مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

محمود حمودة

د. محمود حمودة.. ريادة الشؤون الصحية

د.عبدالكريم إبراهيم السمك: الرياض


القطاع الصحي في أي مجتمع أو دولة، هو الذي يحمل هوية ذلك المجتمع والدولة، ومن هنا جاء اهتمام الملك عبدالعزيز فيه، لكونه واحداً من أهم القطاعات المجتمعية المهمة عند الحديث عن النهضة العامة التي عرفتها المملكة على يد الملك المؤسس. وقد جاء ذلك في أولويات اهتماماته في سياسة بناء الدولة الحديثة، وذلك لاهتمامها المباشر في المواطن السعودي. وقد شاءت المقادير، في أن يكون تاريخ نشأة وولادة هذا القطاع الخدمي، على يد الدكتور محمود حمدي حمودة رحمة الله عليه، فقام برعايته وخدمته على أحسن وجه، وذلك من خلال إدارته لإدارة الصحة العامة كمدير لها، طيلة عشرين عاماً من تاريخ نشأتها، وهنا ترجمة للدكتور حمودة، حيث كانت المجلة العربية هي الوعاء الثقافي الأول بترجمتها عنه رحمه الله.

الدكتور حمودة وتاريخ النهضة الصحية السعودية
سعيت منذ زمن في التعرف على شخصية الدكتور محمود حمدي حمودة، بسبب صلتي بتاريخ بناء الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبدالعزيز. وقد ذكر اسمه في دوره المباشر في النهضة الصحية، وذلك من خلال كتب التراجم جميعها بما فيها كتاب الأعلام للزركلي، فطمست هذه الشخصية من خلال عدم تناول ذكرها من قبل أحد، وسألت عنه الكثير فلم أقف إلا على القليل من أخباره، ومنها ما أشار له أمين سعيد في مذكراته التي تم لي نشرها، فقد عرض له بعبارة مُقتضبة عن سفره إلى نجد وبرفقته المهندس خالد الحكيم، وذلك سنة 1341هـ، وعندما ذهبت المجلة العربية برسالتها الكريمة في الوقوف على علم الرجال من الذين كانوا خير عون للملك عبدالعزيز في سياسة بناء الدولة، وجال في خاطري الكتابة عن الدكتور محمود حمدي حمودة، وقد وقفت على قطوف لا تفي بالغرض، وتتبعت أخباره في جريدة أم القرى وصوت الحجاز، فوجدت فيهما ما كنت أبحث عنه، وقد وجدت فيهما العطاء الكبير في سيرة هذا الرجل، فيما يخدم النهضة الصحية في بداية نشأتها، فكان الدكتور محمود حمدي حمودة حامل حقيبة المملكة العربية السعودية خير رسول لهذه الرسالة، في المنتدى العالمي للرعاية الصحية في الدول والمجتمعات في باريس، فكانت أول مشاركة للمملكة فيه سنة 1344هـ - 1925م، وغدا حضورها فيه كل عام وبشكل دوري، مثّل فيها المملكة الدكتور حمودة حتى وفاته سنة 1361هـ - 1942م، طيلة عشرين عاماً، كأول مدير عام للصحة العامة في المملكة العربية السعودية.

قدومه إلى نجد
كان الملك قد طلب من فوزان السابق أن يعمل في اختيار من يجده مناسباً من أبناء الشام للعمل في معيته من الفنيين والأطباء، ومن هنا كانت البداية في حكاية وصول الدكتور محمود حمدي حمودة، وبمعيته المهندس خالد الحكيم سنة 1341هـ - 1922م، فكان الاثنان في طليعة من وصل إلى نجد من أبناء الشام، ثم كان بعدهم الشيخ يوسف ياسين رحم الله الجميع.

