مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

صالح بن عبدالواحد في معية الملك ومن خُلص رجاله

د. عبدالكريم السمك: الرياض


كان صالح بن عبدالواحد من الرجال الخلص عند الملك عبدالعزيز ووالده، فكان من أصحاب الولاء والوفاء لسياسة الملك عبدالعزيز، وقد جاءت هذه المقالة كأول تعريف عنه.
رافق صالح بن عبدالواحد الملك عبدالعزيز في جميع الفتوحات والمعارك العسكرية، بقصد توحيد مناطق نجد وحائل بسلطنة نجد، ومن هذه المعارك، معركة حائل، سعياً لتوحيدها بسلطنة نجد، وبعد سقوط حكم آل رشيد في حائل، كان الملك عبدالعزيز قد كلفه بالإقامة في مدينة حائل لمهام أمنية، حيث أشارت إلى ذلك وثيقة مرسلة من الإمام عبدالرحمن الفيصل، والد الملك عبدالعزيز، إلى صالح بن عبدالواحد، مؤرخة في 11 شوال 1340هـ / 1921م وكانت الرسالة جواباً من الإمام عبدالرحمن على رسالة أرفقت بسيف وقف عليه صالح بن عبدالواحد، وكان ظنه أنه لأمير من أمراء آل رشيد، وقد جاء نص الرسالة على الشكل التالي:
(بسم الله الرحمن الرحيـم
من عبدالرحمن بن فيصل إلى جناب المكرم الأخ صالح بن عبدالواحد سلمه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد السؤال عن الأحوال، أحوالنا بحمد الله جميلة والخط المكرم وصل وصلك الله إلى خير، وسرنا طيب ما ذكرت، كان معلوم خصوصاً من طرف السيف، وصل بارك الله فيك، وكان ما تكلفته فيه موجب مهوب من السيوف المعروفين، وعرضناه على آل رشيد ولا عرفوه ولكن الذي منك مبارك إن شاء الله، ومقبول وعن مقابلته تجيكم إن شاء الله كذلك مرجان غلام لنا وأهله في الجبل عندكم زوجته بنت فريح البرقاوي ولابد جاي من عندكم محامل يكون إن شاء الله تكارون عليهم إلى الرياض هذا ما لزم بلغ السلام من عزَّ عليك ومن عندنا الابن عبدالعزيز والأولاد يسلمون عليكم).
وبعد دخول مكة وذهاب الملك لحصار جدة، كلف الملك صالح بن عبدالواحد برعاية أمور الأمن فيها، من خلال تسيير دوريات أمنية في شوارع مكة لدخول الحرم، والذي يبدو من هذا التكليف له، أنه كان في معية الملك عبدالعزيز، شخصية ذات مسؤولية أمنية، وقد طال أمره بهذا العمل.
ومن أجل نجاح السياسة الأمنية، فقد كان صالح بن عبدالواحد، يسيّر دوريات أمنية في شوارع مكة، بقصد توفير الأمن فيها، فكان عند حسن ظن الملك فيه بنجاح سياسته الأمنية.
وقد أشارت جريدة أم القرى في عددها العاشر من السنة الأولى، والمؤرخ في يوم الجمعة 19 رجب 1343هـ/ 10 فبراير 1925م، الصفحة (2)، إلى تكليف الملك عبدالعزيز لصالح بن عبدالواحد، في أن يكون مسؤولاً أمنياً، ويعمل على ترتيب الجنود وتدريبهم، وجعلهم يتجولون في مكة بغرض فرض الأمن، وقد قضى فترة طويلة في الخدمة هذه فيما يخص الجانب الأمني، حتى آل أمر أمن الحجاز إلى إدارة شؤون الحجاز لدى النيابة الملكية فيه، تحت رعاية نائب الملك على الحجاز، الأمير فيصل بن عبدالعزيز.

رسالة من نائب الملك على الحجاز سمو الأمير فيصل إلى صالح بن عبدالواحد بأن يتوجه للقريات كأمير لها بتوصية من الملك عبدالعزيز

