الأمل هو عبق الحياة وعبيرها، وروى الأيام ورحيقها، ومن كان لديه أمل في هذه الحياة، فقد حاز على خير الدنيا. الأمل: نافذة صغيرة، إلا أنها تفتح آفاقاً واسعة. والعقل القوي كثير الأمل، ولديه ما يبعث على الأمل.
والذي يدفع طالب العلم إلى الجد والمثابرة، ويشجعه على السهر والمذاكرة، هو أمله في النجاح. والذي يجعل المريض يتجرع الدواء المر، ويصبر على شدة الألم، هو أمله في العافية.
لولا الأمل، ما بنى بانٍ، ولا غرس غارس.. لولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية. المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة.. (أديسون)، أخطأ مرة بعد مرة، وأعاد المحاولة كرة بعد كرة، وبعد ذلك نجح في صنع أول مصباح كهربائي.
الأمل: قوة دافعة تشرح الصدر، وتبعث النشاط في الروح، والتفاؤل يمنح هدوء الأعصاب في أحرج الأوقات، أما اليأس، فيؤدي إلى الفشل.
إنها حقاً كلمة جميلة.. التفاؤل جمال، والجمال تفاؤل.. التفاؤل روح تسري في النفس.. والمتفائل ينظر إلى الإيجابيات، ويتوقع الخير..
والمؤمن يألف ويؤلف، والتبسم صدقة، والمخلوق الوحيد الذي يضحك هو الإنسان..
وحتى يحافظ الإنسان على تفاؤله، عليه أن يسعى إلى النجاحات، لا أن يحسد الناجحين.
الإنسان، يجب أن يكتشف الإيجابيات، من داخل السلبيات. المثابرون، يصلون إلى القمة. المتميزون، يحافظون عليها. المتفائلون، يصنعون قمماً جديدة. وكم من منحة في طي محنة.
كم نعمة حملت في طيها نقما
ونقمة حملت في طيها نعما
وما الحياة لأهليها سوى قسم
وما السعيد سوى الراضي بما قسما
ينبغي على الإنسان ألا يقلق: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً). هذا وعد رب العالمين.. ومن يتدبر هذه الآية، لن يساوره قلق. لا وجود للقلق مع مكرمة الإيمان، ولا وجود للإحباط مع نعمة اليقين، ولا وجود لليأس مع رونق الإقبال. الحكماء نالوا الحكمة بالصمت، العلماء حصلوا العلم بالطلب، المحبون حققوا المحبة بالإيمان واليقين والإقبال.
إذا حدد الإنسان هدفه في الحياة، سيكون ناجحاً ومثالياً بإذن الله، كذلك القرارات، ينبغي أن تبنى على أساس عقلاني، وبذلك نغير حياتنا وحياة الآخرين، نحو الأفضل.. أنشتاين -على سبيل المثال- ترك أكثر من 300 إنجاز علمي، وهو أكثر العقول عبقريةً في القرون الماضية، هذا المبدع، قال لنا: (المثابرة كنز لا يقدر بثمن). وقال: (العبقرية عمل واجتهاد. ولكن، لا بد من محبة العمل الذي أوكله الله إلينا.. لا بد من الإتقان.. والمعرفة تأتي من الخبرة).
البرتغالي (سارماجو)، نال جائزة نوبل، في الآداب، عام 1990، وبيعت من روايته أكثر من مليوني نسخة، وترجمت إلى أكثر من 25 لغة.. كل ذلك بعد أن تجاوز الستين.. فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس..
والعطاء، يعطينا فسحةً للمتابعة.. العطاء فن.. فن جميل.. ليس هناك شيء أجمل من العطاء.. حدد هدفك وابدأ أيها الإنسان! وستنال مبتغاك.. كن معطاءً.. كن قنوعاً.
إذا ما كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا سواء
وثبت علمياً أن تلاوة القرآن، والإصغاء إليه، يعزز القوى العقلية، فإذا أراد الإنسان أن يكون مبدعاً، فليقرأ القرآن، وليستمع إلى القرآن، لأنه غذاء ودواء لروحه وعقله معاً.
