مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

عبدالله الملحوق

 محمد بن عبدالله السيف: الرياض

  

  من بين أبرز السفراء السعوديين حضوراً، كان السفير المتألق عبدالله بن عبدالرحمن الملحوق، الذي عمل سفيراً لمدة ثلاثين عاماً، بدأها عام 1968م، في الخرطوم وختمها في اليونان، مروراً بالجزائر. وما من محطة عمل فيها الملحوق سفيراً، إلا تعرض لحادثة غريبة أثبتت مدى قوته، وحكمته في التعامل مع الأحداث. وكان أبرز هذه الحوادث ما تعرض له وزوجته في الخرطوم حينما هاجم مسلحون في عام 1973 منزله وكانت لديه مأدبة عشاء بحضور عدد من السفراء والدبلوماسيين، إذ عمد المسلحون إلى قطع الكهرباء عن المنزل ودخلوا ملثمين يفتشون في الوجوه، واحداً واحداً، بحثاً عن سفراء معينين لخطفهم. وقد تناولت الصحف السودانية هذه العملية الإرهابية بالتغطية الشاملة، في الأيام التالية للهجوم.

 

وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان في منزل السفير السعودي في أثينا 

ويوم أن رحل عبدالله الملحوق إلى جوار ربه في عام 2008م مُجللاً بالزهو والفخر بما قدمه لوطنه ومواطنيه من خدمات جلّى، كتبتُ قائلاً: (إن الدور الريادي للشيخ الملحوق في مجال التعليم والصحافة والنشر لم يكتب بعد! ولربما أن مهامه وأعماله التي تلت هذه البدايات، والتي برز فيها واشتهر قد حجبت جهوده وأعماله عن الآخرين). ذلك أن للملحوق أدواراً وطنية مهمة، بل بالغة الأهمية في مرحلة مبكرة من مراحل تأسيس الصحافة والطباعة والنشر في المملكة. وهنا أحاول تسليط الضوء على شيء من تلك الأعمال الرائدة، تذكيراً للجيل الحالي بها، وحفظاً لدوره ومكانته. ويمكن تقسيم الأعمال الرائدة للملحوق إلى التالي: - ريادته في إنشاء أول شركة طباعة في المنطقة الشرقية.- ريادته في إنشاء أول صحيفة في المنطقة الشرقية.- ريادته في إنشاء دار نشر سعودية في الخارج.- ريادته في إنشاء أول كلية سعودية في الخارج.قبل التطرق لهذه الأعمال الرائدة، لابد من القول إن عبدالله الملحوق، المولود في عام 1924م، في مدينة الرياض، والذي تعود جذور أسرته إلى بلدة ثرمداء بالوشم، درس في مصر ضمن البعثة السعودية الثانية، وكان من زملائه في الدراسة حمد الجاسر. وكان لدراسته في مصر أثرٌ بالغ في تكوين شخصيته وصقل موهبته، وإيمانه بالعلم والثقافة، واهتمامه بالصحافة والنشر. وقد تلقى تعليمه في كلية دار العلوم، ودرس بعدها في المعهد البريطاني لتعليم اللغة الإنجليزية، فكان متحدثاً بارعاً بالإنجليزية، وفور عودته عمل معلماً ومراقباً على مدارس شركة أرامكو بالظهران قبل أن ينتقل للعمل في إمارة المنطقة الشرقية مشرفاً عاماً على مكتب أميرها. وقد ذكر المهندس علي النعيمي في سيرته، التي صدرت مؤخراً، أن الملحوق الذي تعرّف إليه أثناء دراسته في مدرسة الجبل، قد شفع له بالعمل لدى أرامكو حينما استغنت الشركة عن خدماته بعد صدور قرار بمنع التوظيف لمن هم أقل من 18 عاماً!. خلال وجوده في المنطقة الشرقية، قام الملحوق بأعماله الجليلة والرائدة، وكانت فكرة إنشاء مطبعة في المنطقة أول اهتماماته، وهي النواة لأعماله الثقافية والصحافية اللاحقة.

