مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

عبدالعزيز خوجة

عبدالعزيز خوجة..  تفاعلات التجربة
محمد علي فرحات: لبنان

 


في سيرة الدكتور عبدالعزيز خوجة، المواطن والأكاديمي والدبلوماسي والوزير، تتبدى معالم الشخص في نشأته وانفتاحه على مجتمعه السعودي ومجتمعات العالم، وعلامات حضوره ممثلاً للإدارة السعودية وسياساتها وقيمها في غير عاصمة عربية وعالمية، حيث رسم صورة وطنه وتأثيره المتنامي وفق نهج القيادة السعودية القائم على التفاعل مع الآخر المؤتلف والمختلف، ملتزماً قواعد الوسطية والسلام، وهنا يتقدم خوجة، بصفته الشخصية والدبلوماسية، كصوت لقيادة بلاده، يقف عند رأيها في المراحل الحرجة والصعبة ليتجاوز العقبات أو يذللها، معبراً عن توسع الحضور السعودي في القضايا الإقليمية والدولية وتركيزه على المواجهة الإيجابية للمشكلات والقضايا الشائكة. ويتجلى ذلك، مثلاً لا حصراً، في انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي واهتزاز التوازن العالمي، والأزمة اللبنانية المستمرة بما تضم من ملابسات محلية وإقليمية ودولية.
وفي كتابه (التجربة) الذي سعدت بالاطلاع عليه قبل نشره، لا يهمل مسرى الطفولة في مكة المكرمة وطبيعة مساكن عائلاتها، لكنه لا يتعرض للجانب الشعري من شخصيته وتجربة حياته، فكأنه بذلك يعد القراء بكتاب خاص عن تلك التجربة الإبداعية التي تشكل جانباً أساسياً من شخصيته.

قاعدة السيرة
قاعدة السيرة هي الطفولة والنشأة في كنف العائلة والمجتمع الأول ومراحل التعليم التي تكتمل فيها مواصفات الشخصية. ويتجلى ذلك لدى عبدالعزيز خوجة في بيته الأبوي في مكة، حيث الأب والأم والإخوة والأخوات، وحيث يكبر البيت ليشمل بيت الجد والجدة من آل قزاز. وتتوسع الدائرة إلى المجتمع الأهلي نفسه حيث تتفاعل العائلات وفق القيم التقليدية، فيشعر كل شخص أن عيون الرعاية مفتوحة عليه وتحتضنه على قواعد الخير والفضيلة.
ومكة هي المدينة العريقة بأهلها، بيوتهم ومدارسهم ومحالهم التجارية ووسائل مواصلاتهم وسهراتهم وتفاعلهم داخل أجواء المدينة ومع العالم الذي يحضر في الراديو والجريدة والمجلة والكتاب. ومكة هي أيضاً حرمها الشريف مقصد الحجاج والمعتمرين الذي يقدم لأهل المدينة صورة عن الإسلام والمسلمين بثقافاتهم المتنوعة.
الأب تاجر معروف يثق به الناس فيكسب رزقه ورزق عياله من هذه الثقة الغالية، والأم سيدة بيت ورثت عن أهلها الإيمان والإخلاص لقيم العائلة، والأبناء يساعدون الأم في كونهم أيديها التي توصلها إلى قضاء الحاجات خارج البيت، والبنات يساعدن الأم في تدبير المنزل وإعداد الطعام. لكن العائلة تتطور بتطور مجتمعها، إذ يقبل الجيل الجديد على التعليم في مدارس تتجاوز المعرفة التقليدية إلى تلك الحديثة المتصلة بمعارف العالم القريب والبعيد. هنا تتفتح شخصية كاتب السيرة مبكراً حين يراسل راديو لندن- هيئة الإذاعة البريطانية، ويسمع الأهل صوت المذيع بصوته العميق معلناً عن وصول رسالة من (الصديق العزيز عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة من مكة المكرمة)، ويكون مضمونها جواباً على سؤال في مسابقة أو محاولة شعرية، والمهم هنا هو ذكر الاسم واسم الأب والعائلة من (أهم منبر إذاعي في العالم).

