يجري في الوقت الراهن نقاش مستمر موضوعه نظام التعليم الحالي. فمن قائل بأن هذا النظام بحاجة إلى التطوير بغرض إعداد الطلاب بشكل أفضل للقرن الحادي والعشرين بمهارات أضحت ضرورية في عالم يتميز بسرعة التغيير في شتى مجالات الحياة، وآخر يرى أن النظام ما زال محتفظاً بقيمته ولكنه بحاجة لمزيد من الجهد ليواكب المتطلبات العصرية الحديثة. وفي نهاية الأمر يجمع كثيرون على أن أمر التعليم يعتمد على عدة عوامل منها الوضع الاقتصادي والواقع التعليمي للدولة، والمناهج الدراسية.
يقول الكاتب سيدني هاريس: (إن الغرض الأسمى من التعليم هو تحويل المرايا إلى نوافذ). وهو يعني بذلك أن التعليم لا يجب أن يكون مجرد تفكير في الذات كما النظر في المرآة، بل يجب أيضاً أن يفتح آفاقاً وفرصاً جديدة أمام الأفراد بأن يتيح لهم رؤية الأشياء، خارج فهمهم الشخصي، من منظور أوسع وأكثر توجهاً نحو العالم الخارجي. إذن ماهي المهارات التي ينبغي التركيز عليها ومدى قابلية الواقع التعليمي لاستيعاب هذه المهارات؟
الوضع الحالي للتعليم في الدول العربية
هناك تباين كبير في وضع المدارس في العالم العربي حيث تختلف الإمكانيات وميزانيات التعليم من بلد إلى آخر بناء على مجموعة من العوامل، منها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن أمثلة ذلك ضعف ميزانيات التعليم وقلة فرص التعليم في بعض الدول العربية خصوصاً للفتيات والأطفال في المناطق الريفية. وبينما نشهد اهتماماً جاداً بجودة التعليم ومخرجاته في عدد من الدول العربية، مع ارتفاع معدلات استخدام تقنيات التعليم والاستثمار في إصلاح التعليم وتحديثه، تواجه دول أخرى تحديات تتمثل في مناهج قديمة ومدرسين غير مؤهلين وانعدام الموارد التعليمية الجيدة. ولعل من أبرز تلك التحديات التي تواجه التعليم ومؤسساته، الصراع وعدم الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية، الشيء الذي يعطل النظام التعليمي برمته ويقطع الأطفال عن المدارس بسبب المخاوف الأمنية، أضف الى ذلك تعرض الكثير من المدارس للأضرار.
شركات التقنية العالمية وأوجه التعاون مع المؤسسات التعليمية
بالعمل معاً، يمكن لشركات التقنية الدولية والمؤسسات التعليمية إنشاء آليات وبرامج تهتم بتحسين جودة التعليم، وتشجيع الابتكار، وإعداد الطلاب لمواجهة تحديات عالم أصبح واضحاً أنه يعتمد كثيراً على التقنية في حياته اليومية. ومن أشكال ذلك التعاون أيضاً العمل مع المدارس والجامعات في إقامة مشاريع ومبادرات مشتركة تدمج التقنية في المناهج الدراسية وتطوير البرامج التعليمية، وتوفير الأجهزة، وتقديم الخبرة الفنية. وقد يأخذ التعاون شكل تبرعات بالمعدات أو تراخيض البرامج أو تقديم المنح للمؤسسات التعليمية لتعزيز بنيتها التحتية ومواردها التقنية إلى جانب عقد الدورات التدريبية وورش العمل للمعلمين عن استخدام التقنية وتحسين أساليب التدريس والتعلم. وتأتي قمة هذا التعاون وثمرته في إتاحة الفرص للطلاب لاكتساب خبرة عملية واقعية بإلحاقهم للعمل في شركات التقنية.
