مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

أين نحن من مهارات التعليم في القرن الحادي والعشرين؟!

وضع التطور التكنولوجي الكبير والثورة الرقمية الهائلة التي جعلت من العالم قرية صغيرة إضافة لسهولة الحصول على المعلومات؛ وضع كل ذلك القائمين على أمر التعليم في تحدٍ كبير مما أدى لظهور الكثير من النظريات التي تسعى في مجملها لمواكبة هذه الثورة من أجل الحصول على مخرج تعليمي ممتاز يمكنه إثبات ذاته داخل هذا العالم الواسع الذي أصبح قرية صغيرة.
وعليه فقد تغيرت كل المفاهيم والمعطيات السابقة وأصبح من الضرورة أن يتلقى هذا المخرج مهارات جديدة تمكنه من السير مع الركب، وعليه يتطلب ذلك كسب مهارة التعامل مع الحاسب الآلي، وكسب مهارة استخراج المعلومات من الشبكة العنكبوتية مع ضمان فلترة المعلومات من كل الشوائب والرسائل المغلفة والمزينة من الخارج وفي داخلها السموم التي تسعى لهدم الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة.
ومن أهم النظريات التي ظهرت ما يعرف بنظرية مهارات القرن الحادي والعشرين، وتتمثل في أربع مهارات:
أولاً: مهارة الإبداع والابتكار، فالإبداع هو مجموعة من المهارات التي تمكّن المتعلمين من اكتشاف البدائل، والعصف الذهني للأفكار، وإيجاد الحلول، وإعادة التفكير في النماذج الحالية، وخلق معرفة جديدة. ومع ذلك، ينطوي الإبداع على أكثر من مجرّد (التفكير خارج الصندوق).
أصبح الإبداع في القرن الحادي والعشرين في الغالب عملية جماعية تتطلب الانفتاح على الأفكار الجديدة والمختلفة، والقدرة على تقديم تعقيبات مفيدة، والاعتراف بحدود الأفكار الجديدة وقيمة الأفكار القديمة، وكل ذلك يساعد في التحول السريع من الفشل والإخفاق إلى النجاح والتفوق.
ثانياً: مهارة التفكير النقدي وحل المشكلات، وبالضرورة هنا أن نفهم أن حل المشكلات ليس هو الإجابات الصحيحة الموجودة في نهاية الكتاب المدرسي للتلميذ، بل هي ضرورة فهم المشكلة وأبعادها وايجاد الحلول والبدائل، وامتلاك المتعلمين لمهارة التفكير النقدي تتطلب بالضرورة سعة الأفق، والتفكير في وجهات النظر المختلفة ومحاولة المواءمة والملاءمة بينها.
ثالثاً: مهارة التواصل، أو ما يعرف عند البعض بالتعليم التفاعلي، والذي يساعد المتعلم كثيراً على القراءة والاستماع، وتساعده أيضاً على السعي لتفسير الظواهر العلمية، وتمكنه من التحدث مع الآخرين، والتواصل معهم عبر النقاش الحر المعتمد على الحقائق العلمية، وأيضاً تجعل المتعلم متمكناً من التفاوض والإقناع بوجهة نظره أو الاقتناع بوجهات النظر الأخرى، ويجبر كل ذلك المتعلم على إتقان مجموعة كبيرة من وسائط التواصل المتاحة.
رابعاً: مهارة التعاون وهي مهارة في غاية الأهمية، فيجب على المتعلم أن يمتلك مهارة العمل الجماعي، لأن عالمنا اليوم عالم تكثر فيه المتغيرات والتعقيدات، وأصبح النجاح يتطلب أن يعمل الأشخاص معاً فيما يعرف بفريق العمل الواحد، وذلك لتعدد التخصصات. ومهارة التعاون تتطلب مجموعة من المهارات تمكّن الأشخاص من العمل بشكلٍ جماعي لوضع الأهداف وتخصيص الموارد وتحقيق أدوار المجموعة والتخطيط وإدارة الوقت واتخاذ قرارات جماعية، والتفاوض، وحل النزاعات، وبناء الفرق.
وتُعد هذه المهارات الأربع مهارات أساسية يجب على المعلمين تدريسها مع تحولهم من أسلوب (المعلم التقليدي) إلى أسلوب (المعلم الموجه). ويتحول المتعلم من متلقٍ إلى متعلم فاعل ليصبح هو محور العملية التعليمية، وهذه الأدوات يستخدمها المتعلم كل يوم لمواجهة التحديات في الفصول الدراسية دائمة التطور، حتى بدون ضغوط طارئة، وهي أيضاً مجموعة مهارات دائمة وتمثل جزءاً من مستقبل جميع المتعلمين.
وقد خضعت هذه المهارات لاختبار حقيقي في عام 2020م، فمع تفشي جائحة كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم، عمل المعلمون والمتعلمون على إتقان التعلم عن بُعد في فصول دراسة افتراضية أديرت بالكامل من خلال التكنولوجيا.
أما بالنسبة إلى عالمنا العربي فنجد أنه يمكن معرفة أين نحن من هذه المهارات من خلال الاطلاع على تصنيف جودة التعليم في العالم لعام 2021م والذي تم على أساس النظر إلى بيئة التدريس والتعلم وبيئة البحث في التعليم وعدد البحوث المنشورة ونقل المعرفة وأثره على المجتمع وتقسيم المراحل التعليمية حسب الفئة العمرية.
ومن خلال الجدول أدناه نقف على تصنيف الدول العربية حسب مؤشر دافوس لجودة التعليم للعام 2021م.

ونلاحظ أن كلاً من العراق وليبيا والسودان واليمن وسوريا والصومال خارج هذا التصنيف، ومن خلال الجدول تتضح لنا الهوة الكبيرة بيننا وبين الدول الغنية، فالتعليم يحتاج للإنفاق عليه بشدة وقوة.

ذو صلة