عن القافلة، ويقومان بفرش السجاد له، ليرتاح عليه ساعة أو أقل، حتى تلحق بهم القافلة التي تسير ببطء وانتظام، ليلحق بها مجدداً، ويكرر هذه العملية أثناء السير حتى وصلوا للسويس، وهو ما خفف عليه الجهد، وبدد الملل عن الطريق -على حد قوله.
وصلت القافلة للسويس التي استقر بها يومين، ليركب بعدها السفينة عابراً البحر الأحمر باتجاه جدة، ومعه على متنها خمسون حاجاً، وخمسة عشر بحاراً يرأسهم يمني من (المخا)، حاملاً معه عدداً من آلات تحديد المواقع، وقياس المساحة والارتفاعات، وبعض الأدوية، ومادة تعينه على القيء إذا ما شكّ، أو أحس بتعرضه للتسمم. وبعد أيام من الإبحار وصل المركب إلى ميناء جدة في يوم الثلاثاء الموافق للرابع من ذي القعدة بعد وقوف متكرر للتموين، وإصلاح المركب في ميناء رابغ، وينبع، والجار.
أقام (علي باي العباسي) في جدة أسبوعاً كاملاً للراحة، ولتجهيز القافلة للسير إلى مكة التي وصلها محمولاً على (شبرية) عند دخوله لها، يسبقه خبره الذي انتشر في مكة انتشار النار في الهشيم من أعلى الناس شأناً حتى أصغرهم، وفي مدخل مكة استقبله عدد كثير من المغاربة الذين من عاداتهم استقبال الحجاج، لعرض خدماتهم من سكن وخلافه، وفي أيديهم أباريق صغيرة مملوءة بماء بزمزم يشربها الحاج مرغماً تحت إلحاحهم المتكرر. وبعدها دخل (علي باي العباسي) مكة متوجهاً إلى منزله الملاصق لبيت (الشريف غالب بن مساعد) الذي يطل على الحرم، وأُعد مسبقاً لإقامته.
وفي اليوم الثاني أتمّ (علي باي العباسي) عمرته التي ختمها بالحلاقة تحت أصوات الحلاقين الذين توفروا في المروة طمعاً في الزبائن، وتحت الإلحاح حلق أحد الحلاقين رأسه تاركاً بعض الخصلات، لحلقها بعد الحج، وهذا كان المعتقد السائد -آنذاك- الذي قال عنه (باديا) بأنه معتقد لا يراه أتباع ابن عبدالوهاب الذين يسيطرون على البلاد.
زار (باديا) الحرم المكي في اليوم نفسه بعد راحة لساعات، ليوافق هذا اليوم مناسبة عظيمة، وهي فتح باب الكعبة لمدة يومين يستطيع فيهما كافة من في مكة من الرجال الصلاة داخلها، واليوم الذي بعده يكون للنساء، ثم تغلق لمدة ثلاثة أيام، استعداداً لغسلها في يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وتلك مناسبة عظيمة وافقها (باديا)، وقد ذكر (بوركهارت) أنها لا تفتح إلا ثلاثة أيام متفرقة في السنة، وذلك في العشرين من رمضان، والخامس عشر من ذي القعدة، والعاشر من محرم.
تسنى لباديا الشرف العظيم المتمثل في الصلاة داخل الكعبة بتنسيق مع ابن الشريف غالب الذي أجلسه بجانبه تحت مظلة عند الحجر الأسود يحيط بهم الحراس الزنوج المخصيون، وتحفهم الجموع التي غصّ صحن الكعبة بهم، ولمّا دخل ابن الشريف الكعبة للصلاة داخلها كان (باديا) بجانبه حيث صلى ركعتين داخل الكعبة مختتماً ذلك بتقبيل مفاتيحها، قبل الخروج منها، وتلك هي المرة الأولى التي دخل (علي باي العباسي) فيها الكعبة، ثم كرر ذلك بعد خمسة أيام أخرى مشاركاً في غسيلها.
