مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

الرواية العربية والرواية الغربية.. إرهاصات البدايات والاختلافات

تعد الرواية من الأجناس الأدبية الأكثر تأثيراً في المجتمعات الإنسانية المعاصرة، ولقد تبنت قضايا إنسانية واجتماعية واقتصادية بل وسياسية مسكوت عنها وبلورتها في ثنايا سرد قصصي فني جميل. وعبرت عن مشاعر الإنسان وما يشعر من آلام وما يتمناه من آمال قد لا يستطيع التعبير عنها في الحقيقة ووجد الرواية متنفساً له ومعبرة عن مكبوتات نفسية ربما عاشها بنفسه فنقل تجربته لنا أو التي تلقاها محكية. فالرواية مرآة للمجتمع تعكس ما تراه من مزايا وعيوب، ونظرة الإنسان للمجتمع وما فيه من نقائص أو حتى عرض حقائق تاريخية وطنية حدثت بالفعل في قالب سردي قصصي بغرض توثيقه فنياً. الروائي في ثنايا سرده التاريخي تشعر وكأنه مؤرخ وعند عرضه لمشكلة نفسية تشعر وكأنه طبيب نفسي.
اختلف المؤرخون حول كيف كانت البدايات لهذا الجنس الأدبي؟ هل كانت الإرهاصات عربية أم غربية؟
يرى بعض الباحثين أن الرواية جنس بدأ غربياً بامتياز. ثم نقله الكُتاب العرب عن طريق الاتصال بالحضارة الغربية، فلم يكن هذا الفن القصصي معروفاً عند العرب القدامى، وإنما دخل مع دخول الحضارة المستحدثة والذي بدأ بترجمة الأدب الأوروبي للعربية، ثم تأثر بها الكتاب أوائل القرن العشرين وبدأوا في السير بمحاذاته وتأليف الرواية العربية من منظور عربي متأثر بالثقافة الغربية التي كانت بمثابة النموذج.
بدأ المؤلفون بكتابة القصة القصيرة في سلاسل قصصية في مجلات إلى أن ظهرت رواية (زينب) (لمحمد حسين هيكل) والتي تعد أول محاولة عربية ناجحة لكتابة الرواية العربية، ولم يعترف النقاد بأية محاولة قبلها، وكانت رواية (زينب) متأثرة بالمجتمع الغربي، ومتأثرة بروائيين فرنسيين وإنجليز، ومزجها (هيكل) بالمجتمع المصري.
في حين يرى البعض الآخر أن البذرة الأولى للرواية نبتت في أرض العرب وكانت بشائرها في صورة قصص قصيرة مروية بالتواتر عن الأجداد قديماً، حيث كان العرب يروون قصص المعارك والحروب التي يخوضونها آنذاك وسميت (أيام العرب) كما رووا أحاديث الهوى، ومع الوقت ظهر الفن القصصي لديهم بعد اتصالهم بالشعوب الأخرى بعدها ظهرت مقامات (ابن الجوزي) و(ابن المقفع) ورسائل الغفران (لأبي علاء المعري) وهي رحلة خيالية طرح فيها كثير من الأمور النقدية ثم قصة (حي بن يقظان) وتحكي عن طفل نشأ دون والديه وربته غزالة، وألف ليلة وليلة وهي قصص شعبية متنوعة.
لكنها ظهرت كجنس أدبي فني متكامل في خمسينات القرن التاسع عشر إلى أن وصلت لمجدها في العصر المعاصر حتى سُمَّي بعصر الانفجار الروائي بعد أن تراجع الشعر العربي أمامها، وازدادت أعداد الروايات المنشورة بطريقة غير مسبوقة في دور النشر.
أوجه التشابه بين الرواية العربية والغربية
تتشابه الرواية العربية مع الرواية الغربية في:
أنها حكاية محكية هدفها تصوير وتجسيد أحداث حدثت ربما عاشها السارد بنفسه أو تم حكيها له.
الروايتان العربية والغربية تستخدمان (الرمز) فهو همزة الوصل بين المؤلف والقارئ للتعبير عن أفكار جديدة وإثرائها في ذهن القارئ لتكون مصدر إيحاء له يساعده على فهم تلك الإشارات والإيحاءات وعمل إسقاطات وتوظيفها في عمق السرد الواقعي أو حتى في الواقعية السحرية.
تتشابه الروايتان في البناء الفني لأركان الرواية من حيث: التيمة أو الفكرة والشخصيات وعنصري الزمان والمكان والوصف والحوار.
أوجه الاختلاف بين الرواية العربية والغربية
تختلف الرواية العربية عن الغربية في:
