الطيب الهزازي.. أول رئيس للديوان الملكي
د.عبدالكريم السمك: الرياض
جاءت قضية الاهتمام بشخصية هذا الفاضل رحمه الله، لكونه من رعيل بناة الدولة الحجازية النجدية، بعد توحيد الإقليمين تحت اسم مملكة الحجاز ونجد ومحلقاتها، فكان فيها رئيساً للديوان السلطاني، كما كان ملازماً للملك عبدالعزيز عند إقامته في الحجاز. ومن جانب آخر، فقد وجدت في أوراق المرحوم أمين سعيد رسالتين كان قد أرسلهما الطيب لأمين سعيد، وهو رئيس الديوان السلطاني، عندما كان أمين سعيد يصدر في القاهرة أول مجلة سياسية في العالم العربي، وهي مجلة الشرق الأدنى، ومن خلال الرسالتين، أدركت مكانة الرجل في الدولة وعند الملك عبدالعزيز، لاسيما وأنه كان في طليعة رجالات الحجاز الذين باركوا سياسة الملك في توحيد الحجاز بنجد، لما فيه مصلحة الحجاز. ومقابل موقف الطيب الهزازي هذا، فقد حظي بسمو المكانة عند الملك، فتم تعيينه رئيساً للديوان السلطاني.
وقد تقصدت -كاتب الترجمة - التعرف على شخصية الطيب الهزازي ، وكان ما وقفت عليه لا يفي بالغرض ، فيسر الله لي أن أتعرف على قريبه الدكتور محمد الصبيحي بارك الله فيه، وقدم لي بعض القطوف من أخباره هاتفياً، حتى تم لي الوقوف على أخبار الطيب.
النشأة والمولد
في مدينة جدة كان مولد الطيب بن حسن الهزازي، وهو من أبناء أسرة الهزازي الحجازية، وهو مجهول سنة المولد ومعلوم سنة الوفاة، والتي كانت سنة (1353هـ - 1934م). أما عن نشأته، ففي مدينة جدة نشأ وتعلم، وفق النظام التعليمي الذي كان سائداً فيها، سواء نظام الكتاتيب أم حلقات المساجد، أو عن طريق التعليم الخاص في بيوت أهالي جدة، حيث كان المعلم يأتي لبيت الطالب ويدرسه أنواع العلوم. وقد تبوأ مكانة علمية أهلته كي يكون عضواً في مجلس (المبعوثان) عن مدينة جدة في عهد السلطان عبدالحميد، ومن خلال وجوده في تركيا أتقن اللغة التركية، ومع خلع السلطان عبدالحميد عن الحكم، غادر إسطنبول قاصداً دمشق، وفيها عمل رئيساً لمحكمة الاستئناف، وفي دمشق تزوج بامرأة دمشقية، وعاش فيها سنوات ما قبل وحدة الحجاز بنجد، ويبدو أنه كان في ولائه عثمانياً، حتى أقام في دمشق وتأخر في العودة إلى موطنه، ولربما جاءت عودته لبلده مع وحدة الحجاز بنجد، وأن علاقاته مع الحكم الهاشمي كانت غير مرضية، حتى كان من أسبق الناس في تأييده لسياسة الملك عبدالعزيز في توحيد الحجاز بنجد، أملاً بتحسن حال الحجاز وأهله في ظل حكم الملك عبدالعزيز له.
مجلس (المبعوثان)
هو الاسم المختصر لمجلس (والاي أحكام عدلية)، تم إنشاؤه في عهد السلطان محمود الثاني في ظل حكمه من سنة 1808-1839م، الذي شهد عصره قانون التنظيمات الخيرية، أو نظام الملل، وهو في نشأته (أي مجلس المبعوثان)- جاء ليقوم بالنظر بالدعاوى الواقعة بين الحكومة والشعب، وقد وسعت صلاحياته عام (1278هـ - 1861م)، وألغي عام (1284هـ - 1867م)، وأنشئ بدلاً منه مجلس شورى الدولة، أو القول بأنه انقسم إلى قسمين الأول: ديوان الأحكام العدلية، والثاني: مجلس شورى الدولة، أما عن الطيب فقد،غادر استانبول بعد خلع السلطان عبدالحميد وقصد دمشق ليقيم فيها.
