د.سلوى الميمان: علينا التعامل مع دهشة القارئ الغربي بشيء من الحذر
حوار/ طامي السميري: الدمام
كانت حظوظ الروايات السعودية في الترجمة إلى لغات أجنبية تقتصر على الروايات التي حققت الجوائز أو تلك الروايات التي أثارت الجدل الاجتماعي، ولكن الرواية السعودية الآن تعيش طفرة أدبية مختلفة وتتمثل في مبادرة (ترجم) التي أعلنت عنها هيئة الأدب والنشر والترجمة. ويقتصر هذا الحوار مع الباحثة د. سلوى الميمان على الروايات المترجمة إلى اللغة الفرنسية لنتعرف على ملامح وإشكاليات هذه التجربة.
هناك العديد من الروايات السعودية التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية؛ في تصورك ما هي أسباب أو دوافع تلك الترجمات، وكيف كان تلقي تلك الروايات؟
- بدأ الاهتمام بالرواية السعودية في الغرب وتحديداً في فرنسا منذ أواخر التسعينات لعدة أسباب أهمها ما سمي بـ (طفرة الرواية) في تلك الفترة وهي بالطبع طفرة نسبية لكنها أثارت ما يكفي من الجدل كي تجعل من المملكة العربية السعودية مركزاً أدبياً وثقافياً إلى جانب المراكز الثقافية العربية الأخرى مثل مصر ولبنان. هذا لا يعني ألا وجود للرواية السعودية المترجمة من قبل، ولكن كانت إصدارات نادرة ومبادرات فردية (ترجم الملحق الثقافي الفرنسي السابق في الرياض مجموعة قصصية لبدرية البشر (مساء الأربعاء) في عام ٢٠٠٣).
لا شك أن للجوائز الأدبية دوراً مهماً في توجه المترجم ودور النشر نحو ترجمة الروايات السعودية، فجزء كبير من تلك الروايات المترجمة حصلت على جوائز عالمية أو عربية. على سبيل المثال حازت رواية عبده خال (ترمي بشرر) على جائزة البوكر العربية لعام ٢٠١٠ وتمت ترجمتها إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية من قبل المترجم فريديريك لاغرانج (للفرنسي) الذي فاز بدوره بالمركز الثاني بجائزة الشيخ حمد للترجمة في قطر. كذلك رواية رجاء عالم (طوق الحمام) الحائزة على جائزة البوكر العربية في عام ٢٠١١ وصدرت ترجمتها باللغة الفرنسية في العام التالي. كما أن بعض الروايات المترجمة قد وصلت إلى القائمة القصيرة أو الطويلة لنفس الجائزة. دوافع الترجمة لا تقتصر على سبب واحد، فأغلب الروايات السعودية ذات الطابع الواقعي تصور المجتمع السعودي بشكل قد أثار الجدل، وبصرف النظر عما إذا كنا نتفق على قيمتها الفنية أم لا إلا أنها من حيث منظور سوسيولوجيا الأدب فهي تحمل دلالات مهمة.
هل الترجمة ستكون للروايات المثيرة للجدل أم للروايات الفائزة بجوائز أدبية أم للروايات التي تمثل المجتمع السعودي أم الترجمة للروايات الجيدة فنياً بحسب معايير النقاد والقراء؟
- نحن نتحدث عن ترجمة الأعمال الأدبية من اللغات التي يسميها أستاذ اللغة العربية والمترجم الفرنسي ريشار جاكمون بـ(لغات الأطراف) (وهي تسمية تبناها بعد دراسات إحصائية قسم بموجب كثرة الترجمة، أو قلتها، اللغات إلى لغات (أطراف) وهي التي تكون الترجمة منها وإليها قليلة، ولغات (مركز) وهي التي تكون الترجمة منها وإليها كثيرة). وتصنيف اللغة العربية، والإنتاج الروائي السعودي تحديداً، هو من ضمن لغات (الأطراف)، وهذا مؤشر إحصائي على قلة الترجمة من وإلى اللغة العربية. وكذلك الإنتاج الروائي المترجم العربي والسعودي (من ضمن أصناف الترجمة الأخرى) هو قليل. وبالمناسبة، وعلى الرغم من أهمية الأبحاث الإحصائية التي قادت إلى بلورة مفهوم (لغات الأطراف)، إلا أن الوعي بالحمولات الثقافية والتاريخية والفلسفية هو من أهم واجبات المترجم، وهذا لغرض الضبط المنهجي والمفاهيمي، وكذلك كي لا يتم إرباك المشهد النقدي.
