تأتي الصورة النمطية لتصنيف الأفراد أو الجماعات أو ما يكون في محيطنا، بناء على تصنيفات العرق والدين والنوع الاجتماعي والثقافة والمستوى المعيشي والمالي والتاريخ والعمر والأصول والدولة والمنطقة..إلخ، وهي تصنيفات وقوالب جاهزة يتم تعميمها لتصبح حكماً مسبقاً ثابتاً يُطلق بشكل فوري وسريع.
وتنشأ الصورة النمطية من التعميمات المُبسطة على الشيء دون التعمّق فيه، ما يؤدي إلى فكرة خاطئة وصورة نمطية جاءت من قول شائع، كما تنشأ من التأثيرات الثقافية أو الثقافة الشعبية المتداولة أو ما تتناقله الأجيال دون تحقق، إضافة إلى القوالب الموروثة والتربية والتعليم التي تخلق الصورة النمطية بسهولة من خلال تربية الفرد على اتجاهات وأفكار الأسرة والعادات والموروثات والقصص أو من المعلّم الذي قد يكرّس الصورة النمطية ويصنعها كل يوم، أيضاً من المشاهدات والتجارب الشخصية المحدودة التي تصنع صورة نمطية من تجربة بسيطة ظاهرية أو سطحية، لذلك فالنمطيّة هي في خانة الاتهام أو في خانة الخطأ الذي يحتاج إلى تصويب، وليس ذلك فحسب، بل هي معيق للتنمية وإشغال للمجتمع بشؤون أخرى تزيد التفرقة بدلاً من انشغاله في الإبداع.
يواجه الخبراء صعوبات جمّة في عملية معالجة وتصحيح الصورة النمطية في المجتمع الذي ينتشر فيه التنميط، وكسر هذه الصورة يواجه بالكثير من التحديات، لأن تغييرها يحتاج إلى تغيير فكر الشخص نفسه الذي تعرض لتراكمات لسنوات طويلة أنتجت لديه هذه الصورة وهذا الفكر الذي هو أشبه بجدار صلب يحتاج إلى أدوات حفر كبيرة ودقيقة لكي يتم اختراقه.
ولوسائل الإعلام دور، كما هو دور الثقافة، في بناء الصورة النمطية، فكثير من الشعوب لديها تصورات مختلفة كلياً عن شعوب أخرى، والسبب أن هذه الشعوب ترى الآخر بعين وسائل الإعلام التي تسعى إلى التنميط والقولبة وتقديم الأفراد أو الجماعات بصورة تناقض الواقع وحسب سياسة النشر، وهذا ما يجعلنا ننبهر أو نتفاجأ عندما نزور دولة أو منطقة أو جماعات أو أفراد ونراهم على حقيقتهم ونسمع منهم ونجد أن تصوراتنا الفكرية المخزّنة في العقل مختلفة تماماً عن الصورة الحقيقية.
وساهمت سائل الإعلام المنتشرة بإنتاجها المتنوّع في تثبيت الصور النمطية وتعزيز انتشارها عبر الأخبار التي يتم فيها تقديم زاوية محددة وتناسي الزوايا الأخرى قصداً، ما يجعل النمطية تنتقل من جيل إلى آخر، فمثلاً برامج الأسرة والموضة والفن والمرأة في أغلب الأحيان تقدمها مذيعة امرأة على خلاف برامج الرياضة والسيارات والبرامج التي تستدعي التنقل أو السفر، فمقدم البرنامج هو رجل في الغالب، ولا نستثني استخدام تعبيرات وجمل مُنمّطة ومُعزِّزة لأفكار خاطئة، بل في أحيان كثيرة تستخدم كمبرر لأفعال تصنف اليوم كجرائم مثل التحرش (فلو لم تخرج من بيتها لما تعرض لها أحد)، في محاولة لتأكيد القالب المشهور أن أفضل مكان للمرأة هو بيتها، إلى جانب الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية التي كرّست الصور النمطية عن شعوب أو مناطق أو دول أو فئات أو مهن وجعلتنا نأخذ فكرة خاطئة اقتنعنا بها، الأمر نفسه الذي يحدث في منطقتنا العربية التي يتم تقديم أخبارها في العالم على أنها منطقة حروب ونزاعات ولا يتم نشر التطوّر والتنمية والنهضة والمشروعات الكبيرة التي تحدث، كما لا يتم تقديم ذكاء الإنسان العربي وقدراته ومواهبه بل تكون الصورة عنه بأنه العنيف أو الشرير أو قليل الإنتاج، كما يحصل أيضاً مع المرأة العربية أو الأفريقية التي يتم تنميط وجودها وحركتها ودورها بالمجتمع في نقاط محددة، وهذا ما حصل ويحصل اليوم.
إن انتشار النمطية وهو الحاصل اليوم في مجتمعنا العربي على الأقل، يساهم في انتشار أفكار التمييز والعنصرية والتأثير بالهوية الشخصية والشعور بالنقص أو التقصير داخل المجتمع، أيضاً تؤدي النمطية إلى تراجع الاقتصاد وحركة النمو وزيادة انشغال أفراد المجتمع بالصراعات الفردية أكثر من الانشغال بالتطوير والإنجاز، كما تؤدي النمطية إلى الاستبعاد الاجتماعي للأفراد وعدم مشاركتهم في أنشطة أو أدوار بالمجتمع والدولة والتأثير بالعلاقات الشخصية للأفراد وخلق تأثيرات نفسية وسلوكية لدى الأفراد وتقليص الإبداع.
ربما نحتاج إلى الكثير من الوقت لنصل إلى المرحلة التي نتخلص فيها من التنميط ونصبح قادرين على التخلي عن العديد من الصور النمطية المتغلغلة في ثقافة مجتمعنا العربي، بما فيه من صراعات وخلافات وتنميط يصل حد الكراهية والنفور، إذ يجب التحدّث عن هذه الصور النمطية وكشفها وتحليلها وتعليم المجتمع بأسبابها والوجه الآخر لها وعدم تداولها في الإعلام والتركيز على الجيل الصاعد ليس فقط للتخلص من ثقافة الأحكام المسبقة بل إنتاج محتوى إعلامي أو درامي لا ينشر الصور النمطية بل يفتح الصناديق المغلقة التي تكشف زيف هذه الصور.