يحتل الرمز في الحكاية الخرافية مكانة عميقة ومهمة، حتى غدا أحد خصائصها؛ ذلك لأن العقل البشري يذهب دائماً إلى ملء فراغات الأشياء بالمعنى، واضعاً لها تفسيراً وتعليلاً يستريح إليه ويطمئن، (والرمز لا بد أن يتمتع بحالة من الاستقرار في فكر الجماعة)،(1) كما أشارت الدكتور نبيلة إبراهيم وإلا فقد الرمز أهميته ومفعوله، لينتهي مع مرور الزمن. فهو موروث شعبي يمثل فكر الشعوب وطريقة نظرتها للكون. وقد تحدث فردريش فون ديرلان(2) أن الحذاء والقدم يمثلان قوة لها أثرها في الحب، كما مثلت المرآة قوة سحرية، حيث يستطيع من خلالها البطل معرفة الأمور الخفية، وكما مثّل الرداء أيضاً قوة، حيث كل من يمتلك الرداء شخص يستحوذ كذلك على صاحب الرداء، حيث غدا الرمز أحد الخصائص المهمة والأساسية للحكاية الخرافية. ونحن بصدد دراسة رمزية السمك التي تمثلت في العديد من الحكايات الخرافية، ما جعله رمزاً قد استقر في الذهنية الشعبية، إذ نستقرئ في الموروث الجمعي للحكايات ما للسمك من مكانة مهمة في حياة الشعوب، ذلك أن السمك يمثل الغذاء الرئيس للشعوب التي تسكن بالقرب من البحار والأنهار، كما يعد صيد الأسماك من أقدم المهن لديها.
فمن خلال بحثي رأيت أن هذه الشعوب قد مثل لها السمك رمزاً ما، إلا وهو الخصب، وما نبحث عنه هنا ليس فقط الخصوبة الجنسية التي تعالج العقم كما سنرى في بعض الشعوب؛ بل هو الثراء المادي والمعنوي، وهذا ما سنراه من خلال نصوص الموروث الحكائي، والذي يمثل شاهداً على الفكر الإنساني لتلك الشعوب. ففي مدينة القطيف شرق السعودية، وهي مدينة ذات عمق حضاري قديم، على ساحل الخليج العربي، ما جعل أهلها يشتغلون في البحر منذ القدم. وتوجد حكاية خرافية تقول: إن فتاة تسمى فطوم (فاطمة)، توفيت أمها وتزوج أبوها من امرأة، وأصبحت هذه المرأة تعامل فطوم كخادمة تضربها وتقسو عليها، وأنجبت زوجة أبيها بنتاً أسمتها خدوج (خديجة)، وفي يوم من الأيام أعطت فطوم أربع سمكات كي تغسلها وتنظفها عند نبع الماء، ولما ذهبت وهي تغسلها نطقت السمكة: ابديحتي ابديحتي هدّيني واغنيش..
ولكنّ فطوم خافت في بداية الأمر، وتذكرت العقاب الذي سيقع عليها، ولكنها في النهاية تركتها. ولما عادت لاحظت زوجة أبيها أن عدد الأسماك قد نقص، فقامت بعقابها بالضرب، وبعد مدة زمنية تزوجت فطوم (فاطمة) وفارقت بيت أبيها، وكان ذلك خلاصاً لها من العذاب والقهر. وبعد سنين ذهبت لنبع الماء فلما اقتربت وإذا بسمكة بدحة تقترب منها وتلفظ في حضنها جوهرة فعرفت أنها ذات السمكة..
وفي البحرين خرافة مشابهة إلا أن خرافة بلد البحرين تجعل سمك الفسكر بدلاً من البدحة، ولعل ذلك يعود إلى أن سمك البدحة في ثقافتهم غير سمين حتى أنهم يضربون المثل به فيقولون: (لين (أو إذا) سمنت البدحة)(3)
ولعل نوع السمك ليس له أهمية بقدر ما للسمكة من بعد ميثولوجي في حياة هذين الشعبين، فالقطيف والبحرين تعودان لذات الحضارة، ولقد كانت قديماً ضمن إقليم واحد وهو بلاد البحرين، ولذلك لا عجب حين نرى ذات الآثار وذات الميثولوجيا والتشابه الكبير بينهما. لقد احتل العمل في البحر جزءاً كبيراً من حياة هاتين الحضارتين، فهو مصدر رزقهما، سواء في صيد اللؤلؤ أو في صيد الأسماك، حيث كانوا يصطادونها للتجارة أو للغذاء، وصار السمك رمزاً للخصب والثراء والغنى، فاستقرت رمزيته في ثقافة الشعوب وصار أحد مفاعيلها وتبجّله وتحترمه.
