شكّل حضور منهجيات البحث العلمي في الميدان المعرفي أهمية كبيرة، حيث استطاع الإنسان من خلال هذه المنهجيّات أن يتحرر من قيد الذاتيّة، وغلبة الأهواء والعواطف، ليهيمن العقل على الميدان البحثي، الأمر الذي أدّى إلى تسخير المجهودات البحثية، الإجرائية والذهنية على حدٍّ سواء، في الكشف عن الحقائق البحثيّة كشفاً موضوعياً. وقد مرّ الميدان المعرفي بمحاولات كثيرة أسهمتْ في تكوينه وتطويره، شأنه في ذلك شأن الميادين المعرفية الأخرى، حيث ظهرتْ التيارات الفكرية المنهجية، والنظريات العلمية التي سعتْ إلى إرساء وترسيخ قواعد ومنهجيّات للبحث، خشية وقوعه في مزالق الذاتيّة، والميول الفردانية.
وانطلاقاً من أهمية المناهج البحثية في شموليتها للمجالات العلمية كافّة، بما فيها الاجتماعية والطبيعية؛ فإنّ مقياس منهجية البحث العلمي يعدّ من أبرز المقاييس وأكثرها أهمية، فكل باحث معنيٌّ، بلا شك، بالاعتماد على منهجية البحث العلمي، وهو أمر يستلزم إحاطته بالمناهج البحثية المتنوّعة، بأدواتها المختلفة.
وقد اكتسبتْ المناهج البحثية خصوصية فريدة في ظل النهضة الرقمية التي هيمنتْ على العالم في السنوات الأخيرة، حيث بدا الأمر بالنسبة للباحثين أيسر بكثير ممّا كان عليه قبل النهضة الرقميّة، فإدراج التقنيات والأدوات الحديثة، من شأنها أن تخطّ طريقاً سريعاً ويسيراً للباحثين، يُمَكّنهم من الاتّكاء على منهجية بحثيّة رقمية شاملة، تسهم بشكلٍ كبير في تطوير وترقية البحث العلميٍّ. وتُمثّل مصادر المعلومات المعرفية الإلكترونية من موسوعات، وكتب، ومجلات، وصحف، وقواعد بيانات، وإحصاءات.. وغيرها؛ أهميةً كبيرة للباحث، حيث يعتمد عليها في صياغة فكرته البحثية بشكلٍ دقيق وشامل، من خلال إنشاء قاعدة بيانات، ونظم للمعلومات تُعينه على تحديد المشكلة البحثية.
ويعرّف التحوّل الرقمي بأنّه: عملية سعي المنظمة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتكنولوجيا شبكة الإنترنت العالمية، لتحسين أداء مهامها وعملياتها المختلفة، ونقلها لمن يحتاج إليها في داخلها أو خارجها، وذلك من خلال الاعتماد على موارد ثلاثة هي: المعلومات المتدفقة والمتوافرة بها، تكنولوجيا ونظم المعلومات المستخدمة، الموارد البشرية المناط بها، والقيام بالمهام المختلفة التي تؤدي إلى تحقيق أهداف المنظمة في ظل إستراتيجياتها المختلفة.
وقد أفادتْ المناهج البحثية كثيراً من إستراتيجيات التحوّل الرقمي، سواء على مستوى الحصول على المعلومة، أو على مستوى النتائج، أمّا ما يتعلّق بالمعلومة، فقد أصبح الباحث قادراً على الوصول إلى مصادر المعلومات الرقمية المتعلّقة بمنهجه البحثي، عن طريق البحث في المكتبات الرقمية، والتعرف على قواعد البيانات البحثية، والرسائل الجامعية والكتب والدوريات الرقمية، بدلاً من توظيف الطرق التقليدية القائمة على حصر العيّنات. أمّا ما يتعلّق بالمعلومة، فتوفر الرقمنة إمكانية التنويع في النتائج، فللباحث اختيار شكل النتائج المتوائمة مع منهجه البحثي، والتي قد تكون على شكل مقاطع فيديو، أو صور، بدلاً من النتائج التقليدية المقروءة.