مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

ألبرتو ماريو كويفاس: أنا محظوظ لأنني عرفت المملكة

حوار وترجمة/ حمد الدريهم: الرياض


زار معظم مناطق المملكة ورقصَ العرضة السعودية وزيّن رأسه بالغترة والعقال، ليرسم في ذاكرته تجربة مكسيكية فريدة انغمست في تفاصيل المجتمع السعودي، ليكسر التحفظ المُعتاد لأروقة الديبلوماسية.
التقيتُ بالسيد ألبرتو ماريو كويفاس رئيس القسم الثقافي السابق بالسفارة المكسيكية بالرياض، لأحاوره حول تلك التجربة وعن التشابهات ما بين المملكة والمكسيك، والكتب التي ينصح بها لفهم طبيعة وبنية المجتمع المكسيكي، بالإضافة إلى موضوعات أخرى، فإليكم الحوار:
قضيتَ أكثر من ثلاثة أعوام بالمملكة، كيف تصف تلك التجربة الغنية، لاسيما أنك انغمست في المجتمع السعودي؟
- العيش في المملكة العربية السعودية لمدة أربعة أعوام ونصف، كانت بلاشك تجربة غنية جداً من عدة أوجه، أن المملكة كانت الوجهة الأولى بصفتي عضواً ضمن أعضاء السلك الديبلوماسي لوزارة الخارجية المكسيكية، وتُعدُّ من قائمة أصعب الوجهات. التحدي كان هائلاً.
مثل أي امتحان، له ظروف معقدة وعند حلها تصبح تجارب تعليم عالية القيمة.
انتقلتُ إلى الرياض في صيف عام 2019م. ذلك العام كان مهماً للمنطقة وللمملكة التي نفذت العديد من خطط الانفتاح والتغيير على كافة المستويات الحكومية ضمن إطار رؤيتها للتحول.
أثناء فترة إقامتي، شهدت المملكة والمنطقة العديد من الأحداث مثل: رئاسة المملكة لقمة العشرين، جائحة كورونا، معرض إكسبو في مدينة دبي في الإمارات، الذكرى السبعين للعلاقات السعودية-المكسيكية، وكذلك كأس العالم في قطر 2022م.
إضافة إلى بعض الأحداث الأخرى المهمة التي وسمت فترة عملي في الخليج مثل: تطور الصراع في اليمن الذي لايزال مستمراً، وزيارة البابا فرانسيس إلى البحرين التي شهدت إقامة علاقات ديبلوماسية ما بين الكرسي الرسولي (الفاتيكان) ودولة عمان، ومؤتمر اليونيسكو العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة (موندياكلت 2022) وكذلك هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل.
ما سبق ذكره، عوامل وسمت فترتي في الخليج بصفتي موظفاً عاماً، ولأنها جزء من عملية التعلم مدى الحياة.
فترة وجودي بالرياض، أتاحت لي أن أتعلم اللغة العربية والمطبخ السعودي والرقصات السعودية التقليدية والتنوع الجغرافي بالمملكة. كل ذلك كان ممكناً بفضل انفتاح مجتمعها الذي يشكل معظم سكانه من الشباب المتصل بالعالم الرقمي وبإرث ثقافته العتيقة.
بعد تجربتك في المملكة، ما التشابهات التي استنتجتها ما بين المملكة والمكسيك؟
- علمتني إقامتي بالمملكة، أنه على الرغم من العلاقات المتراكمة التي تمتد لسبعين عاماً، إلا أن هناك الكثير يجب القيام بفعله، لأن المُجتمَعين متشابهين جداً مما يمنح أرضاً خصبة للفهم المتبادل وتقوية أواصر مجالات التعاون الحالية أو التي قد تنشأُ لاحقاً.
لا تشترك المكسيك والسعودية في الكلمات المتشابهة بين اللغة العربية والإسبانية المكسيكية فحسب، وهو تراث من ماض مشترك يتصل بتاريخ إسبانيا، ولكن الثقافتين تعترفان أن الأسرة هي البنية الأساسية للمجتمع وفي جوهرها تقام العديد من الاحتفالات التقليدية للبلدين.