صالح بن عبدالواحد مستشاراً لحاكم عسير وجيزان
اُنتدب صالح بن عبدالواحد ليكون مستشاراً للإدريسي، وكان حال الأمن في الإمارة قد ساء، فغادر صالح بن عبدالواحد عسير إلى مكة، فانتدب الملك خلفاً له وهو عبدالله بن خثلان (1347هـ / 1926)، ولم تطل مدة إقامته هناك، ثم خلفه حمد الشويعر، ثم فهد بن زعير سنة (1349هـ / 1928م)، ولم تستقر الأمور في الإمارة إلا بعد أن أقيم فيها مجلس شورى، على أن يظل الحسن بن علي الإدريسي رئيساً للحكومة الإدريسية، فكانت تصدر الأوامر باسمه نيابة عن الملك عبدالعزيز، وغدت الإمارة الإدريسية بعد المعاهدة، جزءاً من مملكة الحجاز ونجد، وقد أشار الزركلي إلى الحال السياسي الذي شهدته هذه الإمارة، وتكليف صالح بن عبدالواحد ليكون مستشاراً من قبل الملك عبدالعزيز، في كتابه شبه الجزيرة العربية المجلد الأول والثاني صفحة (535).
وعن خبر التكليف هذا لابن عبدالواحد، فقد أشار له عدد من المصادر، وقد حملت جريدة أم القرى في عددها الصادر برقم (132) السنة الثالثة، والمؤرخ في يوم الجمعة (24 ذو الحجة 1345هـ / 24 يونيو 1927م)، وفي الصفحة (2) إلى خبر تكليف الملك عبدالعزيز لابن عبدالواحد بالسفر إلى جيزان ليكون مندوباً للملك لدى الإدريسي، وباشر عمله هناك، وقد كان لهذا التكليف أهمية كبيرة عند الإدريسي من قبل الملك عبدالعزيز، فقد جنبت الإمارة أطماع إمام اليمن، إضافة لما تبع ذلك من خدمات قدمها له الملك عبدالعزيز، بعد تبعيتها لمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها.

صالح بن عبدالواحد أميراً على العلا والقريات
جاء تعيين صالح بن عبدالواحد في إمارة القريات، ليكون الأمير الرابع من الذين تم تكليفهم من الملك عبدالعزيز، حسب كتاب القريات لمؤلفه عبدالرحمن الشمدين، وحملت رسالة نائب الملك الأمير فيصل أمر التكليف بإمارة القريات، وقد أُرّخت الرسالة في (25 محرم 1350هـ / 1931م)، وفيها يطلب منه الأمير فيصل، بتوجيه من والده الملك عبدالعزيز، بأن يتوجه إلى القريات، وتسليم إمارة العلا فهد بن عبدالعزيز مكانه، مع تسليمه لأثاث مقر الإمارة، إلى كاتب فهد الذي هو عدنان عشقي، مع أخذه معه عشرين نفراً من الخويا، والباقون يبقون في العلا بسلاحهم وكل لوازمهم، وقد قصد صالح بن عبدالواحد القريات، وحسب الرسائل المتبادلة مع (وولفينسن) البريطاني، قائد قوات البادية في شرق الأردن، وقد أُرّخت الرسالتان، الأولى بتاريخ (21 / 3 / 1936م)، والثانية (29 / 3 / 1936م)، وهذا يعني أن ابن عبدالواحد، حتى تاريخ هذه الرسائل، كان لا يزال أميراً على القريات، وإن كان تعيينه أميراً على حفر الباطن بتاريخ (1939م)، ونقل من القريات، فيكون قد قضى في إمارة القريات قرابة الثماني سنوات، واستلم الإمارة من بعده، عبدالعزيز بن زيد، الذي كان مكلفاً بمراقبة الحدود الشمالية.
وقد أشار أحد الإخباريين ممن أدرك إمارة صالح بن عبدالواحد في القريات، وهو حمد بن حمدان الرمال، وقد روى بتاريخ (12 / 10 / 1420هـ)، متحدثاً عن صالح بالقول: (فقد أحب أهل القريات صالح، لما كان يتصف فيه من العدل والتواضع، فقد ألغى عنهم الضرائب، ومنع عنهم تعديات البادية، وخلال هذه الفترة تم إنشاء محطتي إرسال واستقبال برقي في الجوف والقريات، وذلك لأهمية هذا الجهاز في منطقة الجوف والقريات، بسبب بعدهما عن المركز، وذلك لأهمية المنطقة إستراتيجياً، في مسؤوليتها الأمنية عن الخط الحدودي الطويل مع شرق الأردن). انظر المجلد السابع عشر من الموسوعة السعودية.

رسالة من الملك عبدالعزيز لصالح بن عبدالواحد وفيه يخبر عن حال أخبار الدولة، وقد ذيلها الملك بكلام يطلب من عبدالواحد أخباره وأخبار اليمن التي تصله وهو في جيزان

