كل شيء يدل على أثر من آثار البشر، يعد وثيقة، تقادم الزمن أم تأخّر، غير أن العوامل المحيطة تؤثر فيها.
الوثيقة هنا: كتاب
وعهود ومراسيم ورسائل وصحف ومجلات ومنازل وطرق وصور.. وكل ما يتعلق بالبشر.
الوثيقة من الفعل (وثق) و(وثّق) و(يوثِّق).
الوثيقة شهادة،
الوثيقة حضور،
والوثيقة إثبات..
في عصرنا تزاحمت الوثائق وتكاثرت، ولهذا فإن المسؤوليات تتبع هذا التزاحم.. غير أن ما يهمنا هنا (هو الكتاب، وما يلحق به) لأن البقية الباقية أصحابها أدرى بها، إلا أن مسؤولية الكاتب تفرض عليه الحديث حتى ولو من قبيل التناوش، فتغيّر المناخ يؤثر على الكرة الأرضية تباعدت مسافاتها أم تقاربت.
الخبر والعلم عند الله، غير أن مراكز البحث العلمية (جغرافية وجيولوجية) تقول: إن الأرض أمام تغيّر المناخ والاحتباس الحراري، وبالتالي فهي قادمة على شيء يفوق قدرة المعمول به حالياً من احتياطات،
فهناك جسور تتفكك،
ومدن تطمر،
وعمائر تتناثر، وزلازل تخلخل الأرض،
ووديان تمتلئ بالماء،
وسدود تتفجر،
وحرائق هنا وهناك،
ورياح تدمر كل ما أمامها،
وسيول جارفة تجرف كل شيء،
وأرض هشة لم تعد تحتمل ما فوقها..
إن الواقع يملي علينا أن نتحوط، خصوصاً في مسألة المكان المختار لبناء المدن وما يتلوه من مراكز أخرى، كما نتحوط في جودة اختيار المواد التي تبنى بها الجسور والسدود والمباني ذات الأدوار المتعددة، خصوصاً إذا كانت مبنية على أرض مفتوحة، كما ينبغي الاهتمام بجودة المباني التي توضع فيها الوثائق المهمة، ويلحق بهذا مباني الدور الحكومية المهمة، وكلها مهمة.
أعود للكتاب، فأقول: إن المكتبات في الجامعات والمكتبات الوطنية التي تحوي آلاف الكتب والوثائق، والتي صرفت من أجلها أموال طائلة أجد أن لا فرق بين بنائها وبناء قاعات المحاضرات وهذا الظاهر، غير أن من المفترض أن يكون بناؤها وكذا المعامل فيها غير بناء المرافق الأخرى تحسباً لما قد يقع من زلازل أو أي مؤثرات أخرى كحريق وخلافه.
إنه في عصرنا الحاضر ينبغي أن نهتم ببناء الأدوار التحتية ذات العمق، لأنها آكد للحفظ وأسلم من المؤثرات، لارتكازها على أرض صلبة غير هشة.
حكاية ذات صلة:
أورد صاحب الفهرست حكاية مهمة تتعلق بما نحن بصدده وأنه ينبغي الاهتمام بأماكن العلوم على شتى اختلافها، فقد أورد في ص 297 قوله:
(إن ملوك الفرس بلغ من عنايتهم بصيانة العلوم وحرصهم على بقائها على وجه الأرض وإشفاقهم عليها من أحداث الجو وآفات الأرض، أن اختاروا لها من المكاتب أصبرها على الأحداث، وأبقاها على الدهر وأبعدها من التعفن، والورق لحاء شجر الخدنك ولحاؤه الذي يسمى (التوز)، وبهم اقتدى أهل الهند والصين ومن يليهم من الأمم في ذلك، فلما حصلوا لمستودع علومهم أجودها وجدوه في العالم من المكاتب، طلبوا لها من بقاع الأرض وبلدان الأقاليم أصحّها تربة وأقلها عفونة وأبعدها من الزلازل والخسوف وأهلكها طيناً وأبقاها على الدهر بناء..).
تلك حكاية مَرّت وما زالت بلاد الفرس تحرص على هذا، غير أننا في عصرنا هذا نعاني من فرط الحركة في الكرة الأرضية، فهل ننتبه لعلومنا ونختار لها ما يحفظها خشية من ضياعها؟ أرجو ذلك.