هل ستكون النسخة المترجمة من الروايات السعودية أفضل من النسخة العربية، وهل سيلعب المترجم دوراً في تحسين جودة النص كما حدث لبعض الروايات العربية التي فازت بجوائز لأنها ترجمت بشكل جيد؟ وفي رأيك أيهما أنسب لترجمة الروايات السعودية؛ المترجم السعودي أم المترجم الغربي؟
- على حد علمي لا يوجد مترجم سعودي سبق أن ترجم رواية سعودية إلى اللغة الفرنسية، فجميع الروايات ترجمها فرنسيون لديهم ترجمات أخرى من اللغة العربية مثل إيمانويل فارليه الذي ترجم (الحمام لا يطير في بريدة)، أو سيمون كورتيه مترجم رواية (بنات الرياض) ورواية (الحالة الحرجة للمدعو ك). إلا أنه يمكن القول بشكل عام إن من شروط الترجمة أن يكون المترجم ملماً بالسياقات الثقافية، والتاريخ، والفلسفة (أو تاريخ الأفكار)، بالإضافة إلى أهمية إتقانه للأدوات الفنية الروائية. هذه كلها متطلبات لكي ينقل لغة المؤلف وخياراته في المفردات والتعابير، وسياقها في (ثوب فني) قريب من (الثوب الفني) الذي استخدمه المؤلف في لغته الأصلية. وهذا هو المستوى الأول من الترجمة. وهذا يتطلب أن يكون المترجم عالماً بما سبق.
إلى جانب ذلك، يوجد مستوى ثان من الترجمة وهو مستوى (المقاربة) بين الثوبين: ثوب المؤلف الأصلي وثوبه في اللغة المترجم إليها. وهذا يتطلب من المترجم أن يكون ناقداً. هاتان مسألتان تفتحان الباب على مصراعيه لوجود أثر، سلبي أو إيجابي، للمترجم العالم/الناقد الذي قد يجيد أكثر من المؤلف أحياناً ويقصر عن مستواه أحايين أخرى.
في تصورك أي الإشكالات التي ستواجه المترجم الفرنسي في ترجمته للرواية السعودية. وهل سيمثل أسلوب الروائي السعودي الذي يميل إلى الإنشائية عائقاً في جودة الترجمة؟
- بناءً على نقاشات مع بعض المترجمين الفرنسيين وجدت أن أغلب الإشكاليات التي تواجههم متعلقة باللغة العامية أو المصطلحات المرتبطة بلهجات، ولكن عادة ما يكون هناك تواصل مباشر من الروائي فيتمكن المترجم من حلها. بالإضافة طبعاً إلى إشكاليات أخرى تواجه أي مترجم في نقل بعض الصور الجمالية أو حس الفكاهة على سبيل المثال. والمترجم المتمرس يجد سبيلاً إلى ذلك وهنا تحضرني ترجمة ستيفاني دوجول لرواية (القندس) التي تمكنت فيها من نقل الحس الساخر السائد في الرواية على لسان بطلها. أما بالنسبة لمسألة (الإنشائية)، لا أعتقد بجواز الحكم بأن كل الروائيين السعوديين يمكن حصرهم في نموذج واحد تختزله عبارة (الروائي السعودي). فالروائيون السعوديون كثر، وكل له نهجه وطريقته. ومن جهة أخرى، لا أعتقد أن مجموع الروائيين السعوديين يعانون من مشكلة اسمها (الأسلوب الإنشائي).