القرآن الكريم، يرفع كفاءة الجهاز المناعي، ويخفف التوتر العصبي عند الإنسان، وأنت سألتني عن القلق -قبل قليل- وذكرت لك آيةً واحدةً من شأنها أن تزيل كل أثر للقلق، فكيف بآيات القرآن كلها؟
ومن أراد أن يجعل من بيته لؤلؤة يراها ملائكة الرحمن من فوق سبع سماوات، فليملأه بتلاوة القرآن، وسيجد البركة، بإذن الله.
في القرآن الكريم، نجد الماضي، ونجد الحاضر، ونجد المستقبل: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وكلمات القرآن لا تنفد: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ...).
أخيراً: خلقنا كي نرى الدنيا جمالاً ولم نخلق لكي نأسى ونشقى.
أحمد العلاونة والأعلام
سعد عبدالله الغريبي: الرياض
أهدتنا المجلة العربية برفقة عددها ذي الرقم 577 الصادر في مستهل أكتوبر 2024 كتاب (أعلام العزَّاب في العصر الحديث) للأستاذ أحمد العلاونة.
والعلاونة باحث صدر له عشرات الكتب، وجُلُّ اهتمامه بكتب الأعلام ومؤلفيها، فقد أصدر (ذيل الأعلام) تكملة لأعلام خير الدين الزركلي في خمسة مجلدات، و(التذييل والاستدراك على معجم المؤلفين) و(العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم) وغيرها.
وكتاب (أعلام العزاب في العصر الحديث) هو كتابه الخامس الذي نشرته له المجلة العربية، وكلها كتب منهجها ترجمة الأعلام، لكن كل إصدار يختلف عن سابقه بالصفة التي تجمع بين ما حوته دفتا الكتاب من أعلام.
فالأول الصادر مرفقاً بالعدد (500) وعنوانه (الزوجان العالمان) جمع فيه أزواجاً اجتمع لهما العلم والأدب والفكر والإبداع. وكتابه الثاني (شعراء يرسمون وقصائد تتكلم) المرفق بالعدد (516) يضم صوراً لشعراء كتبوا عليها أبياتاً من وحي تأملهم فيها، أو أبياتاً كتبها أصدقاؤهم على صورهم لما تلقوها منهم، أو طالعوها. أما ثالث الكتب فهو (المئة في تراجم من بلغ المئة) المرفق بالعدد (547) ويحمل بين طياته تراجم لمئة علم بلغوا المئة. وكتابه الرابع المرافق للعدد (559) المعنون بـ(بين الموهبة والموت) تراجم لمبدعين عرب معاصرين رحلوا ولما يبلغوا الأربعين.
وإذا عدنا للإصدار الخامس (أعلام العزاب) نجده خاصاً بتراجم لمن تُوُفّوا ولم يتزوجوا، ما عدا اثنتين استثناهما الكاتب من شرطه - وهو ألا يكون المترجَم له على قيد الحياة - معللاً ذلك بأنهما بلغتا من العمر عتياً، فتجاوزتا سن الزواج.
جاءت بعض التراجم وافية، وتضمنت تراجم بعض الشعراء منهم أبياتاً تمثل أنموذجاً لما قالوه، في حين كانت بعض التراجم في غاية الإيجاز بحيث لم تتجاوز السطرين. بل إن علماً مثل الأستاذ محمد أبا حسين - يرحمه الله - لم يكن له نصيب أكثر من سطر ونصف.
أشار المؤلف في مقدمة كتابه لأسباب امتناع بعض هؤلاء عن الزواج، فذكر من ذلك الاشتغال بالعلم، والتشدد الديني والاجتماعي، ومنها ما كان بسبب الإخفاق في التجارب العاطفية، أو لأسباب اقتصادية.
ومما استرعى انتباهي الخطأ المطبعي الواضح في تاريخي ميلاد ووفاة الشاعر أحمد الصافي النجفي، فقد ذكر أنه ولد سنة (1314) الموافق (1869) وتوفي (1379) الموافق (1977) والصحيح أن ما يقابل سنة ولادته بالتاريخ الميلادي هو (1896) وما يقابل سنة وفاته بالتاريخ الهجري هو (1397).