تربية منزلية ومدرسية وثقافية
 يعتبر خوجة نفسه محظوظاً حين يجالس أصدقاء أخيه الأكبر زياد، وبينهم محمد عمر العامودي وعبدالوهاب عطار، وأدباء معروفون مثل حمزة شحاتة وعبدالله عبدالجبار ومحمد حسين زيدان.
لكن النقلة الثقافية تجلت في قرار الأهل بأن يدرس على نفقتهم الخاصة في القاهرة، حيث تسجّل في كلية العلوم- تخصص كيمياء وسكن مع شقيقه وابن عمه اللذين يدرسان هناك. طالب الكيمياء جذبته القاهرة بحراكها الثقافي والفني والسياسي، هو الذي يمتلئ وجدانه بها منذ نشأته في مكة. مرّ العام الدراسي بسرعة وكانت نتيجة الامتحان مخيبة، إذ رسب في كل المواد، وكان أمامه أن يستعيد ثقته بنفسه وثقة الأهل به، هو الذي كان من الأوائل في المرحلة الثانوية فصار من الأواخر في بدء دراسته الجامعية. ووجد الحل في أن يترك القاهرة وينتمي إلى جامعة الرياض التي أنشئت حديثاً وتضم كلية علوم متقدمة التجهيز قليلة الطلاب. هنا عاود تفوقه فتخرج من الجامعة وعمل معيداً في كلية التربية، وعقد قرانه على فايزة بنت صالح بكر نسيبة والدته، وقد تزوجا وسافرا معاً إلى بريطانيا في بعثة حصل عليها لمتابعة تخصصه في الكيمياء في جامعة برمنغهام.

المرحلة البريطانية
واجه كاتب السيرة تحديات عدة في بريطانيا، من تطوير لغته الإنجليزية، إلى تفهمه اللهجات المحلية لدى الأساتذة، إلى استيعاب آليات العيش والدراسة، إلى المواءمة بين متطلبات الدراسة العلمية والانفتاح على المجتمع البريطاني وما أمكن من ثقافة هذا المجتمع. وقد تجاوز الصعوبات بمعونة زوجته وتفهّم رئيس القسم البروفسور باركر، فأنهى الماجستير في عام ونصف العام وبدأ مشروع دراسة الدكتوراه وموضوعها العقم عند المرأة، فاستطاع تقديم حلول في هذا المجال أعجبت الأستاذ المشرف غراي ورئيس القسم باركر، وقد طلبا منه أن ينسى أنه عمل في هذا البحث ووعداه بالتعويض عليه أكاديمياً فأذعن لهما، يقول: (بعد أيام قرأت في الصحف أخباراً عن الاكتشاف الذي حققته منسوباً إليهما ومن دون أي إشارة إلى اسمي). ثم فكر في مشروع آخر للدكتوراه يتعلق بالأنزيمات وتفاعلاتها توصل فيه إلى إعادة استخدام الأنزيم مراراً وتكراراً مما يعني وفراً كبيراً في مثل هذه العمليات. وقد تم تسجيل هذا الاكتشاف باسمه وحصل من الجامعة على منحة 160 جنيهاً ومن الشركة التي اعتمدته على مكافأة مالية. وقد عاد إلى الوطن حاملاً شهادة الدكتوراه فعين أستاذاً في كلية التربية بمكة المكرمة، وبعد سنة أصبح عميداً للكلية، وبقي في الكلية من سنة 1970 إلى سنة 1976، ثم انتقل إلى الرياض ليشغل منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية، في عهد الوزير محمد عبده يماني.
وها هو في عالم الإعلام القائم على التغيرات السريعة والذي يخلو من البراءة بعدما كان يعيش في أجواء الأكاديمية القائمة على الجدية والوضوح ومعهما الكثير من البراءة.
أتاح له منصبه الجديد الاتصال بالقيادات العليا وصولاً إلى الملك فهد الذي كان يتابع كل صغيرة وكبيرة في الإذاعة والتلفزيون والصحف، وكذلك الأمير (الملك) سلمان الذي كان يناقشه كل صباح في المقالات الصادرة. ومضت عليه ثماني سنوات في هذا المنصب وكان يمثل وزارة الإعلام في هيئات إعلامية خليجية وإسلامية (وكالة الأنباء التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي)، وحين كان في رحلة عمل إلى لندن التقاه الناشران هشام ومحمد علي حافظ وعرضا فكرة إصدار (الشرق الأوسط) كصحيفة عربية دولية، فتحمس للفكرة وهيأ لهما لقاء مع الملك فهد الذي اعتمدها، وبعد ذلك شكلت رعاية واهتمام الأمير (الملك) سلمان بالشركة السعودية التي تصدر (الشرق الأوسط) نقلة إيجابية في تلك المؤسسة الصحافية العربية الدولية.

