مجلة شهرية - العدد (583)  | أبريل 2025 م- شوال 1446 هـ

أيمن رجب: التخييل عنصر أساس للرواية التاريخية

حوار/ أحمد مصطفى حسين: مصر


يمتلك الكاتب أيمن رجب طاهر، ثقافة ورؤية وروحاً شفافة تؤهله للإبحار في سرد التاريخ الاجتماعي، وعبور الحدود الزمانية والمكانية للاندماج مع المهمشين الذين عاشوا حقب التاريخ وأحداثه، خصوصاً ولديه دأب البحث في المصادر التاريخية، والشغف باللغة وعلوم النفس والاجتماع، إيماناً منه بأهمية تخليص التاريخ من الشوائب، فالتاريخ يكتبه المنتصر أو الأقوى، متجاهلاً الحقيقة والحكمة التي بها انتصار من بعده، ومن هنا أهمية التخييل لأبطال منا -نحن الشعب- يشتبكون مع المساحات الضيقة والمجهولة من صفحات التاريخ.
وأيمن رجب، مواليد مصر 1973م، أنتج ونشر 26 كتاباً، منها: 6 مجموعات قصصية، ومسرحيتان، و18 رواية تضم روايتين اجتماعيتين، ورواية سيرة ذاتية، ونوفيلا، و4 روايات تاريخية للفتيان، و10 روايات تاريخ اجتماعي، بجانب عشرات الدراسات النقدية.
حصد الكثير من الجوائز، كجائزة الدولة التشجيعية في الرواية التاريخية، وجائزة بهاء طاهر واتحاد كتاب مصر في الإبداع الأدبي، وجوائز أحمد بهاء الدين في الرواية والقصة، وجائزة لجنة تحكيم جائزة الشارقة للإبداع في المسرح.
هذا وتعد (الهجانة) الحاصلة على جائزة كتارا للرواية العربية المنشورة التي تمنحها دولة قطر، من أشهر رواياته، وتتناول قضية فيلق العمال والهجانة أثناء الحرب العالمية الأولى، عبر تهجير نجار مصري وابنته المضطرة لارتداء زي الرجال، كاشفاً عن القبور المجهولة للعرب في بلاد الاحتلال، والصدام الثقافي للإنجليز وتبريرهم لانتهاك كافة الحقوق الإنسانية لدى الغير المستضعف، وأبعاد ذلك.
وهنا، حوار عن معالم السرد، باعتباره فارساً في ميدانه.
لك مساهمات في الرواية التاريخية لكل من النشء والكبار، كيف ترى اختلاف فنيات الكتابة بينهما، والخطوط المشتركة؟
- الخطوط المشتركة هي الالتزام بالإطار التاريخي، أما الاختلاف الجوهري، أن رواية الناشئة تبرز الكثير من القيم المستقاة من حوادث التاريخ، كأن يدرك القارئ الواعد مغزى موقف أو سمة يتميز بها قائد أو شخصية تاريخية، أما رواية الكبار، فتتشعب الأحداث وتتعقد المواقف، فالغوص في الأبعاد النفسية للشخصية التاريخية هو الغالب.
من اللافت للنظر أن الحبكة والأسلوب يتغيران لديك من رواية تاريخية لأخرى، فكيف يتولد لديك الاختيار؟
- في المقام الأول الحدث التاريخي هو ما يفرض حبكة كل رواية وأسلوبها، فكل حدث تاريخي في حقبة ما له أبعاده وأحواله المحيطة به، والتي توجه الكاتب إلى الالتزام الكامل بإطار الحدث التاريخي المحدد.
تتسم رواياتك في التاريخ الاجتماعي بالتخييل، هل كل الأحداث ملائمة لذلك؟ وما أبرز الصعوبات؟
- التخييل عنصر أساس في كتابة العمل الإبداعي بوجه عام، والرواية ذات البعد التاريخي بوجه خاص، فمع الالتزام بالإطار التاريخي يفتح الكاتب لنفسه فضاء أرحب للتخييل، إذ لم يعش الفترة لكنه قرأ عنها، فيبقى التخييل مدخله لولوج القارئ إلى الفترة الزمنية المتناولة للأحداث.