والكتاب يخلو من الإحالات، وبالتالي من المراجع والمصادر، وإن كان المؤلف قد أشار في مقدمة الكتاب إلى بعض مصادره، وهي كما يقول: (المصادر الموثوقة وعلاقاتي الشخصية ومعرفتي ببعضهم، والتواصل مع بعض العلماء). فضلاً عن أنه ذكر الإفادة بقدر محدود من كتاب عبدالفتاح أبو غدة (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج).
ونبه المؤلف إلى مواقع التواصل وخطأ الركون إليها في تحصيل المعلومة، فقال: (ويجد القارئ في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي أن فلاناً أعزب وهو غير صحيح، أو أنه تزوج وهو غير صحيح، فهذه المواقع يكتب فيها من يشاء من غير معرفة أو تدقيق).
غير أن الخطأ قد يكون مصدره مقالة منشورة أو كتاب مطبوع، ويزيده رسوخاً أن يتناقل الكتّاب المعلومة دون تثبت من مصدرها. ولذا لا ألوم أستاذنا الفاضل في وقوعه في خطأ نسبة الأبيات التالية للشاعر السوداني إدريس جمّاع:
إن حـظــــــــي كـدقيــــــــق
فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة
يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم
قلت يا قوم اتركوه
إن من أشقاه ربي
كيف أنتم تسعدوه؟
فقد نسبها كثيرون لجمّاع لما فيها من وصف مشابه لحاله. وهناك من أراد تصحيح المعلومة فنسب الأبيات للشاعر عبدالحميد الديب لما فيها من وصف لحالة البؤس التي تليق بالشاعر، فقد وجه الأستاذ عبدالعزيز بن سعد الخراشي رسالة لرئيس تحرير جريدة الرياض نُشرت في 3/3/2017 تعقيباً على مقال نُشر في الجريدة نفسها في 27/2/2016م للدكتورة فاطمة الزهراء الأنصاري بعنوان (حظك يا أبو الحظوظ) نَسبت فيه الأبيات السابقة إلى الشاعر إدريس جماع.
وما جعل الأستاذ الخراشي مطمئناً لنسبة الأبيات لعبدالحميد الديب أنه لم يعثر عليها في ديوان إدريس جماع الوحيد (لحظات باقية)، وأنها قد وردت ثلاث مرات في كتاب (الصعلوك الساخر وشعره المجهول: عبدالحميد الديب) للأستاذ محمد محمود رضوان، الذي نشرته دار الكتاب العربي في دمشق والقاهرة، وطبعته دار القبس الطبعة الأولى عام 2005م، وقدم له الشاعر فاروق شوشة، والأبيات في الكتاب المذكور الصفحات (58، 68، 406).
وذكر الخراشي أن محمد رضوان قال في دفاعه عن صحة نسبة الأبيات إن المقربين من عبدالحميد الديب قالوا إنه نظمها عام 1939م وكان عمر إدريس جماع في عمر السابعة عشرة، ولم يكن زار مصر بعد.
انحصر الخلاف في نسبة الأبيات بين الفريقين بين جمّاع والديب، وما علموا أن الحقيقة خلاف ذلك كله. فقد أشار الباحث إبراهيم الحقيل في مقال له في مجلة اليمامة إلى أن الخوارزمي (ت430) أورد البيتان الأولان في كتابه (المناقب والمثالب) ونسبهما للّبادي، وقد وقفتُ عليهما في الكتاب المذكور، بتحقيق إبراهيم صالح، دار البشائر ط1 1999 ص320 بالنص التالي:
إن رزقي كدقيق
بين شوك بددوه
ثم قالوا لحفاة
يوم ريح اجمعوه
وقد يكون أحد الشعراء المتأخرين وقع على بيتي اللَّبادي فعدل فيهما وأضاف إليهما استحساناً وتبنياً.