مرحلة السفارات
انتقل إلى التعليم الجامعي حاملاً لقب الأستاذية. فشعر بالارتياح في منصبه الأخير هذا، لكن المرحلة لم تطل، إذ كلفه الملك فهد أن يتولى سفارة المملكة في تركيا. ها هو في مجال جديد لم يختبره من قبل، لكن الرعاية الملكية ودعم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل زادا من شجاعته وثقته بأنه سيكون محل ثقتهما في منصبه الجديد. يقول: (في عالم الدبلوماسية تعلمت تبادل الرسائل غير المباشرة، وأن كل كلمة يقولها السفير محسوبة عليه، ويفهم منها أنها معبرة عن بلده، وتحمل رسالة من المسؤولين في بلده سواء صدرت في لقاء رسمي أو خاص، في مناسبة عامة أو اجتماعية، فالسفير يجب أن يكون حريصاً حرصاً شديداً على كل ما يبدر عنه ومنه).
وفق هذا الوعي لمهمة السفير بدأ تمثيل بلده في تركيا متسلحاً بثقة القيادة وثقته بنفسه والمخزون الثقافي الذي يحمله لتركيا وتراثها ومجتمعها. وقد تطورت علاقته بشكل خاص مع رئيس الوزراء توركوت أوزال، وهو سياسي ليبرالي ما لبث أن انتخب رئيساً للجمهورية. وساعد على العلاقة أن أوزال ذو ميول إسلامية لم تمنعه بل شجعته على تحديث وتطوير الاقتصاد وتحريره، وقد اعتبره صاحب السيرة المؤسس الثاني لتركيا بعد المؤسس الأول مصطفى كمال أتاتورك.
في تلك الفترة الحرجة التي شهدت أوج الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها على المحيط الإقليمي، عمل السفير خوجة بدعم من القيادة في الرياض على تحسين العلاقات السعودية التركية سياسياً واقتصادياً، وجاءت زيارة الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، إلى أنقرة لتعزز العلاقات الأمنية، وتبعتها زيارة وزير المالية الشيخ محمد أبا الخيل. وتوّجت العلاقات بزيارة أوزال إلى الرياض حيث استقبله الملك فهد. لكن مرحلة سفارة تركيا لم تخل من مفاجآت سيئة؛ إذ تعرض دبلوماسيون سعوديون إلى عمليات تفجير واغتيال وكانت التهمة موجهة مبدئياً إلى إيران.
وقد نجحت السفارة في دعم الاتجاه المؤيد لتسهيل تركيا عمل التحالف لتحرير الكويت من الغزو العراقي بعدما كان ذلك الاتجاه ضعيفاً، وتم تنسيق ذلك بين السفير والرئيس أوزال. هنا تتداخل العلاقتان الشخصية والسياسية فتسهلان مصالح البلدين في إقليم يعاني العداوات بين مسؤولي دوله لأسباب مهمة أو واهية. ولا بد في الحديث عن السفارة في تركيا الإشارة إلى المدرسة العربية التي أنشأتها السفارة وسدّت ثغرة للجالية العربية، خصوصاً السعودية، في تلك البلاد.