فنلاحظ في خرافة فطوم أن سمكة البدحة قد قدمت لها جوهرة مما نقلها من حياة البؤس والشقاء إلى حياة الغنى، بينما في الخرافة البحرينية تتحول السمكة إلى امرأة لتغدق على الفتاة حمّدة بالحنو وتقدم لها الغذاء، فحمّدة رغم قيامها بمهام البيت من التنظيف والطبخ فهي لا تنال نصيبها من الطعام، فتركض مسرعة جائعة ومتعبة إلى البحر وتناديها وتطلب منها حاجتها فتقول وهي تنادي: ماما سفيجري.
فتأتي لها وتقدم لها الطعام، وهكذا إلى أن تزوجت حمّدة من شيخ القرية وهو ذو غنى وثراء، وكل ذلك من وراء تدبير السمكة، حيث نقلتها من حالة الجوع والفقر إلى الثراء والامتلاء مما أثار غيرة أم أبيها كثيراً.(4)
وفي جزيرة تاروت شرق السعودية، وهي من أقدم الحضارات التي عاش فيها أقوام عدة؛ نجد تقديساً وتعظيماً للسمك في حياتهم الاجتماعية، حيث دأب أهل تاروت عند إعلان الخطوبة أن يقدم المتقدم للزواج بضعة كيلوجرامات من السمك لأهل العروس، وكذلك لسكان الحي دلالةً على الرغبة في الزواج، وبدء حياة جديدة بما تحمله السمكة والمرأة من رمز للخصوبة والحياة.
فكما أن الآثار المادية من قطع فخارية أو مقابر تعد شاهداً على حضارة قد بارت وانتهت؛ فإن الحكايات الخرافية كذلك تعد شاهداً على شعب ما في نظرته للكون وفي تصوراته، فالبطلتان فطوم وحمّدة إلى جانب شخصية السمكة مثلوا مظهراً من مظاهر الخصوبة والحياة والحب، ففاطمة قد انتقلت إلى الثراء والغنى كما عاشت حمّدة موفورة الطعام والغذاء وقد تزوجت من الشيخ الغني وعاشوا في سعادة وهناء، كل ذلك يأتي من وراء السمكة.
وهذا يذكرنا بأسطورة الآلهة عشتار عند البابليين التي هي آلهة الحب والجمال والخصب، وعشتاروت عند الفينيقيين الذين سكنوا تاروت منذ أزمنة موغلة في القدم.
وقد نقل لنا الروائي عبده خال في الأساطير التهامية أسطورة (تدبير أم ابن الصياد)،(5) الذي مات والده وقامت أمه على تربيته ورفضت كل متقدم للزواج منها بسبب جمالها، ولكنها آثرت نفسها على تربية ابنها ورعايته، وقد دفعته إلى أن يعمل في البحر مع رجل حتى استطاع العمل لوحده، حيث يركب في كل يوم الهوري (قارب صغير) ويبحر ويصيد الأسماك ومن ثم يذهب للسوق ويبيعه، ويأخذ سمكة بعد ذلك لأمه ليأكلاها سوياً، وذات يوم جاء إلى أمه بسمكة وحين قامت تنظفها وشقت بطنها عثرت في بطنها على لؤلؤة سمراء (قماشة)، فرحت بها وأرادت أن تخبر ابنها، ولكنّها آثرت السكوت على أن تخبر ابنها، وأخذت الأم تخطط من أجله كي يستطيع الزواج من الأميرة، أمرته أن ينفذ أوامرها بدون أي اعتراض.. وهكذا تسرد لنا الحكاية الخدع التي قامت بها الأم من أجل أن تقنع الأميرة بالزواج من ابنها الصياد.
فمن خلال اللؤلؤة التي كانت تخبئها السمكة في بطنها استطاع أن يتزوج من الأميرة، فهذه السمكة قد أثرت الصياد وجعلته غنياً كما أنه أنجب الأبناء.
