حمد السليمان.. وكيل المالية الأول
د. عبدالكريم السمك: الرياض
الولادة والنشأة
تُعد بلدة الخبراء بمنطقة القصيم هي موطن أسرة السليمان الحمدان، وماتزال، وقد انتقل بعضهم إلى عنيزة، حيث سكنها الشيخ عبدالله السليمان الحمدان.
وفي مدينة الخبراء بالقصيم، ولد حمد السليمان الحمدان، وذلك عام ( 1310هـ/ 1892م)، وفي نشأته التحق بنظام التعليم الذي كان يسود نجد، وهو تعليم الكُتاب، وحصل على شيء من العلوم الشرعية وعلوم الحساب، وكان والده سليمان العقيل الحمدان يعمل هو وإخوانه في الزراعة والتجارة مع البدو في الخبراء، فيما كان أخوه عبدالله -الوزير- قد قصد الهند للعمل فيها في مكاتب التجار النجديين في بومباي، حيث كان هناك مكتب لـ(عبدالله الفوزان) ومكتب (آل الفضل) و(آل زينل) من جدة، وكان عُمر عبدالله السليمان 15 عاماً، وقد عمل في مكتب الفوزان، الذي رحب فيه وفتح له باب أخذ الخبرة في التجارة، وخلال عمله مع الفوزان، وصله خبر وفاة والده ووالدته في وقت واحد، فتأثر كثيراً وأصابه القلق على أخيه حمد وشقيقته، فطلب عبدالله من أبناء عمه إرسال حمد له إلى الهند، أما شقيقته فقد تكفل فيها أبناء عمومته، وبوصول حمد للهند أرسله للدراسة في المدارس المتوفرة هناك، ومع مرور السنوات أراد عبدالله أن يستقل بنشاط تجاري خاص فيه مع عمله عند الفوزان، فأرسل أخاه حمد إلى البحرين، وهناك فتح له مكتباً للتجارة مع نجد والأحساء، فكان عبدالله يُرسل إليه البضائع من الهند وهو يسوقها إلى الأحساء وغيرها من المناطق.
وعلى واقع مرض أخيه محمد، وعجزه عن القيام بالمهام الملقاة على عاتقه من قبل الملك عبدالعزيز، بعد أن أصيب في معركة تربة، فضعف سمعه، فكان يعاني الكثير في الاستماع لما يمليه الملك عليه، فاضطر الملك إلى استبداله بآخر يكون بأخلاقه ونباهته ليكون أهلاً لثقته فيه، كما كان محمد السليمان، وطلب الملك أن يرشح له البديل عنه، فذكر له عبدالله.
وفي الوقت الذي كان عبدالله مهموماً بديون مكتبه في البحرين، جاءه رسول الملك يطلبه المثول بين يديه، فنزل عبدالله على الطلب وقصد الرياض حيث الملك عبدالعزيز، وفي لقائه بالملك قال له الملك، هذا هو أخوك محمد كان محل ثقتنا، وكان يقوم بعمله خير قيام، ولهذا اخترناك مكانه، فاعتذر للملك بأن عليه ديوناً في البحرين يجب عليه سدادها، فرفض الملك اعتذاره، فطلب إمهاله أسبوعين حتى يجد سبيلاً لتسوية ديونه مع التجار، وعاد عبدالله لديوان الملك مفيداً إياه بحال الدين، فأغدق عليه الملك من عطائه، فقد أناط الملك بوكيله في البحرين عبدالعزيز القصيبي بسداد ما عليه من دين، وفي هذه الأثناء كان عبدالله قد طلب من الملك أن يكون أخوه حمد مساعداً له في عمله، وتم له ذلك، وحين تم تحويل وكالة المالية إلى وزارة، وتعيين عبدالله وزيراً لها، بموجب الأمر الملكي برقم381 وتاريخ (11 / 1 / 1351هـ)، فقد أصبح حمد وكيلاً للمالية ولأخيه.
وقد تدرج في العمل في وزارة المالية كوكيل للوزارة من عام نشأتها، وفي عام (1371هـ / 1951م)، أصبح حمد نائباً للوزير، ثم تم تكريمه في عهد الملك عبدالعزيز بترفيعه إلى وزير دولة، وابنه سليمان بن حمد إلى وكيل وزارة. وقد اتصف -يرحمه الله- بالصلاح والتدين مع سمو في الأخلاق والأمانة وإخلاصه للملك عبدالعزيز، كما كان مواسياً لمن يحتاج المساعدة من أصحاب الحاجة، عاطفاً على الفقراء. ومن مآثره الكريمة، أنه بنى مدرسة على نفقته الخاصة في الشرائع بكامل تجهيزاتها، ثم تم تسليمها لإدارة المعارف.
