كيف يحضر اللباس التقليدي المغربي باعتباره ذاكرة الهوية الثقافية والحضارية والتاريخية في المنجز التشكيلي ضمن اللوحات التي احتفت بعمق الأصالة المتأصلة في نفسية الكائن المبدع. الفنان المغربي بعينه اللاقطة، الفاحصة، وذاكرته البصرية الخصبة يستحضر اللباس التقليدي المغربي ضمن لوحاته التشكيلية المتعددة، استحضاراً لروح التراث، وإعادة الحياة له من جديد لمساءلته والاحتفاء به، وإنقاذه أيضاً من النسيان الذي يطال الذاكرة بالإهمال.
الجلباب الصوفي بأناقته الرائعة، ولمسته الصناعية التي نسجتها الأنامل المبدعة من الصوف بمهارة عالية، والمنديل الملون والمخطط بالأبيض والأحمر المعروف جيداً في مدن شمال المملكة المغربية (طنجة، تطوان، العرائش، أصيلة..).
والحايك أو اللحاف الأبيض يرمز للوقار والحشمة. القبعات المصنوعة بخيوط صوفية ملونة تعطي للعين متعة أخرى في المشاهدة والملاحظة، وتقي الرأس من حرارة الصيف المفرطة.
إنها الرسالة التشكيلية النبيلة التي تساهم في حراك ثقافي فني يعيد الاعتبار للموروث الحضاري في حياتنا اليومية، وينقذه من النسيان والمحو.
انتصار لتشكيل الوعي الفني في ذاكرة التاريخ، والأجيال القادمة. إذ أن الحضارات العظيمة تقاس بما يقدمه الآباء من إرث تاريخي وتراث حضاري للأبناء والأحفاد والأجيال القادمة.
الخطاب التشكيلي المغربي المستحضر لجماليات اللباس التقليدي يرسخ من جهة ثقافة الوفاء والانتماء لجزء أساسي من هوية الأمم، ومن جهة ثانية يؤسس لذاكرة بصرية لها أفقها الجمالي الخاص بها.
تأسيس جسور التواصل والمودة والمحبة بين العين المتلقية والمخيلة المبدعة التي تسعى عبر لوحاتها الفنية التشكيلية لتأسيس صداقة متينة مع محيطها.
فالانحياز لذاكرة الأمة في تراثها ومعمارها وأصالتها ولباسها التقليدي وتقاليدها العريقة مقاومة حقيقية للنسيان والإهمال والمحو الذي يهدد الهوية في عمقها باعتبارها الحاضنة والضامنة باستمرار للقيم النبيلة والخالدة والهامة في الحياة الكائن، إذ هي التي تبني صرح كينونته انطلاقاً من أنساق معرفية وفنية وإبداعية.
إنها إشراقات الفن التشكيلي حين يدرك عميقاً الانتساب لذاكرته وهويته وحضارته وتاريخه وتراثه وجذوره الضاربة في أعماق التاريخ والكون.
انحياز الفنان التشكيلي المغربي عبدالواحد بن عبود للفن التشخيصي مساءلة واعية لمحيط يعيش فيه ومعه، يتلاقح ويتجاور مع كينونة أشيائه، في مصاحبة تعي تأسيس هوية التراث والذاكرة عبر الريشة واللون، والمتخيل الفني المساهم في إبراز غنى هذا الموروث الحضاري الخصب والمتجدد والمتنوع، والراسخ في الروح والنفس مهما تغيرت ملامح الزمن بسرعة مفرطة.
فاللوحات إضافة لجمالية اللباس التقليدي ترصد بشكل دقيق وعميق خيرات البادية المغربية من خضر وفواكه طازجة وبيض وأجبان وألبان تباع في المدن، وتلاقي رواجاً كبيراً لقيمتها الغذائية العالية والمتميزة. وتبرز سحر الجرة الخزفية الراقية والرائعة التي تعبر عن مهارة الصانع التقليدي حيث الماء بارد ومنعش بعيداً عن أي ثلاجات مستورة بماركات مسجلة.