مسجد تُصفّ فيه المصاحف
وآخر تغسل فرشه
وثالث تُعاد صبغته
ورابع يُستعجل في الانتهاء من بنيانه.
الأسواق تمتلئ بالمرتادين
والمحلات تضاء بالأنوار
الإعلانات هنا وهناك لإفطار صائم
الناس في سباق مع الوقت قبل دخول رمضان
كلٌ يهيئ ما استطاع تهيئته
الناس سواء، والفرحة واحدة.
في رمضان لا فرق بين الناس إلّا في طاعة رب الخلائق
ها هو شهر الصوم يحل
الفرحة تعمّ
والتعبير عنها واحد
وكل يهدف لطاعة ربه، وصوم شهره
يتحوّل الليل إلى نهار لكثرة أنواره
والمساجد تضيء كل ما حولها
والناس بين داخل وخارج منها.
سبحان الله كيف يجمع هذا الشهر قلوب الناس، وكأنهم على قلب واحد:
الدعاء هنا، والقرآن هناك
مكبرات الصوت تصدح بالأذان
وكل يترقب ويصغي ويسمع
النفوس تهدأ، وكل في فلك الإيمان
الأيادي ترفع، والقلوب تخفق والألسنة تلهج.
ما أجمل هذا الشهر
أليس هو الركن الرابع الذي أُنزل فيه القرآن، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) (185 - البقرة).
وقال نبي هذه الأمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. وفيه ليلة القدر من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
إنه شهر عظيم، احتفل به الناس قديماً وحديثاً. قال الثعالبي مخاطباً أحدهم:
ساق الله إليك سعادة إهلاله
وعَرّفك بركة كماله
لقّاك الله فيه ما ترجوه
ورقّاك الله إلى ما تحب فيما تتلوه
جعل الله ما يطول من هذا الصوم مقروناً بأفضل قبول
مؤذناً بدرك البغية ونجح المأمول
ولا أخلاك من بر مرفوع، ودعاء مسموع.
ويقال إن الشاعر (ابن حمديس الصقلي) قد قال عندما رأى هلال رمضان:
قلت والناس يرقبون هلالاً
يشبه الصبَّ في نحافة جسمه
من يكن صائماً فذا رمضان
خطّ بالنور للورى أول اسمه
وقال الشاعر ابن الصباغ الجذامي:
هذا هلال الصوم من رمضان
بالأفق بان فلا تكن بالواني
وافاك ضيف فالتزم تعظيمه
واجعل قراه قراءة القرآنِ
صُمه وصنه واغتنم أيامه
واجبر ذماء الضعفاء بالإحسان
واغسل به خطّ الخطايا جاهداً
بهمول وابل دمعك الهتّان
لا غرو أن الدمع يمحو جريه
بالخدّ سكباً ما جناه الجاني
وآخر:
حفت بنا نفحة الإيمان فارتفعت
حرارة الشوق في الوجدان رضواناً
يا باغي الخير هذا شهر مكرمة
أقبل بصدق جزاك الله إحساناً
أقبل بجود ولا تبخل بنافلة
واجعل جبينك بالسجدات عنواناً
أعط الفرائض قدراً لا تضرّ بها
واصدع بخير ورتل فيه قرآناً
واحفظ لساناً إذا ما قلت عن لغط
لا تجرح الصوم بالألفاظ نسياناً
وصدّق المال وابذل بعض أعطية
لن ينقص المال لو أنفقت إحساناً
وقال الشاعر محمد حسن العمري:
يا شهر عتق من النار ومغفرة
ورحمة وصلاة وتراويح
حييت حييت إجلالاً وتكرمة
يا رمضان الذي تسمو به روحي
أرجو الله أن يتقبل من الجميع، وأن يعيد رمضان علينا ونحن بخير وسعادة واطمئنان.