الشيخ حمد السليمان وعن يساره الوزير المفوض في مصر فوزان السابق الفوزان، وعن يسار الشيخ فوزان طلعت حرب وزير المالية المصري (1355هـ / 1936م)
الملك عبدالعزيز وبناء النظام المالي للدولة
وعن بناء إدارات ومؤسسات مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، تناول أمين سعيد في مجلته الشرق الأدنى الصادرة في مصر، والتي اهتمت بأخبار المملكة، فتكلمت عن النهضة التنظيمية في المملكة، وجاءت في عشر حلقات، تحت عنوان (كيف يُحكم الحجاز)، وقد حملت كل حلقة من الحلقات، إدارة من الإدارات، مثل التعليم والقضاء والأمن والجمارك وغير ذلك، وقد خصت المجلة حديثها عن الإدارة المالية في المملكة، في الحلقة الرابعة، وكانت هذه الحلقة معنية بنظام الواردات للنظام المالي للدولة، وفي العدد (17) من المجلة المذكورة، حلقة خاصة وذات أهمية في السياسة المالية للمملكة، فكانت معنية بنظام النقد الحجازي النجدي، والمادة هذه تجسد نجاح سياسة الملك في صناعة عملة نقدية معدنية، عبر دار الصناعة في مكة المكرمة، فقد منعت الدولة التداول بالعملة العثمانية وغيرها من العملات، ووضعت العملة الوطنية موضع التطبيق، وفي هذا الإجراء استطاع الملك إنقاذ الحجاز من مرض طالما اشتكى منه الحجازيون، ذلك هو موضوع المضاربات المالية بين التجار، فكان هذا الأمر يرفع أناساً ويسقط آخرين، تبعاً لهوى المضاربين، وكانت الدولة قد وقفت على هذه القضية المؤلمة، فتم القضاء على هذه المضاربات من خلال نظام أقره ولاة الأمر، وجاء في (21) بنداً أو مادة، وكلها معنية بالنظام النقدي، بعد أن دخل الريال العربي في التداول بين الناس.
وجاءت النقود الوطنية هذه على ثلاث قطع نقدية (ريال - نصف ريال - ربع ريال)، وهي مصنوعة من الفضة، وعليها كتابات عربية، كما جاء في المادة الخامسة من النظام، وصورة الكتابة على النقود تغني عن كتابة ما عليها، كما جاء في المادة السابعة، أن النقود الفضية الأجنبية (عثمانية أو فرنسية أو ماريا تريزا)، التي تجلب للبلاد، تتقاضى الحكومة عليها رسوماً جمركية، وجاء في المادة الثامنة، أن دوائر الحكومة تقبل العملة الفضية العربية، بأسعارها المعروفة الموضحة في المادة الرابعة، وفيها تستبدل العملة الذهبية أخذاً وعطاء من دون تردد، وقالت المادة العاشرة، إن على مدير المالية العامة، اتخاذ التدابير اللازمة لفتح شعب خاصة في مكاتب إدارات المالية، لإجراء عمليات تبديل النقود الفضية بالنيكل والذهب وبالعكس للطالبين.
وهكذا استطاعت مديرية المالية النجدية الحجازية، حماية اقتصادها الوطني باعتماد عملة وطنية، لتغلق الباب أمام العملات الأجنبية، فيما يخدم السياسة المالية السعودية، وبهذا حظي مدير الإدارة المالية عبدالله السليمان، وأخوه حمد مساعده، على ثقة الملك عبدالعزيز في نجاحات المديرية المالية.
وزارة المالية في تاريخ نشأتها
مع تحويل مديرية المالية إلى وكالة المالية سنة (1347هـ)، منح الملك عبدالعزيز الوكالة جميع الصلاحيات، التي تمكنها من النهوض فيها كإدارة مالية تماثل الدول المتقدمة، فكانت هناك لجنة عرفت بـ(لجنة الميزانية)، خصوصاً بعد ازدياد نظام الواردات، التي ارتبطت بواردات المعادن والنفط، وبعد الكارثة الأممية التي عمت جميع دول العالم، بعد انهيار (وول ستريت) سنة (1929م)، حيث شهد العالم كساداً عظيماً شل معظم اقتصادياته ومنها المملكة، ولا يغيب عنا أن زيارة نائب الملك على الحجاز الأمير فيصل لعشر دول أوروبية بما فيها روسيا سنة (1932م)، إنما كانت سبب دفع هذه الدول للاستثمار في المملكة في قضايا المعادن والنفط.
فعلى حال هذا الواقع، طلب وكيل المالية الشيخ عبدالله السليمان من الملك عبدالعزيز، أن يستقدم محاسبين أمريكيين من أهل الاختصاص في تطوير الوكالة والارتقاء فيها، فوافق له الملك وتم وضع سياسة جديدة للوكالة، الأمر الذي بوأها كي تصبح وزارة، فصدر الأمر الملكي برقم 381 في 11 / 4 / 1351هـ بتحويل الوكالة إلى وزارة، وقد تم تعيين عبدالله السليمان وزيراً لها وأخيه حمد وكيلاً له، وصدر نظام الوزارة في (20 / 4 / 1351هـ)، لتقوم على أربع شعب تلحق بها، كما يتبع الوزارة 13 فرعاً، كما نصت المادة الثامنة من النظام المالي، وهذه الفروع موزعة على مدن المملكة، وكلها تدار تحت الإدارة المركزية، كما تم إلحاق مكتب المعاون بالوزارة كذلك، وهكذا قُدر لوزارة المالية في ظل إدارة الشيخ عبدالله السليمان، وبمعية أخيه وكيله الشيخ حمد تحقيق النجاح في الجانب الإداري المالي للمملكة، ولم يكن الملك عبدالعزيز بعيداً عن هذا النجاح، ومن باب تقدير ورفعة مكانة الشيخ عبدالله السليمان، قوله له: (أنت عصبة رأسي).