مع أننا نعيش الآن في زمن القرية الكونية ولكن دوماً يتشكل السؤال هل مازال القارئ الغربي متأثراً بشدة بالصورة النمطية الاستشراقية المتعلقة بالأدب العربي؟
- حضور الأوعية الفنية والإعلامية الأخرى (مثل السينما أو القنوات الإخبارية أو الأفلام الوثائقية) عزز صوراً ذهنية سلبية عن المملكة العربية السعودية وعن المجتمع السعودي وتاريخه وثقافته وعمقه الحضاري لدى شعوب غربية كثيرة. بالإضافة إلى أن الأدب العربي الحديث والمعاصر لم يصبح متاحاً للقراء الغربيين إلا مؤخراً. وكان يقتصر لفترة طويلة على الأكاديميين والمهتمين بالعالم العربي. والقارئ الغربي قد يتفاجأ بوجود أدب سعودي، وكأنه لا يوجد مبدعون في السعودية. كذلك لايزال القراء الغربيون متأثرين بالصور النمطية التي ينتجها الإعلام الغربي وكذلك القصص الشرقية العالمية مثل ألف ليلة وليلة بسبب انتشارها بشكل واسع في جميع مجالات الفن.
كل ما سبق يعزز من حالة الدهشة التي تتكون لدى بعض القراء في الغرب حين يطلعون على الأعمال الإبداعية السعودية. وقد يفرح الناشر بهذه الدهشة وبهذا التلقي، ولكن قد يعزز هذا الاحتفاء بدهشة المتلقي في هذه البلاد أو تلك من الصور النمطية عنا التي تقول بأن إبداعنا هو الاستثناء وعدمه هو القاعدة. ولذلك، من المفيد أن يتم التعامل مع هذه الدهشة بشيء من الحذر.
هل مازال الناشر الغربي يميل إلى استخدام الثيمات الاستشراقية لتسويق الروايات السعودية من أجل جذب اهتمام الجمهور الغربي؛ كصورة الغلاف أو تقديم الرواية على الغلاف الخلفي؟
- فيما يخص الرواية السعودية المترجمة إلى اللغة الفرنسية فلا تكاد العلامات الاستشراقية واضحة في عتبات النص مثل العنوان وغلاف الكتاب. وهذا يختلف تماماً عما نجده في الكتب غير الروائية التي ينقل فيها الكاتب أو الكاتبة تجربته في السعودية والذي يدعي أنه يوثق هذه التجربة بشكل موضوعي بينما في واقع الحال يلجأ الناشر إلى إثارة فضول القارئ بغلاف يظهر صورة أو رموزاً نمطية للمجتمع السعودي مثل النقاب أو الصحراء أو غيره. أما بالنسبة للروايات السعودية المترجمة فغالباً ما تكون صورة الغلاف مرتبطة بشكل مباشر بعنوان الرواية (صورة (قندس) على غلاف رواية محمد حسن علوان، أو بموقع أحداث القصة (امرأتان) لهناء حجازي أو (ترمي بشرر) لعبده خال). وذلك يعود إلى أن دور النشر التي تترجم تلك الروايات متخصصة في العالم العربي ولا تعتمد سياستها على الصور النمطية، في الغالب الأعم. وقبل ذلك كله، تتمتع هذه الدور بقاعدة جماهيرية (تسويقية) واسعة. على سبيل المثال سلسلة (سندباد) التابعة لدار نشر (آكت سود) ويديرها فاروق مردم بيه تحظى بتسويق قوي مقارنة بالترجمات العديدة التي أنتجتها على سبيل المثال الملحقية الثقافية السعودية ويصعب تسويقها سوى في معارض الكتاب أو في مناسبات خاصة ولا تصل إلى القارئ الغربي. هناك أيضاً دار (لارماتان) التي نشرت ما يقارب نصف الروايات السعودية المترجمة (أميمة الخميس ومنذر القباني على سبيل المثال) ودراسات حول الفنون السردية في المملكة العربية السعودية ومجموعات من القصص الشعبية. من جهة أخرى من المتوقع أن جهود هيئة الأدب والنشر والترجمة متمثلة في جمعية الترجمة ومبادرة ترجم تدعم عملية ترجمة الأعمال السعودية إلى اللغات الأجنبية.