النشأة والمولد
الدكتور حمودة من أبناء حي القنوات الدمشقي، وفيه ولد لأسرةٍ دمشقية قديمة، توطنت هذا الحي، وهم في أصول أسرتهم يرجعون إلى قضيب البان الموصلي، والذي يرتبط بالنسب الحسني، فهو -أي د.حمودة- مجهول سنة المولد في كل ما وقفت عليه من المراجع، ولكن بحسب أعمار زملائه من الأطباء، والذين درسوا معه، فقد عرفت أعمارهم في سنوات مولدهم، والتي كانت بين أعوام منتصف العقد التاسع من القرن التاسع عشر للميلاد، وهذا على وجه التقدير والاستنتاج، فيكون مولده منتصف العقد التاسع من القرن التاسع عشر للميلاد، اجتهاداً من خلال استقراء سنوات دراسته الزمنية، حتى تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت، والتحق بعدها في باريس لدراسة التخصص في الطب، وعمله بمعهد الطب في دمشق مدرساً، ومشاركته لزملائه في التوصية بإنشاء كلية الطب في دمشق سنة 1919م، وبالنسبة لوفاته، فقد حملت ونشرت خبر الوفاة جريدة أم القرى في عددها المؤرخ في 15 / 9 / 1361هـ - 25 / 9 / 1948م، وبهذا يكون يوم وفاته ربما قبل يوم البلاغ بيوم أو يومين، لأنه كان في دمشق مريضاً حتى وافاه الأجل فيها.
وقد ترك خبر الوفاة عند الملك عبدالعزيز شيئاً من الأسى والتأثر عليه. وحسب ما أشار بلاغ الوفاة الذي سبق وتمت الإشارة إليه، فإن الملك عبدالعزيز تأثر كثيراً على وفاته، كما كان وقعه عظيم في سائر أوساط الدولة، وعند جميع عارفيه، لما عرفوا فيه من الفضل والبذل والأمانة والإخلاص. وبالنسبة للملك عبدالعزيز، فقد شاطر أسرته الحزن والأسى ببرقية أرسلها لهم، وفيها يبدي عطفه عليهم، مع تعازيه الحارة لهم، معرباً عن حسن رعايته لهم بعد فقدهم له بوفاته.
وهناك رواية تشير إلى أن الدكتور حمودة لدى وصوله للمملكة، كان الإمام عبدالرحمن والد الملك مريضاً طيلة ستة شهور، فتم للدكتور حمودة علاجه، فهيأ الله الشفاء له على يديه، مما أكسبه الثقة عند الملك عبدالعزيز، فكلفه بالشؤون الصحية العامة في أن يكون مديراً لها، منذ سنة 1341هـ، واستمر على رأسها حتى وفاته، وذلك حسب بلاغ أم القرى سنة (1361هـ - 1942م)، رحمه الله.

أخبار الدكتور حمودة

كلا الجريدتين كانتا المصدر الوحيد في الوقوف على أنشطة الدكتور حمودة في إدارته للشؤون الصحية، فتم له إدارتها على أحسن وجه، من تاريخ التحاقه بديوان الملك عبدالعزيز من سنة 1341هـ - 1361هـ، كمدير عام للصحة في المملكة، وهناك توافقات بين الصحيفتين على خبر واحد، وانفراد في واحدة عن أخرى، فقد احتوت أم القرى على قرابة (21) مسألة بين أمر سامٍ وخبر وتقرير، بينما احتوت صوت الحجاز على إحدى عشرة مادة، وهذا عرض مختصر عن الجريدتين:

