الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ ( البحر )
كتبه ابن صالح - عبدالعزيز بن صالح الدغيثر: العارض
في الحقيقة إنني كنت محتاراً كيف أكتب مقدمة هذه السطور التوثيقية، لسيرة علم من أعلام التأريخ والأدب في بلادنا الغالية. والسبب لحيرة القلم عند الكتابة هو: هل أكتب عن مؤرخ ملم؟ أم عن طالب علم مجتهد؟ أم عن أديب بارع؟ كل هذه اجتمعت في رجل واحد، وهو شخصية هذه السطور الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، الذي لم يفتقد لقبه (البحر) إلى دقة في التوصيف، بل هو التوصيف كله لرجل مثله.
لمحة عن أسرته
ينتمي الشيخ إلى دوحة علم وفضل، فهو سليل أشهر أسرة علمية في نجد والجزيرة العربية بشكل عام، وهي أسرة آل الشيخ الكريمة الطيبة، ذرية الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي مشرف -رحمهم الله جميعاً-. واسمه كاملاً: عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، فالشيخ محمد هو جده الخامس، والشيخ سليمان بن علي مفتي نجد الشهير جده السابع، وهو الذي انتقل من بلدته الأصل أشيقر في إقليم الوشم إلى العيينة في إقليم العارض في القرن الحادي عشر الهجري. أما جده الأول فهو الشيخ عبدالله بن عبداللطيف قاضي الرياض الشهير، جد كل من الملك الشهيد فيصل والأمراء فيصل وفهد أبناء سعد الأول والأمير خالد بن محمد لأمهاتهم. وجدته لأبيه هيا بنت عبدالرحمن المقبل (المقبلية)، وهي تنتمي إلى أسرة آل مقبل من النواصر من بني تميم، إحدى أشهر الأسر في العارض، وعمه شقيق والده هو عبدالملك بن عبدالله بن عبداللطيف الذي قتل في معركة البكيرية 1322هـ، والشقيق الثاني لوالده هو الشيخ محمد بن عبدالله بن عبداللطيف جد جميع آل عبدالله بن عبداللطيف الموجودين اليوم. وله عم أخ لأبيه من الأب، وهو صالح بن عبدالله بن عبداللطيف، وأمه ابنة الشيخ الأزهري محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، وليس لصالح عقب. أما والدة الشيخ عبدالرحمن فهي من البواهل من أهالي الدرعية. وله أخ اسمه عبدالملك توفي شاباً، وأخت شقيقة واحدة اسمها منيرة.*
نشأته وتحصيله العلمي
ولد الشيخ عبدالرحمن في الرياض عام 1332هـ/1913م، ونشأ بها وقرأ القرآن الكريم في صغره على يد المقرئ عبدالله بن مفيريج، ولما أتم حفظه لازم حلقة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في مسجده بحي دخنة إلا أنه لم يقرأ عليه، وكان يستمع لقراءة القراء على الشيخ محمد، ثم قرأ بعد ذلك على الأمير الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن عياف آل مقرن مبادئ العلوم. ثم في عام 1353هـ/1934م انتقل مع والده إلى مكة المكرمة، فقرأ على الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ وعلى الشيخ عبدالله بن سليمان المسعري (الكافي في علمي العروض والقوافي)، وذلك في الطائف عام 1359هـ/1940م، وعلى الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد قرأ في الفقه، وذلك في مكة المكرمة عام 1363هـ/1944م. وقرأ على الشيخ محمد بهجت البيطار الدمشقي أثناء وجوده في الطائف في (تفسير ابن كثير)، وعلى الشيخ عبدالله الصالح الخليفي قرأ في الفقه والفرائض، وعلى الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع في الحديث والفقه.