موسكو والرباط
بعد تحرير الكويت عقدت منظمة المؤتمر الإسلامي اجتماعاً في إسطنبول عام 1991 حضره الأمير سعود الفيصل، وأثناء الاجتماع قال الأمير لخوجة: إن الملك فهد يريدك أن تكون سفيراً لنا في الاتحاد السوفيتي، وإن تفاصيل النقل ستأتيك لاحقاً. وأثناء زيارته لوداع تورغوت أوزال قال له الرئيس التركي: سأفتقدك كثيراً، لكن، أرجو أن تلحق الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار. وفي موسكو بدأ الاستعداد لتقديم أوراق اعتماده فلم يتحقق له ذلك إذ تعرض الرئيس غورباتشوف للاختطاف في منطقة القرم بأيدي جنرالات سوفيت، لكن رئيس روسيا الاتحادية بوريس يلتسين أجبرهم على الإفراج عنه. وكان ذلك الحدث علامة على انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ أعلن يلتسين انفصال روسيا عن الاتحاد، ونتج عن ذلك انفصال سائر الجمهوريات السوفيتية وإعلان معظمها الاستقلال، فأصبح غورباتشوف مجرد مواطن عادي. وقد عاد خوجة إلى الرياض ليستبدل أوراق اعتماده ويتقدم إلى رئيس الاتحاد الروسي هذه المرة. وفي موسكو وافق يلتسين على بيع أحد قصور الضيافة ليصبح بيتاً للسفير السعودي. كما تم شراء مبنى آخر ليكون مقراً للسفارة والقنصلية.
وعمل خوجة على تأسيس مدرسة عربية كبرى ضمت نحو 450 طالباً وطالبة مع دورة مسائية انتسب إليها روسيون وروسيات يرغبون في تعلم العربية. وبعد التأسيس والاستقرار تفاعلت السفارة مع متغيرات المجتمع الروسي فبنت السعودية في موسكو مسجداً كبيراً على أنقاض مسجد قديم كان ستالين حوله إلى إسطبل للخيل، وألحق به مبنى تقدم فيه دروس في الدين الإسلامي واللغة العربية.
وقد عمل خوجة على إقناع قادة المسلمين بالبقاء في الاتحاد الروسي، ومن هؤلاء رئيس الشيشان جوهر دودايف الذي تمرد على موسكو فهزم، ومنهم رئيس تتارستان الذي لم يتمرد، وبذلك انصرف المسلمون الروس إلى التنمية والحضور السياسي في مؤسسات الاتحاد الروسي الجامعة. وبالإجمال كانت العلاقات السعودية الروسية تسير قدماً لمصلحة البلدين، فكل منهما يحرص على أخذ رأي الآخر في الشؤون التي تهمهما معاً كدولتين رئيسيتين في محيطهما وفي العالم.
وفي نهاية العام 1995 تم نقل خوجة إلى المغرب ليتولى السفارة في بلد عُرف بعلاقاته العميقة مع السعودية، خصوصاً أن علاقة ملك المغرب اتسمت بالحميمية مع الملك فهد وولي عهده الأمير (الملك) عبدالله والأمير سلطان، كما تعددت زيارات الأمير (الملك) سلمان لطنجة حيث له قصر هناك. هذه العلاقات ساعدت السفير في مهماته وفتحت أمامه أبواب القصر الملكي ووزارة الخارجية وسائر الوزارات. ويذكر السفير حواراته مع رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي حول فضل النظام الملكي في حفظ الاستقرار وتطوير المجتمع، كما يذكر جهود السفارة في توضيح موقف السعودية من الإرهاب بعد جريمة 11 سبتمبر والقبض على خلايا إرهابية في غير بلد، وفي المغرب بالذات، فقد ضرب الإرهاب السعودية نفسها لكنها أكدت مناهضتها له وحربها عليه، وكونها مرجعية الإسلام الصحيح وحاميته من غلو المتطرفين.
وقد نظم السفير لقاء بين الأمير سعود الفيصل والمفكر محمد عابد الجابري بناء على طلب الأمير، وفوجئ خوجة باطلاع الأمير سعود الدقيق على مشروع الجابري (نقد العقل العربي) ومتابعته لردّ جورج طرابيشي عليه، حتى قال الجابري: الأمير سعود الفيصل مثقف فريد من نوعه.