ويروي لنا الأخوان غريم خرافة تقول إن عجوزين فقيرين كانا يسكنان في قدر فخاري كبير وعتيق قرب البحر، وفي كل يوم يذهب العجوز للبحر ليصطاد سمكاً، وذات يوم وقعت سمكة كبيرة ومفلطحة في شباكه فأخذت تتكلم وتقول: (أنا لست سمكة حقيقية أنا أمير مسحور، ما الذي ستستفيده من قتلي، لن تستطيب لحمي، أعدني إلى الماء واجعلني أذهب)، فتركها الصياد وعاد إلى زوجته فأخبرها بما حدث له وغضبت وقالت له: ألم تطلب منها أن تحقق لك شيئاً؟
فقال: وماذا عساي أن أطلب؟
فأمرته بأن يذهب وأن يطلب من السمكة كوخاً بدلاً من هذا القدر، فذهب رغماً عنه ونادى السمكة التي لم تتردد في تلبية طلبه، وفي المرة التالية طلبت منه زوجته بيتاً حجرياً بدلاً من الكوخ، ومن ثم طلبت أن تصبح ملكة، وفي كل مرة يذهب زوجها المسكين ويطلب ما تأمره به زوجته. وكانت طلباتها تتوالى فأمرت زوجها أن يذهب للسمكة، ويطلب أن تصبح قيصرة ومن ثم بابا.. وهكذا بلغ الطمع في المرأة أنها تريد أن تكون مثل القادر العزيز.
فركع الرجل على ركبتيه راجياً منها أن تتواضع وتكتفي بأن تكون البابا، ولكنها استشاطت غضباً وأمرته بالذهاب للسمكة وتنفيذ طلبها.
فذهب الرجل العجوز ونادى السمكة وأخبرها بطلب زوجته، فقالت له: (اذهب إليها فهي في القدر العتيق ثانية).. وهكذا عاشا فيه طوال حياتهما.(6)
وفي الأساطير الأوزبكية تحدثنا خرافة عن (السمكة الذهبية)، وأوزباكستان تقع على بحر آرال، كما أنه يطل عليها نهر جيجون أو سيحون الذي يمر على مدن مهمة في التاريخ، منها سمرقند. وتقول الحكاية: ذات يوم حين كان الأب مع ابنه يصطادان السمك إذ علقت في الشبكة سمكة ذهبية، ولما شاهدها الأب فرح بها وقال لابنه: احرس السمكة الغالية يا بني، بينما أذهب إلى الحاكم وأخبره عنها، فربما يمنحنا هدية ثمينة.
وانطلق الأب وظل الصياد الشاب مع السمكة وهو ينظر إليها وهي تقاوم الموت وتحاول الخلاص من الشبكة فرق قلبه لها وأطلقها.
ولما عاد الأب مع الحاكم ولم يرها غضب الحاكم وظن أنه يكذب عليه فأمر بتوثيق الصياد الابن ووضعوه مربوطاً في القارب ودفعوه إلى عرض البحر، وذهب الحاكم وظل الصياد الأب وهو ينظر إلى ابنه وهو لا يستطيع فعل شيء له.
صار القارب يسير نحو جزيرة في وسط البحر ولما وصل إليها القارب خرج من خلف الأشجار شاب يشبهه تماماً، وجاء إلى الصياد الابن وحل وثاقه وتعانقا وشكره على صنيعه، وأخرج الشاب قطعة خبز وقسمها نصفين وأعطى النصف للصياد.. وهكذا أصبحا صديقين، حيث تبين له فيما بعد أنه السمكة التي أنقذها من شباك الصيد، حيث أعانه في التجارة وفي الزواج من ابنة الملك في أحد البلدان حتى عاد إلى أبيه غنياً.(7)
وفي أساطير الحجاز يورد لنا عبده خال خرافة (ابن الصياد)،(8) وهي خرافة مشابهة لما ورد في الأسطورة الأوزبكية باختلافات بسيطة، إلا أنهما يحملان ذات الهيكل العام. وهذا مدعاة للدهشة والتأمل عن سر هذا التشابه بين حكايتين حجازية وأخرى أوزبكية يبعدان جغرافياً عن بعضهما، والمفارقة هو أن الخرافة ضمن أساطير الحجاز وهي أرض جبلية تقع فيها سلسلة من الجبال، وهذا يجعلنا نتساءل هل الخرافة انتقلت إليهم؟ وممن انتقلت؟ هل من الحجاز إلى أوزباكستان أو بالعكس؟ بينما لم يحدثنا التاريخ عن أي اتصال بينهما تجارياً أو ثقافياً، أو هي انتقلت من الأساطير التهامية نظراً لأنهما يقعان في ذات البلد؟
الحاجة إلى نشر القيم الأخلاقية والروحية والاجتماعية وترسيخها هي أحد هموم كل الشعوب، وحين تنتقل إلى شعب ما ويقبلها وتتعهدها الألسن بالرواية إنما يدل على حاجة هذا الشعب لنشر قيمة ما، رغم عدم وجود بحر فيها، إلا أنها تكون قد تقبلتها لما فيها من قيم أخرى كالوفاء بالوعد، كما فعلت الجني مع الصياد، وبما أن السمك لا يعيش إلا في الماء فإنه كان لا بد للراوي الاحتفاظ بالثيمة الأساسية للخرافة ويحافظ على نسيجها العام، بينما قام بتغيير الحوادث إلا أنه احتفظ بفكرتها العامة، إلا وهي رمزية السمكة.
