مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

أغنية للذكريات

كان يرفض الاستماع إلى الأغاني القديمة حتى لا يشعر بالتقدم بالعمر. هو ابن الحاضر. اللحظة الممتعة المؤقتة، وأنا دائماً أحب الذكريات، بل أحرص على جعل كل لحظة ذكريات جيدة، أوثقها بالتصوير أو الكتابة عنها.. وضع كلمات ورائحة وتصوير المشهد جيداً حتى ألجا إليها وقت انقضاض الواقع عليّ بكآبته.
لم يفهمني أبداً، كنت أنزعج عندما أرسل له أغنية، حتى ولو لعمرو دياب، ويرد عليها بكلمة أغنية حلوة بس قديمة، هو بنفس عمري تقريباً الفرق بيننا شهور،
ولكنني دائماً أشعر أنني الأقدم.
منذ أن جئت إلى الدنيا أولاً وكأنني حملته وهو مولود!
كان لا يحب التصوير، لا يريد أن أذكره حتى بذكريات الماضي الجميل.
الكلمات، المشاعر، المناسبات. ولو فات عليها عدة أشهر بسيطة لا يهم.. المهم اليوم.
هذا ما جعلني أتراجع أنا وذكرياتي.. أنطفئ.. لا أجد ما أتحدث عنه، وهذا أهم شيء افتقدته.. الحديث.
الحوار بيني وبينه، أنا أحبه وهو كذلك، هو الرجل الذي رأيته منذ أول مرة وشعرت معه بالأمان، لم أتردد في الارتباط به.
بعدما عرض علي الزواج ورغم أنها تجربتي الثانية، والأولى بالنسبة له إلا أنني شعرت بأني فتاة.
أنثى لأول مرة، مشاعري عذراء نقية صافية معه، لا أتردد بالحديث عن أي شيء وكل شيء، أي وقت.
لكن لهفة البدايات لم تدم. فبعد فترة من زواجنا لاحظت أنني أتحدث، فقط أنا.
يتركني أتحدث ولا يتعاطى مع أحاديثي سوى بالقليل.
فتوقفت عن الحديث فتوقف هو أيضاً عن الرد.
لم أحب هذا الأمر أقحمته في الحديث عن الاقتصاد والاستثمار، عالم المستقبل الذي يحبه. فوجدت أنساناً تلمع عيناه، تتراقص الكلمات التي يطلقها، منتشٍ جداً بالكلام الذي لم أفهم معظمه.
سعدت لسعادته وعدت أراجع كتاباتي، وقراءاتي في غرفتي، بينما كان يشاهد المباراة.
وجدتني أحتفي بذكرياتي القديمة معه، وتسلل إلي شعور آخر حزين، مقبض،
للمرة الأولى أختلي بذكرياتي، وتزعجني.
فقد شككت فيها، ربما أتوهم فعلاً أنني كنت سعيدة معه سابقاً.
أنا من أردت خلق العلاقة، ومن ثم الذكريات السعيدة، لكنه ليس نفس الشخص الذي عرفته. إنه شخص آخر يشبه كثيراً زوجي الأول لا حديث بيننا.
لا يحب الحديث إلا على ما يعجبه. لا يعجبه التصوير، لا تعجبه الحميمية، لا شيء يهمه سوى اللحظة الحالية، ولا يهم ما يتم بناؤه يومياً.
كنت كمن اكتشف أنه في غرفة مظلمة، ينيرها فقط بقلبه.
ولا وجود فعلي لمفتاح هذه الغرفة، لا شباك فيها يطل على أي شيء، ولا حتى المستقبل فهو صنيع الحاضر، والحاضر مؤقت هدام للذكريات.
تسلل إليّ هذا الشعور فوجدتني أنسحب من غرفة نومي، أخذت كتابي ومفكرتي وأباجورتي لأنام فيها.
تفاجأ بعد مشاهدته لما فعلته تلك المرة الأولى بعد سنتين من زواجنا، ابتعد عن غرفتي، تلعثمت وأنا أعطيه أسباباً مختلقة عن أنني أود إكمال كتابي، والنور سوف يضايقه، وعليه الصحو مبكراً لعمله، وأضفت أنني سأستمع لأغنية أم كلثوم.
لأول مرة شعرت بتراجعه داخلي، وأول مرة لا أراه مبتسماً، وهو يحدثني بل حتى ردد كلماتي باستغراب تقرأين وتستمعين لأغنية في الوقت نفسه.
انسحب هو لغرفة النوم، بينما جافاني النوم تلك الليلة. وأنا أكرر مقطع الأغنية
(الهجر أهون من عذابي في قربك ولا أشوفش يوم أندم عليه وأنا جنبك)

ذو صلة