سفارة لبنان
بعد ما يزيد على سبع سنوات في المغرب، قررت القيادة بمشورة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل انتقال خوجة إلى لبنان، وتقدم السفير بأوراق اعتماده إلى الرئيس إميل لحود في مرحلة صعبة تميزت بنهوض (حزب الله) كجماعة مسلحة باعتراف ضمني من الدولة بعد إنهاء الحرب الأهلية ونزع سلاح الميليشيات. وكان أبرز زعماء لبنان آنذاك الرئيس رفيق الحريري والوزير وليد جنبلاط والرئيسان أمين الجميل وعمر كرامي ورئيس البرلمان نبيه بري. وقد انفتح السفير على ألوان الطيف اللبناني بلا استثناء ممثلاً بذلك سياسة القيادة في الرياض التي رأت في الحضور السعودي خدمة للبنانيين كافة. وكانت العلاقة ممتازة بين نصر الله والرئيس لحود، فيما كان الأمين العام لـ(حزب الله) يضمر خلافاً مع الرئيس رفيق الحريري، وهو يظهره في الوقت المناسب وبناء لإيعاز من حليفيه النظامين السوري والإيراني.
في تلك المرحلة العصيبة اهتز لبنان تباعاً بحادثين كبيرين، اغتيال رفيق الحريري والعدوان الإسرائيلي (2006)، وبرز (حزب الله) في الحادثين كفاعل أساسي ويد إيرانية ممتدة نحو البحر الأبيض المتوسط. كانت المعلومات الغربية والشرقية تتقاطع حول مخطط لاغتيال الحريري الذي تم في 14 شباط (فبراير) 2005 -وهو بالمناسبة عيد الحب العالمي- وذلك عند مدخل فندق سان جورج بسيارة مفخخة كبيرة وضع فيها طن من المتفجرات. كان خوجة آنذاك يغادر السفارة في الطريق إلى طبيبه الخاص في حي الحمراء، فسمع صوت انفجار كبير جداً لذلك اقترح الحارس الشخصي العودة وإلغاء الموعد.
والحال أن الاغتيال لا يزال يلقي بثقله على لبنان، لكونه إعلاناً بتمدد (حزب الله) إلى المجتمع والدولة، وانقطاع الكثير من صلات لبنان العربية والدولية بحكم تحرك النظام الإيراني في اليمن والمشرق العربي. ويفرّق خوجة بين الحركتين الشيعيتين (أمل) و(حزب الله)، ويرى أن الأولى أقرب إلى المصلحة اللبنانية العليا ودليله إلى ذلك مواقف رئيسها نبيه بري المعتدلة وابتعادها عن أيديولوجية ولاية الفقيه التي يعتنقها (حزب الله).
في فترة تولي خوجة السفارة تم إنشاء مبنى للسفارة وبيت للسفير يناسبان الوضع الأمني الدقيق. وهو يشير إلى انقسام القوى السياسية بين مؤيدة لسورية (8 آذار) وداعية لانسحابها من لبنان (14 آذار)، مركزاً على الدور السعودي البنّاء والايجابي.
كان السفير حاضراً لدى القوى السياسية، خصوصاً الفريق السيادي، ولم يقطع الصلة بالفريق الآخر، فبعد الهجوم الإسرائيلي في تموز (يوليو) 2006 وقبله استمرت لقاءاته بالأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله، ولم تنقطع إلا بعدما أكد نصر الله تبعيته التامة لإيران.
وتسببت حرب تموز بدمار كبير في لبنان، وتنادى العالم لمساعدته، وكانت للسعودية اليد الطولى في ذلك، لكن الإعلام الموالي لإيران وسورية والذي تمول معظمه قطر، أعطى للدوحة الصدارة في المساعدات، لكن السفير خوجة استطاع توضيح الأمور أمام الرأي العام، على رغم انشغاله بتأمين سلامة السعوديين وسائر الخليجيين الذين فوجئوا بالعدوان وهم يصطافون في لبنان. يقول مرة ثانية عن (حزب الله): للقاء نصرالله كنت أركب في سيارة مظللة بالكامل. تذهب السيارة إلى كراج تحت بناية في الضاحية الجنوبية، وهناك أغيّر السيارة، ثم نتجه إلى كراج بناية ثانية، وأغيّر السيارة مجدداً، وأتجه إلى البناية موقع الموعد، أنزل في كراجها تحت الأرض ثم أستقل المصعد إلى الدور الذي سألتقي فيه نصرالله. ويضيف السفير: كنا وحلفاؤنا اللبنانيون نظنّ أن (حزب الله) ليس إيرانياً تماماً. وبعد حرب تموز بالذات اكتشفنا أنه ليس حليفاً لإيران في لبنان بل هو إيران نفسها، وربما كان أسوأ ما في إيران.