متعة مشاركة الطعام من الأمثلة التي تمنح فرصة لا تقدر بثمن للتعرف على بعضنا البعض وعبر المجتمعات المختلفة، وترك تلك المعرفة المحملة بالصور النمطية المتبادلة بيننا.
إذا أراد شخص ما فهم طبيعة وبنية المجتمع المكسيكي، ما الكتب أو الأفلام التي تنصح بها؟
- هذا سؤال مثير للاهتمام، أن تعرف المكسيك يعني أن تدلف إلى منطقة متنوعة جداً من كل الأوجه. في بلدتنا فقط أكثر من 68 مجموعة لغوية يتحدث بها في مناطق مختلفة من البلاد وتمثل إرث مجتمعات السكان الأصليين في حقب ما قبل الهسبانية. لهذا السبب، أنصح بالعناوين التالية لمن يهتم باكتشاف المكسيك عبر آدابها:
رواية (بيدرو بارامو)/ (Pedro Parmo) لخوان رولفو، و(Balún Canán)/ (الحرّاس التسعة) لروزاريو كاستيلانوس، و(سوبيتا دي فيدو)/(Sopita De Fideo) لكريستينا باتشيكو. بالإضافة إلى كتاب (موجز تاريخ المكسيك)/ (Historia Mínima de México) من إصدارات كلية المكسيك، ورواية (كالماء للشوكولاتة)/ (Como Agua para Chocolate) ل لاورا اسكيبيل وهي أعمال تُرجمت إلى العربية وكذلك عمل خوان رولفو.
من وجهة نظرك، كيف نُغيّر الصور النمطية في عقول الناس تجاه بلد معين؟
- الخطوة الأولى، لابد أن نحدد عناصر الصورة النمطية حول مجتمع ما. على سبيل المثال، في حالة المكسيك هناك صور سلبية جداً بُنيت تتعلق بتهريب المخدرات والجماعات المسلحة التي تدير البلد. تلك الصور يسهل إعادة إنتاجها عبر الإعلام الذي يميل لتطبيع العنف وعواقبه عبر التلفزيون والمسلسلات والأفلام التي توزّع بسهولة، لذا لا يؤدي إلى تعميق عدم المعرفة ببلدنا فحسب، بل تبني مفاهيم سلبية حول مجتمعنا وثقافتنا ويختصرها في صور تتعلق بالجريمة وانعدام الأمن والعنف من بين مشكلات اجتماعية أخرى. ذلك الأمر ليس تحدياً حصراً للمكسيك، المملكة تواجه أيضاً مثل تلك التحديات للتخلص من بعض الصور الإعلامية المعينة.
وفي هذا السياق، أفضل أداة لتفكيك الصور النمطية تتمثل في تشجيع استهلاك المواد الإعلامية التي تعكس الثراء الثقافي وتحتفي بالتنوع الموجود بمظاهره المختلفة.
هل هناك كتب أو أفلام تنصح بقراءتها أو مشاهدتها من قبل الديبلوماسي؟
- هذا السؤال يتصل بالسؤال السابق، لأن عمل الأشخاص في الخارجية يتطلب التعامل المستمر مع مصادر متعددة للمعلومات يمكن التحقق منها، من أجل الإثراء الواسع والعميق، لذلك لأجل تعزيز التقارب المتبادل بين المجتمعات والثقافات، أنصح بالاطلاع على المواد التالية:
(سيليتو ليندو) من أداء فرقة الأوركسترا السعودية وهي متاحة على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch؟v=WgZpJ43ufyw
بحث استخدام التين الشوكي في المملكة العربية السعودية مع منظمة الفاو:
https://www.fao.org/neareast/news/details/Exploring-the-use-of-cactus-pear-in-Saudi-Arabia/ar
وكذلك المادة التالية المتعلقة بالمطاعم المكسيكية: هل هذه أفضل المطاعم المكسيكية بالرياض؟ وهي متاحة على الرابط التالي:
https://www.listmag.com/eat-drink/3236-are-these-best-mexican-restaurants-riyadh