 

الرئيس ياسر عرفات يصافح السفير وزوجته عصمت الحجار في حفل أقامه رئيس الوزراء اليوناني 

 شركة مطابع الخط

برؤية عصرية وعلمية، بادر عبدالله الملحوق إلى إنشاء شركة الخط للطباعة والنشر عبر إعلان نشره عام 1952م في صحيفة (البلاد) يدعو المواطنين للاكتتاب في الشركة، التي اتخذت من الدمام مقراً لها وانطلقت بأعمالها بدءاً من عام 1954م، وكان لهذه المطابع أثرها الكبير في تلك المنطقة الواعدة، وقد جاء تأسيسها متزامناً مع الانطلاقة الوثابة التي شهدتها المنطقة الشرقية، ومع نموها الذي صاحب أعمال شركة النفط في المنطقة. وقد رأس عبدالله الملحوق مجلس إدارة الشركة وتولى إدارتها التنفيذية. وكانت هذه الشركة هي الشركة الحاضنة والراعية لأول صحيفة ستنطلق في المنطقة الشرقية على يد الملحوق نفسه. وجاء تأسيس مطابع الخط قبل تأسيس مطابع الرياض على يد حمد الجاسر. وقد نشرت الشركة إعلاناً تقول فيه: (إن شركة الخط للطبع والنشر والترجمة على استعداد تام لطبع الكتب والمجلات والجرائد، كما أنها على استعداد تام لطبع المطبوعات التجارية على اختلاف أنواعها، ولديها مجموعة كبيرة من الأحرف الإنجليزية والعربية بمختلف أشكالها وأحجامها. شعارها دائماً: الرخص في الأسعار، النظافة في الطبع، الصدق في المواعيد. اطبع لديها ولو مرة واحدة لتتحقق من أنها اُسّست لخدمتك وخدمة كل مواطن).

