يقول نابغة الرواية الفرنسية أندريه موروا: «أيتها الموسيقى.. إن في أنغامك الساحرة ما يجعل جميع لغاتنا عاجزة قاصرة»، وهو ما نطقت به ملامح حاضري مهرجان البحرين الدولي للموسيقى الذي انطلقت فعاليات نسخته العشرين بدءاً من منتصف أكتوبر 2011م، وعلى امتداد ست أمسيات مشحونة بالحلم، وتوثب الروح، وشغف النفس للتحليق في فضاء ساحر من الأحاسيس الراقية. وعلى عادة نسخه السابقة؛ كان المهرجان وفياً لتاريخه الخصب باستضافة فرق عالمية من مختلف أرجاء المعمورة، كي يقدم لجمهور الحاضرين في هذه المنطقة فرصة تنفس نماذج مختلفة ومتباينة من فنون موسيقية ما كان بوسعه أن يراها أو ربما يسمع عنها دون شد رحاله إلى خارج منطقة الشرق الأوسط بأكمله، ويسجل –في الوقت ذاته- سبقاً فريداً في دعوة فرق أكدت أن قدومها إلى مملكة البحرين هو أول مصافحة منها لأرض خليجية، وربما عربية.
امتاز المهرجان بتنظيمه الأنيق، واستقطابه لجمهور ذواق يمتاز بأذن عاشقة للموسيقى الراقية، ورغم أن الدخول إلى صالة المهرجان مجاني تماماً؛ إلا أن تلك الأمسيات أضاءت بحضور أرباب النخب الروحية والمعنوية من الناطقين بجميع اللغات، الأمر الذي ضاعف الشعور بنقاء الأجواء المحتضنة للألحان السخية بالدفء والحماس في الوقت ذاته.
اليابان تعانق البحرين.. موسيقياً
افتتح المهرجان بأمسية حالمة قدمتها الفنانة اليابانية القديرة (ميسا جونوتشي) الحائزة على لقب (فنانة السلام) للعام 2006م من قبل منظمة اليونسكو؛ برفقة فرقة البحرين للموسيقى، ليحظى الحضور بفرصة سماع موسيقى الحفل الذي قدمته مملكة البحرين من قبل أمام حشد من صناع القرار والباحثين في شأن التراث العالمي أثناء انعقاد اجتماعات الدورة الخامسة والثلاثين للجنة التراث العالمي في مقر اليونسكو بباريس، ويلتقي للمرة الأولى بموهبة عملاقة، اشتهرت بأسلوبها الذي تتمازج فيه الموسيقى العصرية بأنغام الشرق الأقصى المميزة برقتها وبساطتها.
موسيقى الفادو
التقى الجمهور الخليجي عموماً والبحريني خصوصاً بالفنانة البرتغالية (كريستينا برانكو) التي ترنمت بعشرين أغنية أجنبية معجونة بموسيقى الفادو على مسرح الصالة الثقافية، بينها أغنية خاصة وحصرية تغنيها للمرة الأولى في هذا المهرجان برفقة فرقتها الموسيقية الصغيرة. وتعرف الجمهور إلى فنانة ذات صيت واسع أهلها لإحياء 130 حفلاً في جميع بقاع العالم، ونالت عدداً لا يستهان به من الجوائز؛ من بينها جائزة أفضل ألبوم موسيقي عالمية من مجلة (لاموند دي لا ميوزيك) الفرنسية.
عزف بيانو
قدمت فرقة ثلاثي (مايك ديل فيرو) عازف البيانو والملحن الهولندي نخبة من مقطوعات الجاز المختلطة بنفحات من أنماط موسيقية أخرى من آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية برفقة عازف الجيتار (بودوين لوكاس) وعازف الطبول (روي داكاس)، لتكون البحرين إحدى محطات نجاح مايك ديل فيرو بعد أن رحل إلى أكثر من 90 بلداً حول العالم بحثاً عن فنانين آخرين ليتعلم منهم ويصقل وينمي موهبته، ونتجت عن هذا التعاون أعمال مذهلة تتقاطع فيها ألحان آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا مع الموسيقى الغربية الكلاسيكية والجاز بأسلوب خلاب تطرب له الآذان.