وزارة الثقافة والإعلام
في 14 شباط 2009 عُيّن عبدالعزيز خوجة وزيراً للثقافة والإعلام، فاعتبر ذلك التعيين تغييراً جذرياً في مسار حياته، وشعر بارتياح لردود الفعل الإيجابية في الوسط الثقافي والإعلامي، وبأنه يعود إلى بيته الذي غادره عندما كان وكيلاً للوزارة، وقد استجاب لاقتراح صديقه أحمد عدنان بإطلاق صفحات تفاعلية في مواقع التواصل الاجتماعي حيث بواسطة فيسبوك وتويتر يحضر في أوساط الشباب ويتفاعل مع آرائهم ومطالبهم. (والمنافسة صعبة مع تسونامي الإعلام الجديد وتدفق المعلومات بشكل هائل وسريع، فقد أصبح في إمكان أي مواطن أن يمتلك أداته الإعلامية بل أن يكون وزير إعلام نفسه، خصوصاً بعد تراجع الإعلام التقليدي) كما يقول الوزير.
واستناداً إلى رسالة المملكة كمقر للحرمين الشريفين، عمل الوزير على إنشاء قناة للقرآن الكريم تبث من مكة المكرمة والمسجد الحرام على مدار الساعة.
وبالنسبة إلى المسجد النبوي فقد خصصت قناة لنقل الصلوات فيه على مدار الساعة مع إذاعة الأحاديث الشريفة من الصحاح المتفق عليها، وقد وصل بث القناتين ويصل إلى المشاهدين في أنحاء العالم.
وتم تخصيص فناة للثقافة، كما خصصت للرياضة ست قنوات. ونجح السعي في استصدار قرار من مجلس الوزراء بنظام خاص لهيئة الإذاعة والتلفزيون تمّ تأييده بمرسوم ملكي. والأمر نفسه تكرر بالنسبة إلى (وكالة الأنباء السعودية)، كما تمت العناية بالصحف وإقالة عثراتها وتنظيم صدورها. وأعطي الصحافيون الحق في الحماية أثناء إبداء رأيهم، وأي موضوع تتم الشكوى عليه تحال قضيته إلى الوزارة التي شكلت لذلك ثلاث لجان ولجنة استئناف عليا للصحافة والمطبوعات والنشر الإلكتروني، يتولاها قضاة شرعيون وقانونيون.
وحين اعترض عدد من الوزراء على النقد الشديد الذي يوجّه إليهم من الإعلام، اقترح الوزير أن تعيّن كل وزارة متحدثاً باسمها يرجع إليه الصحافيون في الحصول على المعلومات والأجوبة على الاستفسارات.
وبسبب موقفه من بعض القنوات الخليجية، قامت ضجّة على الوزير أدّت إلى إعفائه من مهامه. يقول: حين صدر القرار أبلغني بذلك نائب رئيس الديوان خالد العيسى قبيل اجتماع مجلس أمناء مكتبة الملك فهد. ويواصل: (حضرت الاجتماع الذي ترأسه ولي العهد الأمير (الملك) سلمان ولم أتحدّث في الموضوع، وكان الأمير محمد بصفته وزير دولة مشاركاً في الاجتماع، وبعد الانتهاء من جدول الأعمال قال لي الأمير أمام الجميع: (مكانك يا دكتور في قلوبنا مهما ابتعدت). ولن أنسى هذه اللفتة).
***
في كتاب (التجربة.. تفاعلات الثقافة والسياسة والإعلام) يحاول المؤلف أن يحدّ من سيولة قلمه في التعبير الوجداني والكلام عن الثقافة، لكن ذلك يبقى واضحاً في المقاطع المتعلقة بالعائلة الكبيرة (الأب والأم والإخوة والأخوات) والعائلة الصغيرة (الزوجة والأبناء)، كما يبقى واضحاً كلامه عن الإبداعات الثقافية والمبدعين، خصوصاً في البلاد التي كان فيها سفيراً، هذا فضلاً عن ملامح نشاط ثقافي محدود في بعض سفاراته، خصوصاً في المغرب.
و(التجربة) شهادة على جيل ساهم في بناء السعودية الحديثة، وأكد الولاء لنظامها الملكي الذي يحفظ استقرارها، ويرعى نموها وتطورها، هكذا يجمع المؤلف بين التقليد والحداثة ويضعهما على سطح واحد وبلا تناقض.

ذو صلة