صحيفة أخبار الظهران

صدر العدد الأول منها بتاريخ 1 جمادى الأولى 1374هـ، الموافق 26 ديسمبر 1954م، وكانت تحمل اسم (صحيفة الظهران) بدايةً ثم تغيّر اسمها إلى (أخبار الظهران). وانطلقت برئاسة تحرير عبدالله الملحوق، ويساعده عبدالكريم الجهيمان مديراً للتحرير. وعلى غلاف عددها الأول كُتب: (تصدرها شركة الخط للطبع والنشر والترجمة في الدمام). وبدءاً من العدد 13 ظهر اسم سعود العيسى على الغلاف سكرتيراً للتحرير.كان السبب في تغيير اسمها من (الظهران) إلى (أخبار الظهران) حسبما ذكرت الصحيفة إلى أن الأستاذ عبدالله أبا الخيل سيُصدر صحيفة باسم (الظهران). وبعد فترة أرسل أحد القراء من الجبيل واسمه مبارك يطلب من القائمين على الصحيفة لفت نظر عبدالله أبا الخيل إلى استبدال اسم صحيفته قبل صدورها، حتى لايكون هناك لبس على القارئ بين الصحيفتين، فكان رد هيئة التحرير: (إذا أصدر الأستاذ أبا الخيل جريدته، ففي ذلك الوقت يحلها ربنا يا أخ مبارك)! ويتضح من رد هيئة التحرير أن لا صحيفة متوقعة سوف تصدر باسم (الظهران)!.ظلّ عبدالله الملحوق رئيساً لتحرير صحيفة (أخبار الظهران) حتى العدد الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 1955م، حينما صدر أمر ملكي بتعيينه ملحقاً إعلامياً في بيروت. وعبّرت الصحيفة عن أسفها لتخليه عن رئاسة التحرير، متمنية له التوفيق والنجاح في عمله الجديد. وبمغادرته الصحيفة تولى الأديب عبدالكريم الجهيمان رئاسة التحرير، وتصدّر العدد الذي خلا منه اسم الملحوق هذه العبارة: (امتياز الجريدة لشركة الخط للطبع والنشر والترجمة).إن اختيار الملك سعود بن عبدالعزيز للملحوق للعمل ملحقاً إعلامياً في بيروت لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة معرفة ودراية بما يتوافر عليه من كفاءة وموهبة في الصحافة، ومقدرة على إدارة العمل الصحافي ومتابعة ما تنشره الصحف في بيروت، التي كانت وقتها عاصمة الصحافة والمنشورات العربية، وموطن الخصومات الفكرية، ومركز رجال الأعمال والسياسيين والإعلاميين العالميين، وكانت المكان الأرحب لعقد الصفقات الكبرى في ميادين السياسة والحب والاقتصاد، وغير ذلك مما هو معروف عن بيروت، وما كانت تؤديه من خدمات في تلك الفترة. وقد حقّق الملحوق حضوراً وأدى دوره باقتدار على مدى أكثر من عشرة أعوام، حتى تعيّن سفيراً في السودان. وكان الملحوق من الجيل السعودي الذي عشق لبنان، وأحب أرضه وأهله، وقد توّج حبه للبنان بالزواج من إحدى فتياته، وهي السيدة عصمت الحجار، التي تعرف إليها أثناء عمله ملحقاً صحافياً، ليقررا الزواج، وتعيش معه، زوجة ورفيقة، في كل محطاته ودروبه. وقدمت في كل المحطات أنموذجاً متميزاً في العمل الخيري التطوعي في مجال الطفولة والأمومة ومساعدة المعوقين والعجزة، ونالت بذلك شهادات شكر وتقدير.المكتب السعودي للتأليف والنشر في بيروتفي عام 1951م تقريباً، أسّس عبدالله الملحوق في بيروت (المكتب السعودي للتأليف والنشر). وقد تضمّن العدد الأول من (أخبار الظهران) خبراً عن هذا المكتب، الذي يقع في شارع بشارة الخوري، وأن المكتب: (مستعد لطبع الكتب والرسائل والصحف وتصحيحها، كما أنه مستعد لقبول وكالات الطلبة واستقبالهم والقيام بما يلزمهم ومراقبة سيرهم وسلوكهم، وأخبار المعاهد والمدارس لهم بلبنان، والغاية من ذلك خدمة المواطنين الأعزاء في لبنان). والمقصود بالطلبة هم الطلبة السعوديون الذين يدرسون في لبنان في تلك الفترة. وقد أشارت مجلة (اليمامة) في عددها الثامن أن المكتب نشر الكتب التالية: النهضة العلمية والعمرانية في المملكة لعبدالله الملحوق، وتطوّر المالية في المملكة، وكتاب السعوديات الكبرى، وكتاب المملكة العربية السعودية في خمسين عاماً. ويبدو أن جميع هذه الكتب هي من تأليف عبدالله الملحوق. وفي هذا العمل الريادي يُعد الملحوق رائداً في تأسيس دار نشر خارج المملكة، مساهمةً منه في خدمة المؤلف السعودي، وحرصاً منه على دعم الكتاب السعودي ليكون متوفراً خارج حدود بلاده. وكان الشيخ حمد الجاسر قد طبع أعداداً من مجلته (اليمامة) في بيروت عبر هذا المكتب السعودي.