ومع توسع الأعمال وثقلها على وزارة المالية، فقد انفصلت عن الوزارة عدة دوائر كانت ترعاها الوزارة، لتصبح فيما بعد وزارات، وذلك في عهد الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- وذلك لثقل الحمل على وزارة المالية، مع سياسة النهضة التي عرفتها المملكة، بعد زيادة واردات النفط.
حمد السليمان في جلائل أعماله في خدمة الدولة
خدم الشيخ حمد في عمله الرسمي في الدولة قرابة 35 عاماً وهذه السنوات من العمل لا يمكن حصرها بمثل هذه الترجمة لحياته الرسمية -يرحمه الله- ولدى تصفحي لذاكرة أعماله في جريدة أم القرى، وهي الجريدة الرسمية للدولة، وجدت أن ذاكرة الجريدة أتت على غيض من فيض، فأتت بالقليل وغاب عنها الكثير، فقد تعددت مهامه التي وكل بها من قبل الملك عبدالعزيز، ومن قبل وزارته العامل فيها، فقد كان في الوزارة هو المتحرك فيها فيما بين الإدارات الرسمية وقضايا الوزارة التي يمثلها، ولهذا اكتفيت بالقليل من القضايا التي تناولتها جريدة أم القرى، وجاءت هذه القضايا على الشكل التالي:
1 - تكليفه من قبل الملك عبدالعزيز على أن يكون مشاركاً في الوفد الذي سيسافر لليمن للاجتماع بالإمام يحيى حميد الدين، بقصد تسوية قضايا الحدود، والتوقيع على اتفاقية حسن الجوار، وكان من أعضاء الوفد خالد القرقني وتركي الماضي وذلك عام (1352هـ / 1933م).
2 - شارك في حفل افتتاح منجم الذهب في ظلم، وأقام من أجل ذلك حفلاً كبيراً، وذلك عام (1372هـ / 1952م).
3 - عقده لمجلس تجاري يخص تجار المملكة ورئاسته له في جدة، وذلك عام (1359هـ / 1940م).
4 - تعيينه عضواً في مجلس الوكلاء عام (1350هـ / 1931م).
وفي جانب آخر فقد حملت جريدة أم القرى في عددها الصادر يوم الجمعة 15 ذو القعدة 1362هـ، خبر مأدبة عشاء أقامها الشيخ حمد السليمان شرفها الملك عبدالعزيز، وذلك في مزرعة الشرائع، وحضرها كبار الموظفين والعلماء.
وعلى غرار هذه المأدبة فقد أقام الشيخ حمد السليمان مأدبة كبيرة لنائب الملك على الحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز وذلك بتاريخ 10 / 5 / 1362هـ، حضرها جمع كبير من كبار موظفي الدولة والأعيان.
ولما يحظى به الشيخ حمد السليمان من مكانة في الوسط الحكومي والمجتمعي، فقد أقام له الدكتور محمد خاشقجي حفلاً كبيراً، في فندق لوكاندة مصر، بأجياد في مكة المكرمة، بتاريخ (7 جمادى الآخرة 1370هـ)، وذلك بمناسبة إنعام الملك عبدالعزيز على الشيخ حمد بمرتبة وزير دولة، وجرى في الحفل الذي امتلأت قاعة الفندق بالمدعوين، كلمات ترحيب وقصائد لشعراء مكة، وقد غطت جريدة أم القرى الحفل، وحمل العدد المؤرخ في (7 جمادى الآخرة 1370هـ)، خبر الحفل، وقد قدمت التهاني للشيخ حمد السليمان من المدعوين.
وفاته
بعد مسيرة عمل امتدت 35 عاماً، كان قد نزل به المرض، ما جعله يطلب إعفاءه من العمل، وذلك عام (1376هـ / 1956م)، وقد قصد العلاج في الخارج، لكن المرض اشتد عليه، حتى أدركته الوفاة عام (1378هـ / 1958م)، يرحمه الله، تاركاً وراءه أربعة أبناء وهم على التوالي: سليمان: وقد عمل في المالية ووصل إلى مرتبة وكيل وزارة. وعبدالرحمن، وخالد، ويوسف.
وختاماً فتلك هي سيرة هذا الفاضل الشيخ حمد السليمان الحمدان يرحمه الله، تاركاً ذكراه العطرة في ذاكرة التاريخ السعودي الكريم، كواحد من أسرة السليمان الحمدان، التي أكرمها الله بأن تكون من الأسر الكريمة، التي خدمت البلاد، وحظيت بشرف العمل بمعية الملك عبدالعزيز، في بناء الدولة السعودية.