معظم الروايات السعودية التي تتم ترجمتها تتناول فترة زمنية ساد فيها الخطاب المتشدد، لذا كانت تلك الروايات تجادل ذلك الخطاب في تلك المرحلة، لكن المفارقة أن المجتمع الآن يشهد حالة مغايرة، لهذا فإنني أرى أن ترجمة ترى تلك الروايات تكرس واقعاً قد زالت ملامحه وتغيب حالة تنويرية نعيشها الآن؟
- لا أرى ضرراً في كون الروايات المترجمة كما وصف السؤال، فهي على كل حال روايات تنقل وجهة نظر مؤلفيها تجاه فترة زمنية. وكتابة الرواية عموماً تتطلب نوعاً من الوعي بالتغيرات الاجتماعية والقدرة على استيعابها كي يصيغها الراوي بشكل فني لا يقتصر على مجرد رصد للأحداث دون وقعها على المجتمع والفرد. ولا بد أن يأتي بعده نتاج يتناول الواقع المعاصر بملامحه الجديدة ويترجم بعضاً منه. المملكة الآن في حالة ازدهار غير مسبوقة. وقد يستغرق الأمر بعضاً من الوقت وحضور جيل من الكتاب ترتبط ذاكرتهم ومشاغلهم وحالات دهشتهم بهذا العصر المزدهر، بما ينعكس على الإنتاج الروائي ومن ثم ما يترجم منه.
هل من الجيد أن يكتب الروائي السعودي روايته بلغة أجنبية كما فعل أحمد أبو دهمان الذي حققت روايته نجاحاً باهراً لدى القارئ الفرنسي؟
- (الحزام) لأحمد أبو دهمان تجربة استثنائية استحقت النجاح ولفتت أنظار القارئ الفرنسي لأنها قدمت صورة مغايرة عن الصور النمطية عن المجتمع السعودي، بالإضافة إلى أسلوبها الشاعري الذي جعل من الرواية قصيدة نثرية تحمل معاني عميقة في كلمات بسيطة. وهناك العديد من الأمثلة لكتاب عالميين اختاروا الكتابة بلغة تختلف عن لغتهم الأم ووصلوا إلى العالمية مثل ميلان كونديرا، ومانويل بيكيت، ويوجين يونيسكو، لأسباب سياسية أو اجتماعية أو لأنهم وجدوا في لغة موليير ما يمكنهم من التعبير عن دواخلهم فأبدعوا.
بما أنك قرأتِ هذه الرواية بالنسختين الفرنسية والعربية؛ كيف وجدتِ الفارق بين النسختين من ناحية اللغة والناحية الفنية؟
- قرأت النسخة الأصلية فور طرحها في الأسواق عام ٢٠٠٠ ولم أكن أتطلع إلى النسخة العربية لكيلا أفسد جمال ما قرأته باللغة الأصلية. لكن دفعني الفضول لقراءة النسخة العربية التي لا تعد حقاً ترجمة بل إعادة كتابة للنص وإن لم يكن هناك فوارق كبيرة لكن اختلاف المتلقي أجبر الكاتب على بعض الإضافات والفوارق، وقد ذكر الكاتب في عدة مقابلات الألم الذي تكبده في عملية الترجمة إذ الرواية تحمل ذاكرة القرية وفي حال النسخة العربية فهذه الذاكرة هي أيضاً ذاكرة المتلقي السعودي.