مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

عبد الرحمن بن نويصر العنقري.. أول أمير للعلا في العهد السعودي

ابن صالح - عبدالعزيز بن صالح الدغيثر: الرياض

 



لاشك أن التاريخ بشكل عام يلهم قارئه ويطرب سامعه، لما في قصصه وأحداثه من تنوع وفرائد في البطولات والتضحيات، وتطرب الآذان وتلهم النفوس بتاريخ وطننا الغالي وجهاد الملك الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- ورجاله في توحيد الوطن ولم الأقاليم المتناثرة والقبائل المتفرقة. فكان من الوفاء للملك عبدالعزيز والوفاء لرجاله المخلصين، تدوين سيرهم و مسيراتهم. ومنهم الشيخ عبدالرحمن بن نويصر العنقري -يرحمه الله- الذي كان أول أمير للعلا في العهد السعودي، وقد تيسر لي بفضل الله جمع وثائق ومعلومات تخص ابن نويصر صالحة إذا جمعت ورتبت أن تكون سطوراً توثيقية عن سيرته، وقد بقيت هذه الأسطر حبيسة لدي مدة قاربت السنتين، وسعيت أن يكون نشرها في شهر جمادى الآخرة عام 1444هـ ففيه إتمام المئة عام على ضم العلا، وهي جهد المقل المقصر نشرتها مقدماً لرجل ومؤخراً لأخرى، راجياً أن أكون قد وفقت لتوثيق سيرة ابن نويصر حق التوثيق وأن تكون بالصورة التي رغبت أنا أن تخرج بها هذه الأسطر، ومن الله أستمد العون والرشاد.

نسبه ومولده
اشتهر بـ(ابن نويصر)؛ وهو ينتمي إلى العناقر من بني سعد من قبيلة بني تميم، من بلدة ثرمداء في إقليم الوشم بنجد. وللعناقر رئاسة هذه البلدة منذ قديم الزمن وحتى كتابة هذه السطور، واسمه عبدالرحمن بن عبدالله بن نويصر العنقري. خرج والده من ثرمداء فتنقل بين البلدات حتى طاب له المقام في المزاحمية في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وولد له ابنه عبدالرحمن عام 1290هـ/ 1873م تقديراً.
مشاركاته في التوحيد
كان (ابن نويصر) شاباً في بلدته المزاحمية يسمع أخبار انتصارات جهاد الملك عبدالعزيز ورجاله، فتاقت نفسه للجهاد تحت هذه الراية، فشارك في معركة البكيرية عام 1322هـ/1904م ومعركة كنزان عام 1333هـ /1915م وغيرها من المعارك، وولدت علاقة له مع الملك فيصل بن عبدالعزيز وقد عمل عنده فترة في ديوان نائب جلالة الملك بالحجاز، وكذلك التحق بالأمير عبدالعزيز بن مساعد للانضمام لجيشه والمشاركة في المعارك تحت قيادته، ومع الوقت توطدت علاقة الرجلين وقويت، ففي رسالة مؤرخة عام 1340هـ/1921م أرسلها الأمير عبدالعزيز بن مساعد إلى (ابن نويصر) بخصوص بعض أمور ذلك الزمن، جاء في ختامها (... موجب تدري إنك عندنا ما انت صفت غيرك وزودك زود لنا ونقصك نقص علينا...)، فختام هذه الرسالة دل على تقدير الأمير عبدالعزيز بن مساعد لابن نويصر، وعلاقتهما المتينة.