كما أن للمصريين تقديساً للسمك في حياتهم، فقد نقل لنا ج.جيمس في كتابه (الحياة أيام الفراعنة.. مشاهد من الحياة في مصر القديمة): يقول فيه (...ونشاهد كذلك مقايضة بالسمك، والبائع يقول: سلم ما معك وأنا أعطيك مقابله سمكاً، ونرى أيضاً بائع أختام يشكل ختماً أسطوانياً في مقابل سمك منزوع المعي، وهو يقول في سعادة ظاهرة: سأسلم لك الخاتم في مقابل ما أحضرته من سمك وضميري مستريح، فهذا ثمنه).
وتحدثنا الميثولوجيا البلغارية (التي تقع على ساحل البحر الأسود) عن رمزية السمكة ووجودها في مفاصل حياتهم ومعاملاتهم، كما تنقل إلينا الأستاذة فيخرا بايفا من معهد الإثنولوجيا والفولكلور بمتحف إثنوغرافي لأكاديمية العلوم البلغارية: كان ينظر إلى السمكة على أنها ترمز للبدء الأنثوي أي للخصوبة والإنجاب، ويقال حسب المعتقد الشعبي إنه لا يجوز أكل السمك إلا في الأشهر التي تحتوي أسماؤها البلغارية على حرف الراء، أي فترة ما بين شهري أيلول ونيسان، وهو الجزء البارد من السنة، إذ يفسد السمك في الأشهر الحارة.
أما المستوى الرمزي فيمثل السمكة متعلقة بالماء وأعماق البحار والعالم التحتي، حيث تقوم الأرض على سمكتين أو ثلاث أو على حيتان أو على قرني ثور وضع أظلافه على سمكة. والعلاقة بين السمكة والعالم التحتي تدل على علاقة قائمة بين السمكة والخصوبة، فهناك اعتقاد يقول بأن بلع سمكة أو أجزاء منها يساعد على الإنجاب.
وفي البلغار يرتبط السمك بالعقم، فتقول الأستاذة فيخرا بايفا: ويجدر الذكر بوجود طريقة أخرى تربط بين صورة السمكة والعقم، حيث تروي بعض الأغاني قصة عروس لعنتها أمها بإنجاب الولد إذا سمعت سمكة تغني في البحر الأسود. فحين عرف زوجها بذلك عزم على التزوج ثانية فأمر أخاه بالذهاب بها إلى شاطئ البحر وإغراقها. وحينها ترحم الله عليها فجعل السمكة تغني حقيقة ثم رجعت العروس إلى زوجها وأنجبت ولداً عجيباً على صدره بدر وعلى وجهه شمس.(9)
ولقد كان هذا المعتقد موجود في سائر الشعوب، فكان سائداً بأن للسمك علاقة بالإنجاب، وكان مشاعاً على ألسنة كبار السن هذا المعتقد.
ويحدثنا التاريخ حين كانت المسيحية الرومانية مضطهدة من قبل الديانة الوثنية التي كانت سائدة، حيث كانت الديانة المسيحية محرمة، اعتمد المسيحيون رمز السمكة دلالة للتفريق بين المسيحي وغيره، بدلاً من الصليب على شواهد قبورهم إلى أن انتصروا في النهاية واستخدموا الصليب.