وفي دمشق تزوج بامرأة دمشقية رُزق منها بثلاث بنات، وليس هناك ما يشير إلى التاريخ الذي عاد الطيب فيه إلى موطنه الحجاز، ولربما كان هذا التاريخ، مع نجاح سياسة الملك عبدالعزيز في فتح الحجاز وتوحيده بنجد، فلم تكن شخصية الهزازي معروفة رسمياً قبل التوحيد، إلا وهو في ظل إدارة الملك عبدالعزيز، حيث كلفه الملك عبدالعزيز برئاسة الديوان السلطاني مع البدايات الأولى للإدارة السعودية، وقد جاء تعيينه في رئاسة الديوان في 3/ 9 / 1344هـ، وامتدت سنوات عمله في رئاسة الديوان السلطاني الملكي، قرابة العامين، حسب ما أشارت له الرسالتان اللتان أرسلهما لأمين سعيد، وقد حملت جريدة أم القرى خبر تعيينه رحمه الله.
عضويته في مجلس الشورى
في عام (1345هـ)، دُمج المجلس الأهلي المحلي، بالمجلس الاستشاري، وكان قد صدر في دمجه قرار ملكي، ليكون بديلاً عن المجلس الأهلي، وقد التأم المجلس الجديد برئاسة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، نائب الملك في حكم الحجاز، فكان أول أمير سعودي يتولى إدارة شؤونه، وكان من مهامه أن يترأس كذلك مجلس الشورى، الذي بلغ عدد أعضائه اثني عشر عضواً، وقد شارك المجلس في نهضة الحجاز، بعد أن رغب الملك عبدالعزيز في أبناء الحجاز ليكونوا شركاء في بناء الوطن، وبخاصة في شؤونه الحكومية والإدارية والتعليمية والاقتصادية، ففي الدورة الثالثة لمجلس الشورى التي عقدت في 2 / 3/ 1349هـ، وبحضور الملك عبدالعزيز، تم تشكيل المجلس من النائب العام الأمير فيصل ومستشاريه، وستة من ذوات الحجاز تم تعيينهم من قبل الملك عبدالعزيز، حيث بلغ عدد أعضائه ثلاثة عشر عضواً، كان من بينهم الطيب الهزازي، وقد امتد عمر المجلس حتى سنة (1350هـ) وخرج منه الطيب الهزازي، مع كل من ذياب الناصر، وصالح شطا، وعبدالله الجفالي، ومصطفى الخطيب، وكانت هذه الدورة هي الوحيدة التي شارك فيها الطيب الهزازي.
وفيما بعد خروجه من مجلس الشورى، كان متواصلاً وبشكل مباشر مع مجلس الملك عبدالعزيز عندما يكون في الحجاز، لاسيما وأنه كان يتمتع بثقافة قانونية، إضافة لإلمامه باللغة التركية.
أخباره في جريدة أم القرى
- مرافقته للملك عبدالعزيز عندما عاد للرياض بعد توحيد الحجاز بنجد، حيث أشارت الجريدة عن عودته من نجد إلى الحجاز، وكان قد رافق الملك في سفره يومها.
- مرافقته للأمير سعود بن عبدالعزيز، عندما قصد مصر لعلاج عيونه، وعندما عاد من مصر عاد وبرفقته أحمد شفيق باشا مفتش الخارجية المصرية ورشيد باشا، وقد استقبلهم عند قدومهم أبو صالح شلهوب رئيس الأموال بنجد، مرحباً بحضرتهم.
رسالتا الطيب إلى أمين سعيد
الرسالة الأولى وما جاء فيها:
الختم السلطاني في أعلى الكتاب وعلى اليمين، كتب فيه:
رئاسة الديوان العالي الملوكي -عدد-
الديوان السلطاني
بسم الله الرحمن الرحيـم
حضرة الفاضل الكاتب الشرقي القدير أمين بك سعيد المحترم: بعد التحية وبث الأشواق القلبية بهذا البريد بعد فترة من الزمن وصلني العدد الثامن من مجلة الشرق بدون تحرير فتصفحتها فوجدتها كأنها توحي بما في الضمير، مشحونة بالحقائق والفوائد، فلام غرو فإن المحرر الذي له معرفة وإلمام واتصال تام بأحوال البسيطة عامة وبمسائل الشرق خاصة، حق له أن يدرك الحقيقة ويبرهن على النتيجة، لهذا أتمنى لحضرتك وللمجلة، دوام التوفيق والنجاح، غير أني استغربت من حضرتك عدم تبشيري بهذا المشروع الحسن المفيد للبلاد والعباد بوقته، أتظن أني لا أُحبذ ذلك، أو كأنني لا أعلم به في حينه، وأنني أعطف هذا التكتم على سوء تفهم، ونوايا الزائرين لمصر من