وأظن أن كل الأحداث التاريخية مهيأة لعنصر التخييل، وأبرز الصعوبات التي تواجه الكاتب، عدم توافر مصادر تاريخية في فترة يريد الكتابة عنها، فيحجم عن الكتابة.
ما أسباب انتشار روايات الرعب لدى الشباب المعاصر، ومخاطر ذلك على الذائقة الأدبية؟
- سبب الانتشار هو براعة الكاتب في عنصر الغموض الذي يكتنفه التشويق، وروايات الرعب بوجه عام لا تحط من الذائقة الأدبية إن قُدمت بشكل مناسب وبشكل فني، فما يهوي بالذائقة الأدبية بوجه عام هو ضعف تقديم أي عمل إبداعي سواء كان رعباً أو غير رعب.
نفاجأ كثيراً في رواياتك التاريخية بأن البطل شخصية متخيلة وهامشية سواء في تل العقارب الحائزة على جائزة اتحاد الكتاب، أو القحط الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية وغيرهما، هل ترى ذلك ضرورة حتمية؟
- جلُّ رواياتي التاريخية تتناول تاريخ بسطاء الناس وحياتهم المعيشية العامة في ظل الحدث التاريخي البارز من وجهة نظر كتاب التاريخ، وعلى سبيل المثال رواية (القحط)، فقد تناول الكثير من المؤرخين حدث الشدة المستنصرية وما بعدها من فواجع لا يتخيلها إنسان، أما العمل الفني فهو إظهار كيف تحايل عامة الناس في التعامل مع هذه الأحداث.
قدمت تجربة النوفيلا مرة واحدة ولم تتكرر، لماذا؟ وما رأيك في كتابات النوفيلا على الساحة الأدبية؟
- طبيعة حدث الرواية تفرض على الكاتب القالب الذي تكون عليه، فربما توجد نوفيلات قادمة بإذن الله، كما توجد روايات قصيرة لشباب الكتّاب على درجة عالية من النضج الفني، وسبب انتشارها هو علو الحسّ الإبداعي عند هؤلاء الكتاب، ومحوره الموهبة المسوّرة بالقراءة والمطالعة والثقافة العامة.
يتحدث الجميع عن احترافك الكتابة بلغة العصر الذي تحدث فيه أحداث الرواية، ألا تخاف أن يكون ذلك معرقلاً لسلاسة السرد أو يحرمك من الوصول لفئة من المراهقين والشباب المعتاد الاستسهال؟
- حقيقة كل عصر له لغته المشهورة ومصطلحاته، ومع توالي الحوادث تُفرض ألفاظ وتراكيب مثل العدوان العثماني الآثم والغاشم على مصر والشام وغيرها من بلاد، فقد فرضت كلمات دخيلة على لغتنا واندمجت معها، ولا أرى ذلك معرقلاً لسلاسة السرد الذي يقدم بالأساس بلغة فصحى ميسرة، وإن كان شباب القراء جادين، فإن ذلك يضيف لقاموسهم الكثير والكثير من اللغة الفنية.
الرواية لديك تتجاوز 300 صفحة غالباً، وتستغرق أكثر من عام من القراءة والتأمل والكتابة المنتظمة، من أجل العناق الواعي للشخصيات المتخيلة لتفصح عن المسكوت عنه، خصوصاً وامتلاكك الاستنارة والبصيرة التي تؤهلك لذلك، فما أكثر الروايات التي أخذت منك جهداً؟ وأسباب ذلك؟
- جميع الأعمال الروائية أجهدتني كي تخرج في شكلها النهائي المرضي عنه، لكن أكثر رواية أخذت مني جهداً هي رواية (أنسباي - حكاية أنس بن مصري)، واستغرقت عامين، لأنها تناولت آخر سنوات حكم المماليك وبداية اجتياح الاحتلال العثماني البغيض، وما ارتكب فيه من جرائم في حق مصر والمصريين، والتحول السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وتغير عادات وتقاليد الشعب المصري بسلوكيات دخيلة فرضها العنصر العثماني الحاكم في ذلك الوقت.

ذو صلة