محمد عيد الرواف.. مهام دبلوماسيّة في دمشق وبغداد
عبدالكريم إبراهيم السمك: الرياض
كان آل الرواف يتاجرون بين الشام والعراق، ويؤكد تجارتهم مع العراق، مسجد لهم في الزبير، ووقف أرض لهم في بغداد، وقد استوطنت أسرة الرواف دمشق، وجعلوها لهم قاعدة أعمال في التجارة، وتزاوجوا مع أهل الشام، كما بنوا لهم بيوتاً فيها، ومن خلال نشاطهم التجاري غدو أصحاب معرفة بالطرق الصحراوية، ومنهم عمر الرواف شقيق إبراهيم والد محمد عيد الرواف، ومحمد الأحمد الرواف، من أبناء الرعيل الأول لهذه الأسرة.
وبالنسبة إلى والد محمد عيد الرواف إبراهيم، فقد كان على تواصل مع الولاة العثمانيين بدمشق، وقد اتفق معه العثمانيون على أن يكون مرافقاً لمحمل الحج الشامي بقوات من النجديين من قبله، فكان يرافق المحمل طيلة (27) سنة، بقوة من الرجال تصل إلى (150) رجلاً من النجديين، يمشون خلف قافلة المحمل لحمايته، ومن الأمام قائد القوات العثمانية وحارس المحمل ومعه (600) جندي عثماني، كما كان يمول القوات العثمانية بالجمال، كي يتنقل فيها الجند العثمانيون، وفي عهد الثورة العربية الكبرى عام 1916م، كان على تواصل دائم مع جمال باشا قائد الجيش العثماني في الشام، بشراء الجمال له من العرب، وقد رفض العرب بيع الجمال لإبراهيم الرواف، وقد وعد جمال باشا بتأمين ما يحتاجه من الجمال، أمام هذا فقد أحرج في موقفه مع جمال باشا، فأفاده بأنه سيذهب لمضارب شيخ الرولة نوري الشعلان، وبخروجه هذا كان خائفاً على نفسه من عدم تأمين الطلبية من أن يقتله جمال باشا، فقصد ما وراء النوري بن شعلان في الهروب للعراق، وبرفقته ابنه ياسين، وفي البصرة نزل ضيفاً على الشيخ خزعل شاه، فرحب فيه وأكرمه أحسن تكريم.
وفيما يخص أسرة آل الرواف في علاقاتها مع الملك عبدالعزيز، كانت صاحبة ولاء ووفاء للملك وسياسته في بناء الدولة، وفي يوم كان الشيخ إبراهيم الرواف في ضيافة الشيخ خزعل شاه، كان الملك عبدالعزيز على موعد في لقاء مع السير برسي كوكس وغيرد تروبيل، وذلك بحضور الشيخ خزعل شاه، وقد أخبر خزعل شاه إبراهيم الرواف بلقائه بالملك عبدالعزيز، وأخذه معه وقد رحب إبراهيم الرواف بلقاء الملك عبدالعزيز، ومن خلال اللقاء قال خزعل شاه للملك عبدالعزيز، هذا إبراهيم الرواف وابنه ياسين، فكان رد الملك عليه، هؤلاء منا، وطلب الملك من ياسين ابن إبراهيم: تعال معنا نأخذك لبريدة من هالشايب -يقصد والده إبراهيم-، فتبسم وقال ياسين أنت تأمر طال عمرك، فتلك هي الصورة في العلاقات بين آل الرواف والملك عبدالعزيز رحمه الله، فقد قدمت العديد من أبنائها في الانخراط في الأعمال الرسمية في الدولة من خلال جميع قطاعاتها، فمنهم السفير ومنهم العسكري والدبلوماسي، ومنهم المرحوم خليل الرواف في أمريكا كأول نجدي يقصدها، وكان فيها أشبه بسفير غير مكلف في ولائه لبلده رحمه الله، ومنهم من تولى إمارة عرقة.
- محمد عيد الرواف والأعمال التي كُلّف بها هي كثيرة المهام والأعمال التي تولاها محمد عيد الرواف رحمه الله، وبصفته الوظيفية في وزارة الخارجية، فقد رافق الشيخ عبدالله الفضل ناظر الشؤون الخارجية، في السفر إلى إيران للتوقيع على معاهدة صداقة معها، وكان الملك عبدالعزيز، قد أوكل الفضل بالتوقيع على المعاهدة مع الجانب الإيراني نيابة عن الملك عبدالعزيز، وقد قصد الوفد إيران وفي طهران قلدهم الشاه أوسمة فارسية، بعد التوقيع على المعاهدة المؤرخة في يوم (18 ربيع أول 1348هـ - نوفمبر 1929م)، وفي يوم 25 من الشهر نفسه عادا إلى جدة عن طريق بغداد.