آلة البزق
بعد أن أحيا حفلات كثيرة في أماكن ومناسبات تحاكي في تنوعها طرازه الموسيقي، مثل معهد العالم العربي بفرنسا وغيره، بالإضافة إلى مهرجانات قيمة في دول وعواصم شرقية وغربية منها تونس، ألمانيا، القدس، أنتويرب ولندن، التقى الجمهور البحريني والخليجي للمرة الأولى على مسرح الصالة الثقافية بالفنان الكردي الأصل البيروتي المولد والمنشأ والباريسي الإقامة (عيسى حسن)، ليداعب أسماع هذا الجمهور بموسيقى تمزج بين أصالة الشرق وروح الغرب من خلال عزفه على آلة البزق المعروفة في منطقة بلاد الشام من الوطن العربي، لتتناغم ألحان البزق في تلك الأمسية مع مجموعة واسعة من النماذج الموسيقية برفقة عدد من الموسيقيين البارعين ذوي الأصول المختلفة كالتركية والكردية واللبنانية والأسبانية والفرنسية، والتعددية الثقافية التي تضفي على المقطوعات حساً مرهفاً يلامس جوارح المستمعين على مختلف مشاربهم وأذواقهم وثقافاتهم.
أمسية كلاسيكية
تألقت فرقة أوركسترا بيرج التشيكية بتقديم 20 مقطوعة موسيقية من بينها توزيعات كلاسيكية لبعض أغاني فريق البيتلز البريطاني في فترة الستينات من القرن الماضي، في أمسية غصت فيها القاعة بالجالسين وفاضت بالواقفين من الحاضرين.
وتعد فرقة بيرغ من أشهر الفرق التشيكية التي تقدم عروضاً فريدة من نوعها سواء على صعيد الأسلوب ونوعية الموسيقى أو حتى المكان الذي تحيي فيه حفلاتها. كما تقوم الفرقة، التي أسست العام 1995 على يد مايسترو الفرقة الرئيسي (بيتر فرابل) الذي يتولى أيضاً مسؤولية قيادة الفرقة إبداعياً، بمزج الموسيقى بأنواع أخرى من الفنون البصرية لتقدم أداء موسيقياً مميزاً بقالب جديد طراز فريد.
ختام خليجي
اختتمت فعاليات المهرجان بأمسية خليجية لفرقة عالمية المضمون، قدمتها فرقة المعهد العالي للموسيقى والفنون في الكويت متمثلة بخمسة من أساتذة قسم فن الصوت في المعهد الذين صدحت حناجرهم بعشرين مقطوعة عذبة تقاسمها الغناء الأوبرالي والموسيقى العالمية الكلاسيكية، قدمها كل من السوبرانو أماني الحاجي، أحمد الكندري، عبدالرحمن محميد، عبدالقادر الهدهود، ويعقوب حسن، وسط إعجاب الجمهور بالمستوى الرفيع لفناني وفرقة المعهد الكويتي المبدعة التي أكدت حقيقة أن المعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت وفرقته الموسيقية قد رفع راية تطوير الفنون الموسيقية بشتى أنواعها في دولة الكويت وخارجها، تحت إشراف نخبة من أساتذة الموسيقى المميزين من العالم العربي. مؤدياً دوره الفني والثقافي بتخريج دفعات من الفنانين الموهوبين من جميع دول الخليج في أقسامه المتنوعة لشتى التخصصات الموسيقية؛ كالتأليف، والغناء، والآلات الموسيقية، والموسيقى، والغناء العربي، والتربية الموسيقية وغيرها.
جدير بالذكر أن مهرجان البحرين الدولي للموسيقى يحتفي سنوياً باليوم العالمي للموسيقى في شهر أكتوبر من كل عام منذ 1981م، وتهدف هذه الاحتفالية الموسيقية إلى تحقيق فكرة منظمة اليونسكو في أن تسهم الموسيقى في إذكاء الذوق، وإشاعة قيم الخير والمحبة والسلام والصداقة والتعاون بين الشعوب، والارتقاء بأحاسيسها وثقافاتها، وتبادل الخبرات الفنية فيما بينها، وصولاً إلى رفع مكانة الفن الموسيقي بين قطاعات المجتمع كافة.