السفير السعودي وزوجته في اليوم الوطني السعودي مع السفير الأمريكي وزوجته 


الكلية السعودية في لبنان


بنظرة واعية، وبعين حريصة على مواطنيه، خاصة الذين يدرسون في المدراس اللبنانية في الخمسينات الميلادية، وهم كُثر، قرر عبدالله الملحوق تأسيس مدارس في بيروت تحمل اسم (الكلية السعودية بلبنان). وتضم مراحل: أولي- ابتدائي- ثانوي. وفيها سكن داخلي للطلبة لمن أراد منهم السكن داخلها. وقد زار الأديب حمد الجاسر هذه الكلية/ المدارس، وكتب عنها مقالة نُشرت في العدد الأول من (أخبار الظهران) قال فيها: إن الملحوق اختار أرضاً واسعة ممتدة على طريق عام يمتد من بيروت إلى قرى لبنان المنتشرة فوق سفوحه، وإنه أرسى قواعد تلك الكلية، ووضع أساسها بهمة ونشاط وعزم ثابت لايتضعضع. لقد كنتُ أسمع عن عمل الأستاذ الملحوق في إنشاء هذه الكلية أخباراً متضاربة، وأسمع من كثير من الناس نقداً وعتباً، لعدم قيامه بهذا العمل في بلاده. ويمضي الجاسر قائلاً: إنني أرى أنه عمل عظيم حقاً، ومتى حقّق الله له النجاح فإنه سيكون مأثرة خالدة، بل مفخرة عامة شاملة، لا لصاحب الفكرة، القائم بتنفيذها، بل لبلادنا بأجمعها. فإذا تكاتفنا وتآزرنا وقام كل واحد منا بما يستطيعه لإنماء هذا المشروع وإنهاضه وإكماله، وأخذنا بيد منشئه والقائم به، فإنما نقوم بعمل يحتمه الواجب الوطني وتفرضه علينا عروبتنا وأخلاقنا التليدة. وكتب إبراهيم الشورى مقالة عن الكلية أوضح فيها أن عدداً من السعوديين أرسلوا أبناءهم إلى لبنان للدراسة: (فزرع الأستاذ شجرته في هذا البلد، وأسس الكلية السعودية في أحسن بقعة بعد جهد طويل شاق، وبعد دراسة عميقة استطاع بعدها أن يخرجها كما رأيناها، ممتازة الموقع، فسيحة الأرجاء، عظيمة البنيان، كثيرة الفسحات والردهات). ويرى الشورى أن هذا المشروع الحيوي هو مفخرة للشعب السعودي. وكتب من العراق سامي نادر، الذي وصف الملحوق بأنه وخلال مدة وجيزة استطاع إنقاذ عشرات الطلاب السعوديين الحائرين في لبنان، ليدخلهم الكلية السعودية في سن الفيل، حيث يشعر كل فرد منهم بالجو العائلي الذي افتقدوه، علاوةً على الاهتمام الذي لم يكن يتيسر للطلاب في المدارس الأخرى. ويمضي سامي نادر قائلاً: إن الكلية أسّست لجنة للخطابة والنشر وانتخبت الطالب أحمد البسام رئيساً لها. ومن الأخبار الخاصة بالكلية نستطيع التعرف على بعض طلابها، منهم: أحمد البسام، عبدالله بن عبدالكريم المحمد، فهد الزيد الطبيشي، محمد بن سعد الفراج، محمد عبدالله السعد، صالح الحميد، محمد الغنيم، عبدالعزيز بن تركي، سعود الغيث، خالد اليحيا، سلمان الدريبي، محمد الثنيان، صفوق مبروك، سعد خيرالله، عبدالله الميمان، مساعد الغشيان، أحمد باز، محمد الميمان، عبدالرحمن الغنيم.
وفي خبر نشرته (أخبار الظهران) فإن الأستاذ نشأة شيخ الأرض، مدير البعثة العلمية بسوريا ولبنان زار الكلية، وفتش مرافقها. كما زارها أيضاً الأستاذ الفضل الورتلاني والشيخ سعدي ياسين. وأشار خبر آخر إلى أن الكلية السعودية نظّمت رحلة لعدد من طلابها إلى مصر للاطلاع على الحركة العلمية والعمرانية والآثار التاريخية، ثم عادوا إلى لبنان، شاكرين لرئيس الكلية الأستاذ عبدالله الملحوق ما بذله من جهد في تيسير هذه السفرة.
هذه نظرة سريعة على بعض الأعمال الجليلة التي قام ونهض بها الأستاذ عبدالله الملحوق في مجال التعليم والصحافة والطباعة والنشر. وكان صالح الحَميدي، الذي كان يعمل في مطلع الخمسينات الميلادية في بيروت قد أرسل مقالة مطولة إلى مجلة (اليمامة) عن (الأستاذ الشيخ عبدالله الملحوق، منشئ المكتب السعودي والكلية السعودية في لبنان، وصاحب جريدة الظهران التي تصدر في الدمام). غير أن المجلة لم تنشر المقالة كاملة، فحرمتنا من معلومات كتبها من هو قريب من الكلية والدار، ومن الملحوق نفسه، واكتفت (اليمامة) بالقول بودنا لو أفسحنا المجال لهذا المقال، لولا أن أعمال الملحوق تتحدث عن نفسها، وهو بها غير مجهول!. 

ذو صلة