البداية كانت متأخرة عند الرواية العربية عن الرواية الغربية فكانت البداية عبارة عن مقامات مثل: مقامات ابن الجوزي الوعظية، ومقامات ابن المقفع الشعرية، والتي كانت تعبر عن الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مجتمعهم العربي في زمنه. ولا ننسى كتابه (كليلة ودمنة) وهو من أعظم مؤلفاته، ويعد من أقدم الكتب العربية في الأخلاق وتهذيب النفس لكن البدايات كانت بعيدة عن الشكل الفني للرواية، وتطور الأمر لنقل الإبداع الأدبي الغربي بالترجمات والتي لا إبداع فيها إلى أن نقلنا هذا الجنس الأدبي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
أما البدايات عند الرواية الغربية فكانت قديمة النشأة ومرت بمخاض طويل حتى وصلت للإبداع الحالي.
رأى بعض المؤرخين أن رواية (دون كيخوتة) للروائي الإسباني (ميغيل دي ثيرباتاس سابيدرا) هي أول رواية غربية تلتزم بالواقعية الحديثة، وقد مهدت لما عرف بعد ذلك بالرواية متعددة الأصوات، وقد كتبت هذه الرواية في جزأين الجزء الأول عام 1605 والجزء الثاني عام 1615.
ويرى البعض أن (قصص رومانس) في العصور الوسطى هي الإرهاصات الأولية لهذا الفن القصصي الوليد، وكانت قصصاً مفعمة بالرومانسية تلتها قصص (البيكاريسك) وتعني بالإسبانية المتشرد وهي قصص تحكي عن شخص سيئ السمعة يتكسب قوته بأعمال محرمة لكنه ذكي وماهر. فكانت قصص (البيكاريسك) مقابل القصص الرومانسية.
تطور الأمر في القرن السابع عشر وظهر الكاتب (دانيال ديفو) أول من وضع الشكل الجديد للرواية الغربية من خلال تأليفه لروايتيه (روبنسن كروزو ومول فراندرز) في عامي 1719 - 1722م، تنتمي هاتان الروايتان إلى قصص (البيكاريسك)، فهي تدور حول عدة شخصيات وفق سلسلة أحداث مترابطة، ويعد (ديفو) أول من كتب الرواية الواقعية الغربية.
الرواية الغربية لا يعنيها أية تابوهات أو محظورات بل يستطيع الروائي الغربي تفعيل أي تيمة تختلج أفكاره ويسردها في روايته حتى لو كانت بها جرأة أو خادشة للحياء أو حتى تمس الأمور الدينية المقدسة أو الإلهية على عكس الروائيين العرب الذين لا يخوضون في أية أمور محظورة تخضع لتلك التابوهات الجريئة، ويبتعدون عنها لأن الثقافة الغربية تختلف تماماً عن الثقافة العربية.
على الرغم من أسبقية الرواية الغربية عن الرواية العربية وهذا مثبوت تاريخياً، فإن الرواية العربية استطاعت أن تتطور سريعاً وتسابق الرواية الغربية كماً وكيفاً، خصوصاً من منتصف القرن العشرين وحتى وقتنا هذا، حيث ظهرت على الساحة العربية آلاف الإصدارات الروائية والتي تنوعت بين تصنيفات أدبية مستحدثة.
رأينا الرواية الرومانسية والتاريخية والاجتماعية وروايات الفنتازيا أو الواقعية السحرية بل وجدنا مسميات أدبية لبعض هذه التصنيفات مثل أدب الرعب للروايات الغرائبية.
ولعل ما شجع الروائيين العرب على كتابة روايات كثيرة وجود القارئ العربي المحب لقراءة الرواية ومعظمهم من طبقة الشباب، خصوصاً مع تراجع قراء الشعر أمام الانفجار الروائي في كل معارض الكتب من المحيط إلى الخليج.
طريقة كتابة الرواية العربية والرواية الغربية
من المعروف أيضاً أن كتابة الرواية العربية أصعب من كتابة الرواية الغربية من حيث الاهتمام باللغة وعدم الوقوع في الأخطاء اللغوية مثل الهمزات وأخطاء الإملاء وعلامات الترقيم، فمهما علت جودة الروائي في السرد والوصف لكنه وقع في بعض الهنات اللغوية فإنها تفسد العمل الروائي أو تقلل من قيمته. في حين نجد الروائي الغربي عند كتابته روايته لا يهتم كثيراً بتلك الأمور ويوكلها لدار النشر التي تقوم بتصحيح وتعديل النص الروائي محله.
الرواية عند الروائي الغربي جسد حي يحيا حياة متكاملة، فإذا كانت تيمتها عن موضوع طبي مثلاً يناقش شخصية مريضة بمرض معين ويعتمد السرد فنياً على هذه الفكرة، فإن الروائي الغربي يستقصي ويبحث عن هذا المرض عند أهل الخبرة والتخصص ليجمع منهم كل المعلومات التي تهمه ويدخلها في ثنايا سرده لكي يجعل القارئ مصدقاً لحكايته ومنبهراً بها ومن هنا تنجح روايته محلياً وربما عالمياً.

ذو صلة