صالح بن عبدالواحد أميراً على حفر الباطن
وثَّقت جريدة (صوت الحجاز) هذا التكليف بصدور أمر سامٍ، بتعيينه أميراً على حفر الباطن، في العدد (388) السنة الثامنة، الصفحة الثانية، وقد صدر العدد في (21 / 5 / 1358هـ / 9 / 7 / 1939م)، كما وثق إبراهيم الحسون في كتابه (خواطر وذكريات)، بأن صالح بن عبدالواحد كان أميراً على الحفر، يوم أن كلف الملك إبراهيم الحسون برئاسة لجنة للجمارك في حفر الباطن، وكان برفقته شخصية ذات كفاءة بالمحاسبة واسمه (زكي عمر)، وكان هذا المحاسب على تواصل مع الملك لإطلاعه على سير الجمارك، وكان زكي هذا يحمل لقب (المدير العام لماليات الأحساء وجماركها)، وذلك سنة (1359هـ / 1940م)، كما كان برفقتهم موظفون آخرون من أبناء الحجاز، وقد أقام هؤلاء لأنفسهم مخيماً أمام قصر الإمارة وبالقرب منها، حيث كان يقيم فيه ابن عبدالواحد، الذي اهتم في الوفد في سبيل نجاحهم في مهمتهم الموكولة لهم.
أما عن شخصية صالح بن عبدالواحد عند إبراهيم الحسون، فيقول عنه: هو من مواليد الدرعية بجوار الرياض، وكان منذ فجر شبابه قد التحق بركب الملك عبدالعزيز، وكان صاحب حظوة ومكانة عند الملك، وكان شجاعاً يمتاز بالجرأة والصراحة والجدية، كريماً يتمتع بشخصية قوية وجذابة، وصاحب ثقة بنفسه، فقد أسند له الملك إمارة الحفر لأهميتها عند الملك عبدالعزيز، وذلك لما اتصف فيه من قوة في شخصيته، وكانت سلطته التي منحها له الملك نافذة، وهي سلطة يمنحها الملك لأمراء المراكز كسلطة تنفيذية، بحيث يستطيع الواحد منهم التصرف بنفسه في اتخاذ القرارات، وفرض العقوبات، بالحبس والتغريم دون أن يرجع إلى أحد، وهو بمرتبة أمير مفوض بيده العديد من الصلاحيات.
والذي يبدو أن هذه الإمارة، كانت خاتمة له في انتهاء عمله الوظيفي في الدولة، وذلك لعدم وجود ما يشير إلى تكليفه في أعمال أو إدارات أخرى من قبل الملك.

رسالة الإمام عبدالرحمن والد الملك عبدالعزيز، لصالح  بن عبدالواحد، وفيها يرد على استفساره عن سيف يعود لآل رشيد

صالح بن عبدالواحد في الوثائق الملكية
أحتفظ في مكتبتي بملف وثائقي كصورة عن أصول رسائل مرسلة من الملك عبدالعزيز إلى صالح بن عبدالواحد، وتعود في تاريخها من سنة (1340هـ / 1921م) إلى سنة (1359هـ / 1940م)، وتعدادها في حدود الستين صورة، وقد تنوعت موضوعاتها وتعددت تواريخها، وفي كل رسالة يقدم له الملك الشكر والسلام والتقدير في خواتيم هذه الرسائل، مفيداً إياه أنه على اطلاع على جميع رسائله، وبطلب منه ديمومة مراسلته، وواقع الرسائل تفيد أن الملك كان يتابع حالة البلاد بنفسه، وكان الملك يظهر له السرور في رسائله.
وأقدم الرسائل من الملك لصالح، تعود في تاريخها لسنة (1340هـ / 1921م)، وهذه تعود لسنة ضم حائل، ففي رسالة من الملك مؤرخة في (15 رمضان 1340هـ / 1921م)، يطمئن الملك ابن عبدالواحد أن الأمور تسير بخير، وأن والده الإمام عبدالرحمن وعيال الملك يسلمون عليه.
وفي رسالة ثانية مؤرخة في ( 20 شوال 1347هـ)، وفيها يفيد الملك ابن عبدالواحد، أنه أرسل لابن بجاد والدويش كلاً من الشيخ العنقري ومعه الشيخ أبو حبيب الشثري، ليطلبوا منهم الاحتكام إلى الشرع.
وهناك رسائل معنية بالأمن والتسليح، إضافة لرسالتين من الضابط البريطاني (وولفينسون) إلى صالح، يطلب بإحداها التعارف مع صالح، وهو أمير على القريات، إضافة لرسالة من الإمام عبدالرحمن الفيصل والد الملك عبدالعزيز، المذكورة في بداية هذه الدراسة.
وقد اكتفيت بهذا العرض على هذه الوثائق، التي تم لي استخلاصها من مجموع صور الوثائق لدي.

ولادته ووفاته
يعود صالح بن عبدالواحد في نسبه الأسري إلى أسرة آل عبدالواحد، الساكنة في الدرعية، وقد قدم الجد الأعلى محمد من العيينة، وهو جد جميع آل عبدالواحد جميعاً، وقد سكن الدرعية في عهد الدولة السعودية الثانية، ووالد صالح هو عبدالله بن محمد آل عبدالواحد، وقد كانت سنة مولده مجهولة، واجتهاداً ربما تكون سنة مولده هي (1308هـ / 1890م)، وربما قبل هذا التاريخ بسنوات قليلة، أو بعد ذلك، وذلك كونه شارك في حملة حائل، سنة (1340هـ / 1921). أما عن وفاته فقد كانت سنة (1380هـ / 1960م)، رحمه الله تعالى، حيث قضى ما يزيد عن الأربعة عقود ملازماً للملك عبدالعزيز في بناء الدولة السعودية، فكان من طليعة رجال الملك عبدالعزيز يرحمه الله.

ذو صلة