ذات يوم قال الفيلسوف المكسيكي ليوبولدو زي أغيلار(1912م -2004م): (لدينا في قارة أمريكا تجربة يمكن أن نقدمها للعالم في القدرة على الامتزاج الثقافي والعرقي. الإسبان ورثوا لنا شعوراً استثنائياً بالعيش المشترك بين الشعوب والأديان والثقافات المختلفة، القارة الأمريكية نفسها كانت الوعاء الأكبر الذي انصهرت فيه كل تلك النماذج. هذا (العرق الكوني) كما يسميه الكاتب المكسيكي خوسيه فاسكونسيلوس، أظهر رسالة فيها الترابط والامتزاج، تستحق الإمعان والنظر ممن لديه كراهية الأجنبي وكذلك أصحاب القوميات المختلفة من كل الأصول). من وجهة نظرك، كيف يمكن تطبيق التجربة المكسيكية في بعض مناطق الأزمات حول العالم التي تعاني من الصراع، وما التجربة التي يمكن أن تقدمها المكسيك؟
- أود أن أضيف على ذلك الاقتباس فرضيات الفيلسوف المكسيكي جايمي لاباستيدا الذي يؤكد أن هناك (مكسيك متعدد)، إذ إن تعدد اللغات والعادات والطقوس والثقافات تُحدد ثروة بلد متنوع، وهي جوهر ذلك البلد الذي سيكون لديه إجابات دائمة، ليقدمها إلى أولئك الذين يرغبون في قبول تحدي البحث والغوص في مستقبله التاريخي.
ما الصور والذكريات العالقة في ذهنك حول تجربتك بالمملكة؟
- أخشى أن أُنسى، سأظل عاشقاً لغروب الشمس البرتقالي الذي يضيء رمال الصحراء عند الفجر والغسق، والمآدب الرمضانية ولطف ولباقة شعبها، ويشرفني أن أسميهم أصدقائي.
أنا محظوظ، لأنني عرفت المملكة العربية السعودية وسافرتُ في أرجائها وتعلمت من ثقافتها، وأقول دائماً من الممكن الوصول إليها إذا تركنا الأفكار المسبقة وراءنا.
لو أن هناك مواطناً مكسيكياً قرر زيارة المملكة، ما الكلمات التي تود أن تقولها له؟
- أنصح دائماً بالقيام برحلات مسؤولة، والتأكد من مراجعة وثائق السفر، وعدم اتخاذ قرارات متسرعة، واحترام السلطات المحلية دائماً.
كيف ترى أثر الثقافة والرياضة على تعزيز الروابط الديبلوماسية بين البلدان؟
- الحوار بين الثقافات عبر الرياضة، مجال مهم -بلا شك- للتفاعل الذي يستحق أن يستمر لاستكشافه.
من الأمثلة على ذلك مباراة المكسيك والسعودية التي أقيمت في 30 نوفمبر 2022م في بطولة كأس العالم بقطر. كانت المرة الأولى التي نتواجه فيها في كأس العالم، لكن قبل ذلك لم يتواجها إلا في منافسات رسمية أخرى مثل كأس القارات والمباريات الودية.
سأتذكر تلك المباراة دائماً. على الرغم من فوز المكسيك، إلا أنهما غادرا البطولة، في نفس العام الذي احتفلت فيه الدولتان بمرور سبعين عاماً منذ بدء العلاقات الديبلوماسية بينهما.
باختصار، الملعب إطار مثالي لاستمرار الرهان على تعزيز التكامل الاجتماعي والثقافي بين الأمم، وتعزيز جسور التفاهم بين مجتمعين ظلا لسنوات طويلة بعيدين عن بعضهما البعض على الرغم من التراكم الهائل للمتشابهات بينهما. اليوم، تحققان تقدماً جوهرياً في تعزيز الروابط بينهما.
ما كلمتك الأخيرة في هذه المقابلة؟
- شكراً لكم على هذه المساحة التي ركزت على الذاكرة، لتدوين هذه الصداقة التي يجب أن تميز تاريخ البلدين.
وأنا على يقين أنه سيكون هناك مساحات أكبر للتبادل الثقافي والتجاري والتعليمي والتكنولوجي والعلمي. سأسرُّ دائماً بالعودة إلى البلد الذي استقبلني لمدة خمسة أعوام تقريباً.
 

ذو صلة