وفي عام 1364هـ/1945م افتتحت دار التوحيد في الطائف بأمر من الملك عبدالعزيز، فالتحق بها الشيخ عبدالرحمن، وقرأ على اثنين من مدرسيها قراءة خاصة، هما الشيخان بهجت البيطار والخليفي -كما أسلفنا سابقاً. ثم التحق بكلية الشريعة في مكة المكرمة لمدة عام واحد، وقد فصّل الشيخ البسام في تحصيل الشيخ عبدالرحمن العلمي، فقال:
- له مدخل جيد في التفسير والحديث والفقه وأصولها.
- علامة في العقائد، فهو يجيدها إجادة تامة ويعرف مقالات المخالفين لعقائد السلف من المعتزلة والجهمية وغيرهما من الطوائف.
- له معرفة جيدة في علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة.
- يجيد العروض والقوافي إجادة تامة.
- له معرفة بالتاريخ، التاريخ القديم والجديد، لاسيما تاريخ أهل نجد وأنسابها، فقد تلقاه عن أبيه النسابة، فهو يجيده، ويعرف نجداً وأخبارها وأنساب أسرها وتاريخ حكامها معرفة جيدة، ويحفظ الكثير من الشعر الجيد، لاسيما أشعار المتنبي، فإنه يكاد يحفظها كلها.
وظائفه
عمل مراقباً للمطبوعات سنين طويلة، ثم عمل مفتشاً بوزارة المعارف، ثم موظفاً في مكتب معالي وزير المعارف حسن بن عبدالله آل الشيخ، إلى أن أحيل إلى التقاعد. ولما أنشئت دارة الملك عبدالعزيز جعله الشيخ حسن فيها، وكان له مكتب في إدارة البحوث والنشر.
حبه للقراءة وسعة اطلاعه
كان الشيخ عبدالرحمن كثير المطالعة، مغرماً بالكتب، وبخاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه محمد بن قيم الجوزية، ورسائل أئمة الدعوة المعروفة بـ(الرسائل والمسائل النجدية)، وله اطلاع على التاريخ وإلمام به، وكذلك بالأدب القديم، كما أنه يحفظ جيد الشعر. قال عنه صديقه الشيخ عبدالله البسام: (وبالجملة فهو موسوعة في العلوم الشرعية والعربية والتاريخية، فقلّ أن يجتمع مثل هذا في غيره، وذلك لمثابرته الدائمة على القراءة والاطلاع، وقوة الحافظة وسرعة الفهم والاستيعاب).
البحر
يذكر علامة الجزيرة حمد الجاسر السبب وراء تلقيب الشيخ عبدالرحمن بلقب (البحر)، وهو أن الشيخ عبدالرحمن كان من مرتادي مجلس الشيخ محمد بن عبدالله بن حسن آل الشيخ ومن جلسائه. وكان الشيخ محمد يطلق على بعض جلسائه ألقاباً، لا تلبث إلا أن تكون ملازمة لهم، فكان نصيب الشيخ عبدالرحمن منها هو (البحر)، وذلك لما اتصف به من سعة في معرفة تاريخ نجد وأنساب أهلها. وقد لازم هذا اللقب الشيخ عبدالرحمن بقية حياته، وما كان يكرهه، فإذا سأل سائل عنه ولم يضف هذا اللقب لم يعرفه إلا الخاصة من ذويه.
للشيخ عبدالرحمن عدة كتب قام بتأليفها وعدة كتب حققها، بالإضافة إلى بعض المقالات التاريخية، وأذكر هنا ما وقفت عليه شخصياً.
مؤلفاته
كتاب مشاهير علماء نجد وغيرهم، وهو أشهر مؤلفاته، ترجم في أوله لعلماء آل الشيخ، مرتبين حسب وفاتهم، ثم علماء نجد بنفس الترتيب، ثم بعض من علماء مكة المكرمة، ووضع في آخره تراجم لبعض علماء الدين في مختلف الأمصار الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. كتاب علماء الدعوة، ويقصد به علماء الدعوة السلفية، وقد ترجم في أوله للشيخ محمد ولأبنائه وأحفاده وأبناء أحفاده العلماء منهم، وبعض الأعلام من علماء نجد. كما قام بتكليف من وزارة المعارف بتأليف كتاب نسب آل سعود، وهو رسالة أقرب من كونها كتاباً أو كتيباً، وهو بيان لذرية الإمام محمد بن سعود فقط. وأيضاً قام بتأليف كتاب (دعوة الشيخ ومناصروها).