جريدة أم القرى
- الرقم 243 إشارة لخبر سفر د.حمودة مدير الصحة من المقر العالي إلى مكة للنظر في التدابير الصحية التي يجب إعدادها قبل موسم الحج.
- الرقم 307 التقرير التالي عن الحالة الصحية، بَيّنَ فيه ما تم إنجازه في أقل من سنة على يد السلطان عبدالعزيز في مجال صحة الحجاج، مع بيان بعدد الوفيات في حج 1343هـ- والسنوات التي قبلها.
- الرقم 575 وصول د.حمودة الطبيب الخاص لجلالة الملك ومدير الصحة العام قادماً من سوريا.
- الرقم 610 صدور أمر سامٍ بالتصديق على ميزانية مديرية الصحة العامة بما فيها من إنشاء مستشفيات الإدارة تحت رئاسة الدكتور محمود حمودة.
- الرقم 632 وفيه خبر وصول مندوب الكرنتينات العامة بمصر الدكتور محمد بك صالح، ليقدم للحكومة صورة من الاتفاقات الدولية الخاصة بالكرنتينات، وسيلتقي المندوب بالملك عبدالعزيز مع الدكتور حمودة، وبعدها يتوجهان إلى جدة للكشف على الكرنتينات فيها.
- الرقم 669 مؤتمر الكرنتينات الدولي، الدكتور حمودة يسافر إلى باريس لحضور المؤتمر الدولي العام مندوباً عن حكومة الحجاز.
- الرقم 771 قدوم مدير الصحة من باريس، بعد مشاركته كمندوب عن الحجاز في مجلس الصحة الدولي.
- الرقم 881 الحكومة تنفي أن يكون ذهاب مدير الصحة العامة د.حمودة لباريس لأي غرض سياسي فيما يخص سوريا، كما تنفي سفر المهندس خالد الحكيم لإيطاليا لأغراض سياسية.
- الرقم 1042 خبر عودة كل من د.حمودة وعبدالله الدملوجي من المدينة إلى مكة بعد مرافقتهما للأمير فيصل بن عبدالعزيز هناك.
- الرقم 1115 مدير الصحة العامة د.حمودة ومدير صحة العاصمة المقدسة د.خيري بك يقومان بعلاج المرضى في العيادات بنفسيهما بأيام معينة.
- الرقم 2510 الحج والصحة، مقال عن مراكز الصحة، به صورة من الكتاب المرفوع من مدير الصحة د.حمودة إلى جلالة الملك عبدالعزيز ونظام أعمال الحج لسنة 1339هـ.
- الرقم 3241 اجتماع المكتب الصحي الدولي، انتداب حكومة جلالة الملك د.حمودة مدير الصحة والإسعاف، لحضور اجتماع المكتب الصحي الدولي الذي سيعقد في باريس.
- الرقم 3323 عودة د.حمودة إلى مكة من باريس، بعد حضور اجتماع المكتب الصحي الدولي.
- الرقم 4769 غادر الدكتور حمودة الطائف متوجهاً للرياض، لمقابلة الملك عبدالعزيز فيها.
- الرقم 4791 سفر د.حمودة إلى سوريا من جدة بعد مقابلته الملك عبدالعزيز في الرياض.
- الرقم 5372 قدم إلى جدة من باريس بعد مشاركته في جلسات المكتب الصحي الدولي الدائم.
- الرقم 5483 انتداب الحكومة السعودية كل من د.خالد أبو الوليد آل هود، والدكتور حمودة مندوبين في اجتماع المكتب الصحي الدولي بباريس.
- الرقم 6154 مدير الصحة العام يصل إلى العاصمة قادماً من جدة، مدير الصحة العام د.حمودة. ثم غادرها إلى الطائف.
- الرقم 6203 د.حمودة من مكة إلى الطائف.
- الرقم 6229 مدير الصحة العام قدم إلى الطائف من الرياض.
- الرقم 6430 وفاة الدكتور محمود حمدي حمودة مدير الصحة العام.
كما سبقت الإشارة فإن جريدة صوت الحجاز، احتوت بين دفتيها، إحدى عشرة مادة خبرية عن الدكتور حمودة مدير الصحة العامة في المملكة، وقد استبعدت ما ورد في جريدة صوت الحجاز، فيما اتفقت مادته مع جريدة أم القرى، مكتفياً منها بما لم تأت فيه أم القرى، وقد جاءت على الشكل التالي:
- الرقم 171 عرض مدير الصحة العامة والإسعاف محمود بك حمدي بمنزله بالطائف لوفود مستقبلي سمو الأمير فيصل، فكرة بناء مستشفى بجدة، وتبرعوا بمبالغ مختلفة.
- الرقم 457 صيانة مستشفى جدة وتعميره، استمرار أعمال الصيانة والتعمير في مستشفى جدة بتبرعات الخير، وتحت إشراف مدير الصحة العام د.محمود حمدي بك.

وفي الختام
فإن هذه الترجمة الكريمة لشخصية الدكتور محمود حمدي حمودة، والتي طمست في ثنايا الذاكرة التاريخية، وكان الأولى بالزركلي أن يترجم له، فقد عاصره وعاش زمنه. ومن خلال استعراض أعماله كما جاءت في أم القرى وصوت الحجاز؛ فقد كان يستحق الترجمة عند الزركلي في كتابه الأعلام، وها هي المجلة العربية من خلال رسالتها، في باب تناول دراسة تراجم طبقة الأوائل من الرجال الذين ساروا في ركب الملك عبدالعزيز، ونهضوا في البلاد؛ تُقدمهم لجيل الخلف في هذه الدراسات، عن الصورة التي عاشوها بمعية الملك المؤسس عبدالعزيز، ونهضوا في بناء الدولة، إذا ما علمنا أن الزمن الذي عاشوه كان يشكو المرارة، وصبروا على تبعات مؤلمة نتجت عن الانهيارات المالية والحرب العالمية الثانية، فأصابت دول العالم، والمملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول التي تأثرت بواقع النتائج التي نزلت في دول العالم، ففي ظل هذا الواقع المؤلم الذي عاشته المملكة، كان مدير الشؤون الصحية الدكتور محمود حمدي حمودة، واحداً من جنود الملك عبدالعزيز في بناء الدولة السعودية رحمه الله. وأتمنى أن تكون هذه الدراسة قد وفّت الغرض في شخصية المترجم له في التعريف فيه، من باب رد الجميل والوفاء له، على خدماته الكريمة لهذه البلاد.

ذو صلة