- قنصلاً في دمشق لكل من سوريا ولبنان:
جاء تعيين محمد عيد الرواف قنصلاً عاماً في دمشق، وكان بمثابة قنصل فيها لكل من سوريا ولبنان، بموجب تكليف مؤرخ في يوم (25/2/1349هـ - 1930م)، وكانت القنصلية الهولندية تقوم بأعمال فرنسا بالنيابة عنها، وتحتفظ الدارة في قسم الوثائق المعنية بتكليف الرواف قنصلاً للمملكة في دمشق، إضافة لوثيقة اعتراف من رئيس فرنسا بقبول محمد عيد الرواف قنصلاً لبلاده في سوريا ولبنان، كونهما مستعمرتين من قبل فرنسا، وقد تم استدعاؤه من دمشق، ليعين في وزارة الخارجية، مساعداً لوزير الخارجية السعودي، وتعيين رشيد بن ليلى خلفاً له بدمشق، وذلك حسب كتاب أصدرته المفوضية الهولندية بجدة، ومكتوب باللغة الهولندية، بتاريخ 23 مايو 1933م، وقد ذكر رشيد هذا بخير، عند العقيلات وعند الشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ علي الطنطاوي، وقد جاء بعده عبدالعزيز بن زيد قنصلاً بدمشق.
- الشيخ محمد عيد الرواف وزيراً مفوضاً في بغداد:
شقيق المؤلف محمد عيد الرواف 1928 م
بعد اللقاء التاريخي بين الملكين الملك عبدالعزيز وملك العراق فيصل بن الحسين، بتاريخ (22/2/1930م)، على ظهر البارجة البريطانية (لوبن)، وما تم الاتفاق بينهما عليه، بعد عدة جلسات، انتهى اللقاء فيما بينهما في (24) من الشهر نفسه، فقد مهد للقاءات قادمة بين الدولتين كان منها لقاء بين نوري السعيد عن العراق، في مكة والحكومة السعودية، بتاريخ 20 ذي القعدة 1349هـ - 7 أبريل 1931م)، وقد نتج عن اللقاء التوقيع على معاهدة صداقة وحسن جوار، ارتبط فيها عدة ملحقات، تبعها إقامة علاقات قنصلية بين المملكة العربية السعودية والعراق، وقد افتتحت القنصلية عام (1351هـ / 1932م)، وكان أول وزير مفوض لها إبراهيم المعمر، ثم جاء بعده محمد عيد الرواف، وهناك توجيه صادر من المفوضية العراقية في جدة، إلى موظفي الحدود والجمارك العراقية بمساعدة محمد عيد الرواف عند وصوله للحدود، وذلك في (27 حزيران 1937م)، وقد عمل معه في ملف المحفوظات، كأمين لها رواف محمد الرواف.
- محمد عيد الرواف عضواً في مجلس الوكلاء وقائم مقام جدة:
تم تعيينه مع قائمقامية جدة (1354هـ / 1935م)، عضواً بمجلس الوكلاء، وقد كلفهم الملك بذلك ومنهم الشيخ يوسف ياسين، بحيث يحضر ياسين المجلس عندما يكون موجوداً في جدة مع الملك، ومعهم أربعة آخرون، وقد حملت خبر التعيين قائم مقام لجدة، جريدة الأيام الدمشقية لصاحبها (نصوح بابيل)، وهو صديق للشيخ محمد عيد الرواف، وكان قد رفع تحت مسمى وكيل قائم مقام جدة، عدة برقيات من ديوان القائم مقامية، وفيها إفادات عن وصول بواخر من الهند ومصر وغير ذلك مع بيان بأسماء الركاب حجاجاً أم غير حجاج، والبرقيات رفعت لديوان النائب العام للملك، وهو الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وكذلك إلى رئيس مجلس الوكلاء في جدة، وعلى ما أشارت له المراجع، إلى ما يخص الشيخ محمد عيد الرواف، بأن آخر مهامه كانت في العراق كوزير مفوض، ولم أقف على أي خبر في تكليفه لأي عمل بعد انتهاء عمله في القنصلية السعودية في بغداد.
وقد لمع عدد من الأسماء من هذه الأسرة الكريمة في خدمة الدولة، ومنهم ابن محمد عيد الرواف رياض الذي عمل قائماً بأعمال السفارة السعودية في دمشق، وكان عم محمد عيد الرواف المدعو محمد الأحمد الرواف من عقيلات كبيس في العراق، حيث كان له بيت هناك، ومنهم محمد الرواف أمير عرقة، وعبدالرحمن الرواف كان من رجالات الملك عبدالعزيز، ومن سكان عرقة.
- ولادة محمد عيد الرواف ووفاته:
كما سبقت الإشارة فإن إبراهيم الرواف كان قد استقر بدمشق، وبنى داراً له في حارة أجتعلين القريبة من حي الميدان، وكانت ولادة محمد عيد في دمشق، وذلك في عام (1314هـ / 1892م)، وحتى جميع إخوانه ياسين وخليل الرواف، جميعاً ولدوا في دمشق، ولكل أجل كتاب فقد كانت وفاته في مدينة الرياض عام (1383هـ / 1963م)، رحمه الله تعالى، بعد سنوات طويلة من خدمة البلاد، تركت خدماته في إدارة حكم الملك المؤسس للبلاد، سيرة كريمة عنه، اختزنت مكتبة أرشيف الوثائق القائم في دارة الملك عبدالعزيز، رفعة قدره وسمو مكانته عند الملك عبدالعزيز، وعند الأمير فيصل بن عبدالعزيز رحمها الله، تاركاً فيها لأبنائه وأحفاده من بعده السير على خطاه في الولاء والوفاء للدولة رحمه الله تعالى.