حصار العلا
توجه (ابن نويصر) بسرية من حائل بأمر الملك عبدالعزيز إلى العلا لضمها تحت الحكم السعودي، فوصل العلا وخيم في وادي رم جنوب بلدة العلا، ولم يبادر بأي فعل تجاه البلدة وأهلها، فالبلدة كانت محصنة تحصيناً منيعاً، فمن الشرق والغرب تحميها الجبال ومن الجنوب سور منيع بالقرب من مخيم (ابن نويصر) ومن الشمال سور يدعى (جدار السبعة)، وفي يوم من أيام الحصار قام أهل العلا بإرسال قطعة من اللبن ومن كل أنواع الأسلحة قطعة إلى (ابن نويصر)، ففهم المغزى من رسالتهم فاللبن يعني أن البلدة محصنة والأسلحة تعني استعدادهم للقتال في حال نشوبه. وصل أهل العلا برقية من أهل المدينة المنورة يبلغونهم فيها أن المدينة دخلت تحت الحكم السعودي، فرد أهل العلا ببرقية عليهم يبلغونهم أنهم سيفعلون مثلما فعلوا وسيدخلون تحت الحكم السعودي سلمياً.
فخرج من أهل العلا رجلان هما (ابن موسى) و(ابن عيد) وتوجها إلى مخيم (ابن نويصر) وقابلوه وأخبروه بالبرقية التي وصلتهم من أهل المدينة وأنهم سيحذون حذوهم ويريدون أن يدخل (ابن نويصر) سلمياً إلى العلا ويقابل شيوخ قبائلها، خشي (ابن نويصر) أن تكون هذه خديعة من أهل العلا فأسر الرجلين عنده، وأرسل مجموعة صغيرة بقيادة محمد بن عبدالعزيز بن شهيل لدخول البلدة والتأكد من نوايا أهلها. ويروي ابن شهيل هذه الحادثة بقوله: (وكنت في ذلك الوقت ملتحقاً بابن نويصر رحمة الله عليه، ولما دخلنا العلا دخلت أنا في ركائب قليلة وبقي ابن نويصر مع الجيش وعمري ذلك الوقت سبع عشرة سنة واختارني ابن نويصر فدخلت وتفاهمت أنا وإياهم وتقانعنا فسلموا، وكان بالعلا جالية كبيرة للأشراف). فلما عاد ابن شهيل وتأكد من نوايا أهلها، دخلها (ابن نويصر) وأخذ بيعة أهلها للملك عبدالعزيز في جامع البلدة، وأرسل برقية إلى الملك بتاريخ 25 جمادى ثاني 1344هـ/10 يناير 1926م يخبره فيها بدخول العلا وأخذ البيعة بعد حصار قارب الشهرين.
فجاء الرد بأن يكون (ابن نويصر) أميراً على العلا.

إمارة العلا
لا تسعفنا المصادر التاريخية ولا الوثائق الكافية عن فترة إمارة (ابن نويصر) على العلا بشكل كاف، إلا أننا نجد بعض الوثائق التي تبرز دوره في تأديب بعض عناصر قبائل شرقي الأردن التي كانت تقوم ببعض الغارات في شمال المملكة، ففي برقية أرسلها (ابن نويصر) إلى الملك عبدالعزيز مؤرخة في 18 شعبان 1344هـ/ 3 مارس 1926م يبلغه فيها عن حوادث إغارة قامت بها بعض الشخصيات على منطقة بين تيماء والجوف. كذلك نجد مراسلات وإشارات له مع أمراء البلدات المجاورة للعلا، كإبراهيم النشمي أمير ينبع، وصالح الدخيل أمير الوجه، ومبايعات للأهالي عليها ختمه، وأيضاً استفسارات تصل إليه من عماله. ويذكر الشيخ أحمد بن عبدالدائم في مقابلة صحفية أجريت معه، أن أول مدرسة نظامية في العلا افتتحت عام 1347هـ/1928م في فترة إمارة ابن نويصر على العلا. بقي (ابن نويصر) أميراً على العلا حتى عام 1348هـ/1929م حيث أعفي من إمارة العلا بعد أربع سنين من تأميره عليها.