لمّا انتهى (باديا) من الصلاة ذهب لمنزله، فما لبث أن أتاه نقيب الأشراف ببلاغ للمثول إلى مجلس شريف مكة (الشريف غالب بن مساعد) الذي وصفه بأنه رجل يميل إلى السمرة، وعيناه واسعتان جميلتان، ولحيته متوسطة الطول، وعمره بين الخامسة والثلاثين والأربعين، ورغم خشونته البادية فهو يملك إحساساً مرهفاً، ويرتدي قفطاناً داخلياً، وجبة خارجية مربوطة بحزام كشميري، وآخر على شكل عمامة، وكان يدخن النارجيلة بخفية وحذر خوفاً من اتباع ابن عبدالوهاب في مكة.
حين دخل (باديا) الحرم المكي لأول مرة تحفه الجموع داخل الرواق تراءت له الكعبة حين أوقفه الدليل قائلاً بنبرة عالية: (شوف بيت الله الحرام)، فيقول (باديا) واصفاً الموقف: نظرتُ الى الكعبة المغطاة بالقماش الأسود تحفها المصابيح في هدأة الليل، والدليل كان يتكلم أمامنا بذل وخشوع شكّل أمامي لوحة مهيبة لن تمحى من ذاكرتي إلى الأبد.
نقل لنا (باديا) تصوراً كاملاً عن الحرم، حيث قال في وصف صحن الكعبة بأنه واسع وبه أربعة مقامات للمذاهب الأربعة، وأكبر مقام هو مقام الحنفية المذهب الذي تتبعه الدولة العثمانية، وهو مكون من دورين، وثلاثة مقامات للمذهب الحنبلي والمالكي والشافعي، وفوق سطح المقام الشافعي ذراعان يعرف بهما دخول الوقت بالظل، ورجل موكل بالإشارة للمؤذنين في المنارات السبع، وبالقرب من مقام إبراهيم قوس جميل يشكل باب السلام، وبالقرب منه منبر يعتليه الإمام يوم الجمعة. وذكر (باديا) بأن صحن الكعبة مفروش بالرمل والحجارة الصغيرة، تمتد فيه ستة ممرات مبلطة بحجر الصوان تؤدي إلى المقامات الأربع، وللحرم تسعة عشر باباً، وسبع مآذن، خمسٌ منها في أصل مبنى الحرم، واثنتان بين المنازل المحيطة. وتابع وصفه للكعبة بأنها مبنى رباعي الأضلاع، وأضلاعه غير متساوية، بنيت من الأحجار غير المتساوية، ويقدر ارتفاع الكعبة بأربع وثلاثين قدماً وأربع بوصات (10,5م) يغطيها قماش أسود يسترها بالكامل عدا قاعدتها البارزة، ولها باب يرتفع ستة أقدام (1,8م)، وله مصراعان من البرونز يغلقان بمزلاج من الفضة.
أما بئر زمزم فقد بني عليه مبنى يضم غرفة بجانب البئر خصصت لأباريق السقاة، والبئر يتم سحب الماء منها بواسطة بكرات ثلاث، يمر خلالها ثلاثة حبال متصلة بوعاء جلدي، وعلى الشخص الذي يريد أن يحصل على الماء بنفسه أن يعتلي تلك الحافة بالقفز، لتعذر وجود درج للصعود إلى حافتها، وينزع الدلو من البئر التي وضع على فمها شبك من حديد، وصفائح نحاسية تقي الناس من السقوط، ويرجع (باديا) ارتفاع حافة البئر، وخلوها من الدرج بأنه مقصود لمنع الحاج من أن يحصل على الماء بنفسه، لكي لا يحرم السقاة من الإكراميات، وقال بأن ماء زمزم مالح، وثقيل جداً، وحرص (باديا) على أن يعتلي الحافة، ويملأ بنفسه زجاجات أغلقها فوراً ليتمكن من تحليلها لاحقاً.