بعدي، لأنه ما راق للبعض حرصنا على منافعهم وأساليبهم الموهومة، وعلاوةً فإن ذلك كان بالرغم، ومكرهٌ أخاك لا بطل، ومغبوط عليه من جهة أخرى، ومن قبل، رَبِّ أسْعِد أمين سعيد وأبعده عنا، وهذا يصدق به عرفانك ومداركك، وعلى كل حال؛ هذا هو ما كنت أتمناه حتى حقق به الآمال، ولا بد من أن ينكشف الحجاب، ويعرف الحق من الحب الخلاب، مصداقاً لقوله تعالى: (فأما الزَبَد فيذهب جُفاء). ثم لي عتاب آخر هو عدم إرسال المجلة من العدد الأول، مع أنني اطلعت عليها بيد الأعيان، فإذاً هذه مسألة فيها نظر، أن تظن أنني لا أدفع البدل فظنك بمحله، لأن للمجلة خدمات مهمة يجب القيام بها، وهذه لا تكون إلا بمقابل مادي ومعنوي، أقلها التجنيد والثاني الترويج لدى الأفكار العامة، وعلى ما يقال (بروبا غندة)، فهذه من بعض البدل المقدم للقائمين بهذا العمل، فإن لم تقبل بذلك، وإلا فأُحولك على يوسف مصر، والي بنك، أحببت قليلاً أُناقشك بعض الحساب، وأما الباقي فهو إن شاء الله عند التلاقي، أنا أتخيل أن تجمعنا الأقدار تحت سماء مصر لكن ما أعرف الوقت؟ رغم إفك الأفاكين، ورخص مساعي الحُساد والمنافقين، عندها إن شاء الله نتفاهم على الباقي، وإنه معنا حيث كنا، نعود إلى الموضوع فمع البُشرى أرى ولله الحمد، مجلتكم موشحة بحوادث الحجاز المُسرة، ونهضته الإصلاحية، فازداد سروري، وهذه خدمة تقدموها لعامة المسلمين، وخاصة للناطقين بالضاد، تستوجبون عليها الشكر من العموم، ما عدا بعض الأفراد الذين عُرفوا وعرفتهم الحوادث، وشَذّوا عن الجماعة، فهؤلاء باؤوا بالخسران، وخسروا الدنيا والآخرة، هذا شيء شرحه يطول، لا أريد البحث فيه، نتركه للتاريخ والمؤرخين، نرجع إلى البحث عن حالتك الخصوصة -الخصوصية-، على كل حال أعتقد أنك مسرور وتُغبط على ما أنت فيه، نحن ولله الحمد عندنا شيء واحد هذا -هذا- الكل في الكل، ولا سواه: مشاهدة البيت الحرام، وشرب ماء زمزم، والصلاة في المقام، وأتمنى أن تحضر إلينا هذا العام، لتشهد هذا المشهد العظيم، وتفوز فوزاً عظيماً، الآن أكتفي بذلك، والسلام على من يعز عليك وتعرف علينا لديك، ما حالة عبدالغني الرافعي اليوم؟ عسى بوصول صديقه وابن وطنه عطف عليه، ونظر لما بينهما في الماضي من الخدمات الجليلة التي لا تنسى فهوّن أمره، لا بد لك من علم من ذلك، وسلامي إلى حضرة محب الطرفين، شكري بك فران، ومن لدينا السيد عبدالوهاب نائب الحرم، وفي الختام أُهديك الأشواق والاحترام 17/جمادى الأولى 1346هـ.
محمد طيب الهزازي
تعقيب على ما جاء في الرسالة
كتبت الرسالتان باللغة الإملائية التي كانت تسود عصر تاريخ الرسالتين، وتم لي تصويب بعض الكلمات، وكما هو مبين فقد بدأها بالسلام والتحية على أمين سعيد، وفيها يفيده عن وصول العدد الثامن من المجلة، والصادر في (يوم الأربعاء في 6/ جمادى الثانية 1346هـ - 30 نوفمبر 1927م)، وقد احتوت المجلة على عدد من المحاور الإخبارية عن نهضة الحجاز في ظل وحدته بنجد، وجاءت المحاول على الشكل التالي:
المحور الأول: أهم الأخبار بين نجد والعراق، وفيه حديث عن فيصل الدويش وهجومه على الحدود العراقية بسبب بناء مخافر على الأراضي النجدية، وفي المحور حديث عن مؤتمر الكويت لتحديد الحدود، وسعي الملك عبدالعزيز بتجنب وقوع أي حادث بين مواطنيه ودولة الكويت.
والثاني في المحاور: وهو المهم، فقد جاء معنياً بموضوع نظام الحكم في بلاد العرب، وكيف أن الملك عبدالعزيز يقيم في الحجاز لتنظيم أمور الدولة فيه، في جميع الجوانب التنظيمية، وفيه أيضاً نظام التابعية والتي جاءت في إحدى عشرة مادة.
