تمثل الصور النمطية الخرائط العقلية والصور الذهنية في عقولنا، وهي تعني الحكم لوجود فكرة مسبقة، فإذا سمعنا عن أي فئة أو مجتمع يقوم من خلاله الفرد بتعميم هذه الفكرة لكن دون تأكيد لصحتها، فالجميع هنا سيفكر ويجتهد ويستذكر ما سمع ويستحضر ما لديه من معلومات عن هذه الدولة أو المجتمع أو غيرها ليصل إلى ما يريد. والصور النمطية بحد ذاتها تصور يتسم بالتصلب والتعميمات المفرطة عن خصائص الأفراد، إضافة إلى أنّها طريقة لاختصار عدد من الخصائص عن فرد آخر أو مجتمع بأكمله والميل إلى وضع الأفراد بنمط من التوقعات غير الواقعية، ويتم التعامل معهم بناء على ذلك. وإذا تعمقنا قليلاً في الأمر نكون قد أصدرنا أحكاماً غير واقعية عن فئة أو مجتمع أو مجموعة دون معرفتهم ودون مخالطتهم، وهذه المعلومات قد تكون مبنية على مصادر ليست حقيقية أو تخلو من المصداقية، وقد تكون من مصادر مجهولة هدفها التخريب والتشوية على مجتمع بأكمله أو فئة مميزة من العالم، وقد تكون هذه المعلومات مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي مثل (Facebook)،(Instagram).. وغيرها.
إن الصور النمطية قوالب جاهزة للتفكير دون تردد عند البعض، ولكن بالحقيقة لن تبقى موجودة ولا ثابتة دون تعديل على مثل هذه الأفكار، والتشوهات الفكرية، وفي أغلب الأوقات الصور النمطية ما هي إلا صور مزيفة وغير حقيقية وغير واقعية ولا تمت للواقع بصلة، ويكون الواقع دون ذلك تماماً. وعندما نشاهد شخصاً من هذا المجتمع يصفه ويتهمه الآخرون بأن لديه صوراً نمطية نجد بأن هذه الأفكار غير صحيحة، وأن هذه الصور مغلوطة، وعندما نتعامل معه نجد عكس ذلك، وأن الصور النمطية التي أخذت عنه وعن مجتمعه مسبقاً غير صحيحة، ويعود السبب في هذا لأن الصورة النمطية ليست صحيحة وليست بالضرورة صادقة أو حقيقية، فعندما نرى مجتمعاً متعلماً ومتطوراً، لديه قيم وأخلاق عالية، ومجتمعاً متماسكاً يُحافظ على الأسرة، ومجتمعاً أصيلاً وكريماً يحترم المرأة وتحضى المرأةُ عندهم بالمرتبة العليا ولديه وجهات سياحية عالمية؛ تكون الصور النمطية هي آراء واجتهادات وأحكام من أشخاص رؤيتهم لا تمت للواقع بصلة، وقد تكون انطباعات لأشخاص فقط.
إن الصور النمطية من المنظور النفسي والاجتماعي لها أبعاد متعددة: أولاً: البعد المعرفي، ويتعلق بالمعلومات التي يدركها الأفراد عن الظاهرة، والتي تتمثل بموضوع الصورة، وعلى سبيل المثال معرفة الفرد بموضوع معين يتعلق بدولة أو مجتمع أو شعب لديه عادات وتقاليد أو خلفية تاريخية أو جغرافية وغيرها لبلد ما أو أي معلومات أخرى، ويتوقف هذا البعد على حجم المعلومات ودقتها وماهية المصادر التي قدمتها، حيث يتأثر حجم الصورة الذهنية بدقة وحجم المعلومات ومدى صحتها، فلو نظرنا للمرأة في الزمن الماضي لما استطعنا تصور ما بذلته من جهود لتصل إلى ما هي عليه الآن في كل دول العالم، لكن المرأة أثبتت أنها عكس ما كانت عليه في الصحف والصور الذهنية السابقة لتستطيع إثبات نفسها على كافة الأصعدة في كل دول العالم، فهي القائد والسياسية والطبيبة والمعلمة والأكاديمية والكثير من المراتب العليا التي حققتها، ولو نظرنا للسابق لما شاهدنا أن صورة المرأة مغايرة لما هي عليه الآن، إنّ المرأة مميزة بكل ما فيها، فهي المثابرة الشغوفة التي تحافظ على دورها في المجتمع وتظفر بالمراتب والمناصب العليا، كما أن للمرأة بصمة بارزة في كافة القطاعات الناجحة، وهذا يدفعنا إلى أن نقول بأن الصور الذهنية الماضية التي غرست في العقول بأن المرأة غير قادرة، وهي فقط ربة منزل؛ لا تعكس صورة الحاضر. وما شاهدناه في حياتنا اليوم من تطور وحضارة في كافة الدول العربية في السياحة وفي التعليم وفي الطب وفي الإعلام؛ أيضاً نشاهد من خلاله الجهد الدؤوب لهذا الإنسان الذي يسعى دوماً إلى أن يكون في المقدمة ليصبح قادراً على منافسة الآخرين من كل الدول المتقدمة.