أما كسوة الكعبة فذكر بأنها تحاك في مصر، وتثبت بحبال في سقف الكعبة، وتربط في أسفل الكعبة في حلقات مثبتة في القاعدة الرخامية، وتتضمن ستارة لباب الكعبة تزينها الخيوط الذهبية والفضية، أما الكسوة فهي مطرزة بالذهب في الثلث الأعلى منها على هيئة حزام، ومطرزة جوانبها الأربعة في الأركان، وتكسى الكعبة كل عام في عيد الأضحى، إذ إن الكسوة القديمة تقطع إلى قطع صغيرة، وتباع القطعة الواحدة بخمسة فرنكات، وأما الستار المطرز والحزام والأركان فتحمل إلى الشريف، ليحتفظ بها ما لم يصادف عيد الأضحى يوم جمعة فإن الستار يرسل للسلطان العثماني.
شارك (باديا) في غسل الكعبة بعد خمسة أيام من دخوله لها للصلاة، ووصف لنا طريقة الغسل بقوله: في يوم العشرين من ذي القعدة بعد ساعتين من طلوع الشمس قدم (الشريف غالب بن مساعد) في موكب مكون من ثلاثين مرافقاً، واثني عشر مملوكاً من الزنوج، وبعض العرب، وكان باب الكعبة قد فتح له مسبقاً، وأُحيط بجموع غفيرة تنتظر قدومه لعل الفرصة أن تواتي أحدهم، ليظفر بشرف غسيل الكعبة المشرفة، ولم ينصب السلم لئلا يدخل الكعبة غير الأشخاص المسموح لهم بذلك، فصعد الشريف على أكتاف المرافقين وبعض الجموع، وعلى رؤوسهم حتى دخل الكعبة، وتبعه المرافقون في الدخول، وتصدى الحراس الزنوج بالعصى واللكمات للمتطفلين الذين يحاولون الدخول، وبينما (باديا) يتفادى الزحام وقف بعيداً من الباب، وأومأ له أحد المرافقين للشريف داعياً له بالتقدم، فحُمل على الأكتاف مع بعض السقائين الذى أتوا بماء زمزم لغسيل الكعبة في قرب من الجلد، وبعضهم أتى بالمكانس، فبدؤوا برش أرضية الكعبة، والجموع تحت الباب تستقبل الماء المتسرب مع الباب في أواني لشربها، والغسيل منها طلباً للبركة، كان الشريف يغسل بنفسه، ويمسك بيده المكنسة، ولمّا دخل (باديا) أُعطي مكنسة، وسكبت كمية من الماء على البلاط، رغم أن البلاط يبدو لامعاً نظيفاً كالزجاج، وعندها وزعت على الجميع أوانٍ بها معجون مكون من نشارة خشب الصندل ذي الرائحة العطرية، معجوناً بماء الورد، لتطييب جدران الكعبة ثم أشعلوا الموقد، وأعطوه قطعة خشب من نبات الصبر لتعطير الكعبة، وبعدها منح الشريف (باديا) لقب (خادم بيت الله الحرام)، وقام الجموع بتهنئته بنيل اللقب العظيم، ثم توجه الجميع للدعاء.
غادر الشريف قبلهم الكعبة، ونزل مع الباب وسط هتافات الرجال، وزغردة النساء، وغادر الجميع بعد أن منحوا (باديا) مكنسة، وبعض معجون الصندل كتذكار.
ومن حسن الحظ أن (باديا) وافق حجة الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود بأتباعه، ونقل لنا مشاهد حية ونابضة سنأتي على بعضها باختصار شديد:
في الخامس والعشرين من ذي القعدة من عام 1221هـ تفاجأ (باديا) بتفرق الناس عن طابور متلاصق من البشر من أتباع الإمام سعود جعله يهرب ويصعد على مرتفع، ليتسنى له مشاهدة المنظر المهيب لذلك الطابور الطويل الذي يضم ستة آلاف رجل وصفهم بالهياكل العظمية المكتسية بالجلود لا يرتدون من الملابس غير حزام بسيط فوق إزار، وبعضهم يضع رداءً على كتفه الأيسر، وتحت كتفه الأيمن، ومسلحون ببنادق فتيل، ويتمنطقون بالخناجر يتقدمهم اثنان من الفرسان برماح طولها قدمان، وفي نهاية الجموع عشرون خيالاً يحملون الرماح، والجميع يرفعون أصواتهم بالأدعية والتكبيرات في طريقهم للطواف، مما جعل المطوفين في حالة ارتباك وفوضى، حيث حصل التدافع والحماس، حتى تحطمت المصابيح التي حول الكعبة بسبب بنادقهم الطويلة التي يحملونها على أكتافهم.