والثالث من المحاور: جاء معنياً برسائل المكاتبين للمجلة، وفيها رسالة عن الحجاز، وحكاية إرسال أول بعثة علمية لمصر بقصد الدراسة، وعدد طلابها أربعة عشر طالباً، وسيدرسون دراسات متنوعة، إضافة لموضوع العلاقات الحجازية النجدية مع السوفيت، والخبر عن وصول باخرة (بانتوميس) السوفياتية وهي تحمل بضائع في طرود بلغ عددها (9054) طرداً.
أما الرابع من المحاور: فقد جاء خاصاً بالعلاقات النجدية العراقية، بعد حادث هجوم مطير بقيادة فيصل الدويش على مخفري (البصية وسلمان)، وقد تجلت شخصية الملك عبدالعزيز في هذا المحور، على أنه حاكم نجد والحجاز كشخصية مهابة الجانب، وقد تعامل مع الواقعة بحكمة وشجاعة، ففي الوقت الذي توعد الذين هاجموا المخفرين، كان قد خاطب الإنجليز الذين رسموا الحدود بين العراق ومملكة نجد والحجاز، في أن هناك غبناً في تحديد الحدود النجدية العراقية، وأن الحدود قد اقتطعت من الأرضي السعودية ودخلت في الأرضي العراقية، حتى حصل ما حصل بين القبائل وخفر الحدود العراقية.
والرسالة وثقت سفر الطيب الهزازي إلى مصر مرسلاً من الملك عبدالعزيز إلى الملك أحمد فؤاد ملك مصر، ومعه أفراس من خيرة الخيول العربية، وفي ختام الرسالة كما هو مبين وجه الدعوة لأمين سعيد، وتمنى عليه أن يزور الحجاز، ليزور الحرم المكي، كما جاء في الرسالة تعقيب من الطيب الهزازي على أنصار البيت الهاشمي، والذين نالوا من شخصية الطيب الهزازي، وإن لم يسمعهم.
وجاء تاريخ الرسالة كما هو مذيل في آخرها، والذي هو (17 / جمادى الأولى / 1346هـ)، وقد اعتبرتها الرسالة الأولى بسبب تاريخ تقدمها على الرسالة الثانية في تاريخ إرسالها. أما الرسالة الثانية فقد جاءت معنية في سؤال الطيب الهزازي عن حال سوريا فيما بعد ثورتها ضد المستعمر الفرنسي، وفيها يتمنى الخير لأهل سوريا، وقد أرخت الرسالة في 21 / رمضان / 1346هـ.
وفاته رحمه الله
كان الطيب الهزازي دائم الصلة بمجلس الملك عبدالعزيز عندما يكون في الحجاز، من تاريخ التحاقه في ديوان الملك وحتى وفاته، فقد كان يطوف مع الملك عبدالعزيز طواف الإفاضة، وذلك عندما تعرض لمحاولة اعتداء آثم من ثلاثة يمانيين، وذلك في (العاشر من ذي الحجة لسنة 1353هـ - 1934م)، وحسب ما أفادني فيه الدكتور محمد الصبيحي مشكوراً، بأن الطيب لعله أصيب بصدمة تركت أثراً في جسده الضعيف، وحمل نفسه قاصداً منزله، حيث لم يكن معه في البيت أحد، وفي البيت ركن إلى فراشه ليلقى وجه ربه رحمه الله، وقد افتقدوه في مجلس الملك حيث غاب عن المجلس، فقصدوه في البيت ليجدوه ميتاً على فراشه، وقد حملت صحيفة صوت الحجاز في عددها (151)، وتاريخ 26/ 12 / 1353، خبراً عن وفاة عباس مالكي أحد أعيان مكة، وأشارت الصحيفة في الخبر نفسه أن الطيب الهزازي من أعيان مكة الذي تولى مناصب حكومية رفيعة، والأصح أن وفاته في اليوم الذي حصل فيه الاعتداء على الملك عبدالعزيز، وهذا الخبر متواتر في أسرة الهزازي، وكما أشرت في إفادة الدكتور الصبيحي.
محتوى العدد الثامن كما أشار له الطيب الهزازي
العدد (8)
س 1- ع8 (الأربعاء 6 جمادى الثانية 1346هـ - 30 نوفمبر 1927م)
1 - أهم أخبار الأسبوع. بين العراق ونجد.
ص 3-4
2 - نظام الحكم في بلاد العرب. كيف يُحكم الحجاز؟ الحلقة (6)
ص12-14
3 - رسائل المكاتبين. رسالة الحجاز.
ص17-18
4 - رسالة العراق: فتنة جديدة بين العراق ونجد.
ص -21 22