ولعل من أفضل نتائج ذلك التعاون أيضاً تطوير محتوى لمناهج دراسية تندمج فيها التقنية فيضمن للطلاب اكتساب المهارات ذات الصلة ولما يتوافق مع احتياجات الصناعة وقطاعات المجتمع المختلفة. ولا ننسى هنا منصات التعلم عبر الإنترنت التي تتيح الوصول إلى الموارد التعليمية والحوسبة السحابية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وحضور الدورات عن بعد، خصوصاً للمجتمعات المحرومة أو النائية.
ولتحقيق أهداف التعليم وإكساب الطلاب المهارات الحديثة، ينبغي الالتفات إلى المعلم وتأهيله لأداء مهمته على الوجه الأمثل. ولا نحسب أن التطور الكبير والنمو المذهل السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل المعلم أو أن يقلل من دوره التعليمي والإرشادي والإداري.
يقول جورج كوروس، وهو معلم ومؤلف معروف بعمله في مجال التعليم، وبخاصة في مجالات الابتكار والتقنية ومن دعاة استخدام التقنية لتعزيز التعليم وله مؤلفات كثيرة حول هذا الموضوع: (إن التقنية لن تحل محل المعلمين الأكفاء، بل التقنية في أيدي المعلمين الأكفاء تقود إلى تغيير كبير). عليه يلزم تدريب المعلمين على دمج التقنية في أساليب التدريس والأدوات الرقمية وإطلاعهم على أحدث الاتجاهات والمناهج التعليمية عبر برامج التطوير المهني المستمر، وتطبيق إستراتيجيات بناءة لتقييم أداء الطلاب وتفاوت قدراتهم على الاستيعاب. وكل ذلك بالطبع يحتاج إلى توفير أجهزة حديثة للطلاب وللمعلمين لتمكينهم من الاستفادة من الموارد التعليمية المفتوحة.
إن التعليم الفعال في القرن الحادي والعشرين يتطلب نهجاً شاملاً يدمج الأهداف التعليمية وتدريب المعلمين والموارد لإعداد الطلاب لمواجهة التحديات والفرص في العالم الحديث.
ومن المرجح أن يتشكل مستقبل المدارس من عدة اتجاهات وابتكارات مختلفة. من هذه الابتكارات اعتماد بيئات مرنة للتعلم. فقد نشهد ابتعاد المدارس عن الفصول الدراسية التقليدية الثابتة وانتهاج مجموعة متنوعة من أساليب التدريس والتعلم الفردي في تكامل تقني يلعب دوراً أكثر أهمية في تعليم يتضمن الواقع الافتراضي، والتعلم الشخصي القائم على الذكاء الاصطناعي، وأدوات التعاون عبر الإنترنت، وتسهيل الاتصالات مع الأقران والخبراء في جميع أنحاء العالم. وهذا التعليم المدمج مع التقنية سوف يصبح نموذجاً للتحول نحو التعلم المبني على المشاريع ما سيعزز مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والتعاون. أما عملية الاختبار التقليدي لتقييم الأداء والمستوى فسوف يحل محلها تقييم فعلي أكثر شمولاً يعتمد على الملفات والعروض التقديمية وتقييم المشاريع. ومن شأن كل ذلك أيضاً أن تصبح المدارس مراكز للتعلم مدى الحياة تقدم فيها الموارد والدورات التدريبية للأفراد من كل الأعمار وتستوعب الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والقدرات المختلفة.
ومن المتوقع أن تكون المدارس في المستقبل مرتبطة ارتباطاً أعمق بمجتمعاتها، وستكون بمثابة مراكز للأنشطة الثقافية والاجتماعية، وستعمل على تشجيع التفكير الريادي والمبتكر وإعداد الطلاب لسوق العمل بمختلف أنواعه وتخصصاته. وهذا بالطبع لا يستثني ضرورة أن تعلم المدارس الاستخدام المسؤول والأخلاقي للتقنية والسلامة عبر الإنترنت.
وختاماً، تعكس هذه النظرة المقترحة الاحتياجات والتوقعات المتغيرة للطلاب والمشهد المتطور للتعليم. ومن المهم التكيف والابتكار استجابة لهذه التوقعات لتوفير تجربة تعليمية واقعية ناجحة.