ثانياً: البعد الوجداني، ويتعلق بالميل العاطفي للفرد سلباً أو إيجاباً تجاه الظاهرة موضوع الصورة، ومنها على سبيل المثال: عاطفة شعب ما وانفعالاته نحو شعب آخر ومدى تقبله له، وتتأثر تلقائياً بالمكون المعرفي، وتُبنى مع مرور الوقت.
البعد الثالث: البعد السلوكي، ويقصد به سلوك الفرد تجاه الظاهرة بموضوع معين، ومدى قبوله أو رفضه لها، على سبيل المثال: السلوكيات أو النوايا السلوكية للفرد في السفر إلى دولة أخرى، مما يعني أن بعد السلوك يتوقف على العلاقات بين الشعوب ومدى تقاربها جغرافياً وثقافياً. ويعتبر دور وسائل الإعلام في تكوين أو تدعيم الصور الذهنية أكثر سهولة من دورها في تغيير وتعديل الصورة تبعاً لترتيب الأبعاد الثلاث التي ذكرناها سابقاً، فوسائل الإعلام تستطيع أن تؤدي دوراً واضحاً وقوياً في تكوين الصور الذهنية عن الموضوعات والقضايا الجديدة التي لا يتوفر عنها أي معلومات.
فإذا نظرنا للسياحة والوجهات السياحية المختلفة في العالم نجد الترويج لجهات سياحية مختلفة في العالم، وهنا نكون قد شكلنا صوراً بشكل مسبق عنها قبل زيارة المكان، ولكن من خلال وسائل الإعلام، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال العديد من الأمور؛ تتشكل لدى الفرد صورة إيجابية أو سلبية عن هذه الأماكن، وإذا كانت هذه الصورة إيجابية من حيث المكان والتكلفة والمناخ والتعامل والمطاعم فإن الأفراد في مختلف دول العالم يرغبون في زيارة سياحية لهذا المكان ليقضوا إجازتهم دون تردد، وهذا الأمر يشجعهم، لأن العالم أصبح الآن بفضل وسائل التواصل الاجتماعي قرية صغيرة، فالإنسان الذي يرغب في التغيير ويرغب بمعرفة الوجهات السياحية الجديدة يستطيع من خلال وسائل الإعلام معرفة ذلك، وللإعلام دور كبير يؤثر ويشجع. كذلك فإن الأفراد الذين تشكلت لديهم صور نمطية وذهنية مسبقة عن الوجهة السياحية والمجتمع والدولة؛ نجدهم يفرحون عندما يزورون الدولة التي أخذوا انطباعاً مسبقاً عنها، ليتعاملوا مع شعبها بكل سعادة، ويكون هذا الشعب شعباً مضيافاً وشعباً كريماً وشعباً معطاءً، وهذا الشيء سيغير من هذه الصور الذهنية النمطية غير الصحيحة والصور المغلوطة غير الحقيقية.
لقد أصبح موضوع الصور النمطية من الموضوعات المهمة المعاصرة، نظراً لما لها من دور في التأثير على الشخصية العامة أو المؤسسة أو المجتمع بأكمله. وتتشكل الصورة الذهنية من خلال الانطباعات عند الناس نتيجة الملاحظة الشخصية أو من خلال التقارير المكتوبة أو المسموعة أو المرئية ومن خلال وسائل الإعلام والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن مصادر الإعلام لها تأثير في تغيير وتعديل قناعات وقرارات وثقافة الشعوب، فهي مرجع للكثيرين حول العالم.