تحقيقاته
كتاب تاريخ ابن بشر المسمى عنوان المجد في تاريخ نجد، وهو الذي خلد اسم الشيخ عبدالرحمن رحمه الله، وقد طبعته دارة الملك عبدالعزيز، وهو حتى كتابة هذه السطور أفضل تحقيق لتاريخ ابن بشر، وهو مطلب الباحثين والدارسين والقراء للتاريخ النجدي، وقد أصبحت نسخ تحقيق الشيخ عبدالرحمن نادرة هذه الأيام. كتاب تاريخ ابن عيسى عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر، وكذلك طبعته دارة الملك عبدالعزيز. كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب لمؤلف مجهول، وهو من مطبوعات الدارة أيضاً. ويقول الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ: (ثم طلبت إليه -يعني الشيخ عبدالرحمن- أن يقوم بتحقيق الكتاب المسمى لمع الشهاب والذي لا يعرف مؤلفه، فقام بتلك المهمة خير قيام في أقصر فترة، مما يدل على تمكنه من مادته وقدرته على تمييز ما قد يلتصق به من افتراءات). كما قام بجمع مقالات الشيخ يوسف ياسين عن رحلة الملك عبدالعزيز من جريدة أم القرى المعنونة بـ(الرحلة الملكية).
مقالاته
وقفت على سبع مقالات للشيخ عبدالرحمن في مجلة الدارة، أولها نشر عام 1396هـ/1976م، وآخرها عام 1400هـ/1980م. وهي تراجم لعلماء نجد مأخوذة من مؤلفاته، وهي لكل من: الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، الشيخ عبدالرحمن بن حسن، الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ، الشيخ عبدالله العجيري، الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن، الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب. وأيضاً شاهدت أسطراً نشرها علامة الجزيرة في جريدة البلاد عام 1374هـ/1955م، وهو تعقيب للشيخ عبدالرحمن على مقال علامة الجزيرة (آل سعود في التاريخ).
شعره
كنا قد ذكرنا سابقاً عن إجاده الشيخ عبدالرحمن لعلم العروض والقوافي، وعن حفظه لكثير من الشعر الجيد؛ وقد وضع الشيخ في بعض مؤلفاته أبياتاً كتبها. وأورد هنا ما وقفت عليه منها، أبياتاً كتبها في ابن عمته الملك الشهيد فيصل، وهي:
ملك سما شرع به وكتاب
أعلى منار الحق فهو مثاب
ملك فضائله أجل فضائل
يزهو بها التاريخ والآداب
ملك أشاد جوامع ومدارسا
فانزاح جهل قاتم وضباب
زهت الديار بعدله بل أينعت
في عهده بالفضل وهي رحاب
هو فيصل حامي الذمار مرهف
والدين والإسلام فهو يشاب
وقال أيضاً في أسرة آل سعود الكريمة:
ملوك مذاويد وأهل مفاخر
فأهلاً بماض من هداة وحاضر
همو نصروا دين النبي وآله
باسم القنا والمرهفات البواتر
وفاته
توفي الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ في حادث أليم، وهو متوجه من مكة المكرمة إلى الطائف عن طريق السيل الكبير، وذلك في يوم الثلاثاء الموافق 18/ 10/ 1406هـ / 24/ 6/ 1986م. وكان أعزب، فهو لم يتزوج طيلة حياته، وعلل ذلك الشيخ البسام بقوله: (لعدم رغبته بالنساء)، وبوفاته انقطعت ذرية والده عبداللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف.
(*) تزوجت من عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالعزيز بن حسين آل الشيخ، وأنجبت منه ابنة واحدة، تزوجت من آل عساف ذرية أمراء الرس قديماً.