حرب اليمن
بعد أن أعفي ابن نويصر من إمارة العلا عاد مرة أخرى للعمل لدى الملك فيصل بن عبدالعزيز في ديوان نائب جلالة الملك في الحجاز. وفي 1351هـ/1932م اندلعت الحرب السعودية اليمنية، فأمر الملك عبدالعزيز بتحريك حملات إلى اليمن، فتحركت حملات بقيادة الملك سعود من نجد عبر نجران إلى جبهتي باقم ونقعة، وحملات أخرى من الحجاز بقيادة الملك فيصل عبر الساحل إلى الحديدة.
وقد وقع الاختيار على ابن نويصر ليتأمر على حملة من الحملات التي كانت تحت قيادة الملك فيصل، أما التي كانت تحت قيادة الملك سعود، فقد تأمر على إحداها حسن بن محمد بن دغيثر. تحرك ابن نويصر تحت قيادة الملك فيصل من الحجاز، واستمر تحركهم حتى وصلوا الأراضي اليمنية، وفي أعقاب تلك الأحداث عقد مؤتمر الطائف، وفي أثنائه كان ابن نويصر معسكراً بجنوده في مدينة الحديدة اليمنية حتى انتهاء المؤتمر وتوقيع الاتفاقية. فبعد ذلك أرسل إلى ميناء الحديدة باخرة أقلت ابن نويصر وجنوده، وبعد نحو يومين أو ثلاثة رست تلك الباخرة في ميناء جدة.
موقف ابن نويصر مع أهالي المزاحمية
في عام 1360هـ/1940م هطلت أمطار غزيرة على إقليم العارض بنجد فتسببت بغرق مواقع عديدة في الإقليم. كان من ضمنها المزاحمية، ونتج عنها ضرر كبير على البلدة وأهلها. فما كان من (ابن نويصر) إلا أن استضاف المتضررين في مزرعته المسماة (العليا)، وقصد الملك عبدالعزيز يستأذنه بالشروع ببناء بيوت للمتضررين فوافق الملك عبدالعزيز على طلبه، فعاد (ابن نويصر) وأمدهم بالأخشاب و الجريد والطين من مزرعته وابتدأوا يبنون منازلهم حتى تكون (حي حضار) المعروف في المزاحمية اليوم، ومازال هذا الموقف النبيل والذكرى الطيبة حاضرة لدى أهالي المزاحمية.
إشارات لابن نويصر في مصادر متنوعة
يقول الشاعر نافع بن فضيلة الحربي مخاطباً الأمير عبدالعزيز بن مساعد:
يا أمير عسى يجيك عيال
ثلاثـــــــــة غيـــــــــــر عبــــــدالله
مثل الشنيفي و ابن بتال
وابــــن نويـصر وضيف الله
فترد الإشارة (لابن نويصر) في هذين البيتين مع ثلاثة من رجال الأمير ابن مساعد وهم سليمان الشنيفي أمير لينة، وابن بتال، ولعل المقصود محمد بن بتال الذي تولى عدة مناصب، منها وكيل إمارة حائل، وابن نويصر وهو شخصية هذه الأسطر، أما ضيف الله فهو ضيف الله بن عيد القبلان الذي تولى إمارة لوقه. وأما عبدالله المذكور فهو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة الحدود الشمالية الأسبق. وفي كتاب مرتفعات الجزيرة العربية للحاج عبدالله فيلبي وردت الإشارة لابن نويصر، فيما هذا نصه (.. كما مر الأمير فيصل من هنا عبر السيل، وقبل ساعات من وصولنا للإعداد لاستقبال الملك في عشيرة وصلت ثلاث عربات لحاشية الملك من بينهم صديق قديم لي هو جابر المري، ووصل كذلك ابن نويصر إلى السيل في طريقه إلى الغاية نفسها وذلك أثناء وجودنا هناك وقد صحبتهم لتناول الوجبات الخفيفة من شاي وقهوة وبطيخ).
أما في الوثائق الهاشمية للملك عبدالله الأول وردت الإشارة لابن نويصر في الوثيقة رقم (35 - 410)، بنص (الأمير عبدالكريم بن رمان أمير تيماء وناصر بن هايس شيخ غزة وأمير العلا عبدالرحمن بن نويصر وسلطان الفقير المخيم بين تيماء وحائل وبأرض النفوذ، وبعد ما تواجهوا مع جلالة الملك عادوا لأراضيهم مزودين بالتعليمات والأوامر والاجتماع مع كافة مشايخ نجد).

عائلته ووفاته
والدته من أسرة الطويل من أهالي الدرعية، وله من الأشقاء اثنان: ناصر ومحمد وشقيقة واحدة تزوجت عبدالله بن محمد الغنيم.
وله خمس زيجات كان أولها من آل عميرة وأنجبت له (سعد) وقد توفي شاباً في العلا، وثلاث بنات. ثم تزوج من امرأة من قبيلة بلي أثناء إمارته على العلا ولم تنجب منه. ثم تزوج من الخالة الجوهرة بنت محمد بن عبدالله السعود الدغيثر وأنجبت له (الشيخ عبدالله وصالح وعبدالعزيز وبنت)، وليس له عقب إلا من الخالة، وتزوج من الجوهرة بنت مساعد بن مشاري العنقري ولم تنجب منه. وأخيراً تزوج من امرأة من أسرة آل مقبل وأنجبت له ابنة واحدة.
وقد توفي عام 1385هـ/1964م، وهو في عشر التسعين من عمره فرحمة الله عليه.

ذو صلة