أتم الجميع الطواف فازدحموا حول بئر زمزم، مما جعل الحبال والبكرات، والدلاء تتقطع، فترك عمال زمزم ورئيسهم أماكنهم لحجاج نجد الذين أصبحوا هم سادة الموقف، فتعوضوا عن الحبال والبكرات بأن أمسك كل واحد بالآخر مشكلين سلسلة تصل إلى قعر البئر، مستخرجين بذلك الماء من البئر، وبعد انتهاء المهمة تطلب من بعضهم دفع صدقة للسقائين -حسب العرف السائد- ولكن حجاج نجد لا يحملون عملات نقدية لذلك قام بعضهم بدفع عدد من الرصاصات، وبعضهم دفع بضع حبات قهوة!
وفي عرفات يوم الحج الأكبر اتجه (باديا) إلى عرفات محمولاً على (شبرية) حتى وصوله إلى جبل عرفات الذي وضع حوله أربعة عشر صهريجاً مملوءاً بالماء أوقفها الإمام سعود لغسيل الحجاج هذا اليوم فقط، وعند العصر نفر الحجيج إلى مزدلفة بما فيهم الإمام سعود بأتباعه، وعلى رأسهم عبدالوهاب أبو نقطة، فرأى (باديا) جيشاً مكوناً من خمسة وأربعين ألفاً من السعوديين بعضهم على أكوار الجمال يمشون بانتظام، وفى معيتهم ألف جمل تحمل المياه والخيام، والحطب والأعلاف، ويحف الجموع مئتان من الخيالة يرفعون أعلاماً ملونة مرفوعة على الرماح دون شعارات، ولا طبول، ولا أبواق، يتقدمهم الإمام سعود الذى وصفه لنا (باديا) بأنه شيخ محترم ذو لحية بيضاء، وخلفه تسير الراية ذات اللون الأخضر تحمل شهادة التوحيد مرسومة بحروف كبيرة بيضاء، وبالقرب منه ابنه البالغ من العمر ثماني سنوات يعتلي فرساً بيضاء أصيلة بدون سرج عليها لبادة تحت قماش أحمر، منقوش عليه نجوم فضية.
وأخيراً فإنه لزاماً علينا أن نذكر أن اعتراف (باديا) بأخلاق السعوديين الذين رآهم عن كثب، وتحدث إلى كثير منهم؛ هو اعتراف رجلٍ منصف، وناقلٍ ثقة، حيث قال: إنني وجدت الكثير من العقلانية والاعتدال، عكس ما نقل من الافتراءات؛ فإن الوهابيين الذين ليس باستطاعة الحجيج وأهل البلد حتى النطق بأسمائهم إلا بصوت منخفض هيبة لهم، هم مع ذلك على أتم الخلق، حيث أنهم لا يسرقون، ولا يغدرون، ولا يكذبون، وهم قليلو الكلام، ورغم أن في هذا الموسم أكثر من خمسين ألف بندقية فلم نسمع إلا صوت طلقة واحدة في منى تدخل في إسكاتها أحد زعمائهم قائلاً نحن جئنا إلى الحج؟ أم جئنا للقتال؟
وأختم بأن مشاهدات (باديا) وُجد فيها كثيرٌ من الأخطاء، فلا يُسلّم بصحة كل ما ينقل، ومرجع ذلك ضعف معلوماته التي جمعها عن الدين الإسلامي، علاوة على إغرابه في نقل بعض المشاهد -كما هي عادة أغلب الرحالة - حتى يأتوا بما يشد عقل القارئ، ويأخذ بلبابه.

ذو صلة