السمك في الرؤى والأحلام
تعد الرؤى المنامية منذ القدم مماثلة للواقع، فحين يرى الإنسان رؤيا فإنها تشكل لديه معنى ما، ولقد حظيت الرؤى باهتمام الإنسان، واعتبرها ترمز للواقع إما لشيء مضى أو لشيء سيحصل له مستقبلاً، ولذلك اهتم الإنسان برؤياه لمعرفة تفسيرها ومدى مطابقتها للواقع. والجدير بالذكر أن الرؤى المنامية تأتي محملة بالرموز كما يرى فرويد، يحتاج الرائي أو المفسر لتفكيك تلك الرؤيا، وهنا تتلاقى الرؤى مع الحكاية الخرافية بحملهما للرموز، فكما أن الحكاية تتضمن رمزاً ما فإن الرؤيا أيضاً كذلك، فمثلاً رؤية الماء الصافي في المنام تختلف عن رؤية الماء العكر في تفسيره، ورؤية الطير في قفص يمثل رمزاً ما، غير الذي نراه يطير. وبلحاظ رمزية السمكة في الرؤى فإنها تتلاقى كثيراً مع رمزية السمك في الحكاية الخرافية، وبالرجوع لكتاب تفسير الأحلام لابن سيرين، وهو أشهر كتب التفسير؛ نجد أنه يورد تفصيلاً حول رؤية السمكة، إذ تفسيره يعتمد على الرائي وحال السمك، من حيث الشكل واللون والعدد، وسنورد هنا التفسيرات التي تتطابق وتتوافق مع ما قرأناه في الحكايات الخرافية، من ذلك قوله: إن من رأى في المنام أكثر من أربع سمكات فإنه ينال المال والغنيمة والرزق، وهذا المعنى تردد كثيراً في الحكايات الخرافية، حيث نجد أن السمك كان سبباً في توفير المال والرزق لأبطال تلك الخرافات. ومما قاله ابن سيرين: من شاهد أنه يصطاد في البركة في الماء العكر فإن تلك الرؤيا غير صالحة ولا خير فيها، ومن رأى أنه يصطاد السمك الكبير دل ذلك على الخير والمنفعة الكبيرة، ومن رأى أنه يصطاد السمك الصغير فإن ذلك يدل على زوال النعمة.
ومن رأى أنّه ينظر لسمكة مقليّة دلّ ذلك أنّ دعوته قد أجيبت، والله تعالى أعلم. ومن رأى أنّه في السّوق وأمامه الكثير من السّمك، فاشترى سمكةً واحدةً، فيدلّ ذلك على أنّه سيشتري جاريةً، وإن كان السّمك في مكان غير السّوق أو مجهول، واشترى سمكةً، فإنّه سيتزوّج. ومن رأى أنّه يأكل في سمكة تالفة ومنتنة، ويترك الطعام الجيّد والسّمك الطازج، دلّ على أنّ صاحب الرّؤيا سيأتي امرأةً بالحرام، ويترك الزّواج الحلال.
ومن رأى أنّه يفتح السّمكة ويخرج منها لؤلؤةً أو اثنتين، فإنّه يكسب مالاً من خلال زوجته، أو ينجب منها ولداً، أو توأماً، ويكون فيهم الصّلاح والخير.
وقال ابن سيرين: من رأى أنه يصطاد سمكاً ذا لون بني، وكان صاحب المنام في واقع الأمر يرغب أن يشارك أحداً في مصلحة محددة، فيدل ذلك على التوفيق والنجاح بين الشركاء، أما من رأى في منامه أنه ينظر لقعر الماء ويرى سمكاً ميتاً، فمعناه أن صاحبها لن ينال منها أو لن تتحقق أمانيه.
من رأى في الحلم السمك واستطاع معرفة عدده، فهذا يعني النساء، وإن لم يستطع فيدل السمك على الخير والمال.
ومن رأى أنه يصطاد السمك في الماء النقي العذب دل على الخير له ولولده إن كان رزق الولد، وإن اصطادها في الماء المالح فالعكس صحيح.
أما من رأى أنه ينظر للسمك ذي الحجم الكبير في أسفل الماء أو النهر أو البركة ويصطاد منه ويأكل كيفما يشاء، فيدل ذلك على أنه سيصيب مالاً وكنزاً وخيراً كثيراً.
ويقول مفسر الرؤى النابلسي: (من رأى أنّه أصاب في بطن سمكة لؤلؤةً، أو لؤلؤتين، أو أكثر فإنّه يصيب من امرأة مالاً، أو ينال ولداً غلاماً، أو ولدين ذكرين أو أكثر، وذلك على قدر اللؤلؤ، فإن أصاب في بطنها خاتماً فإنّه دولة لصاحب الرّؤيا، وعزّ يرجع له).
وهذا يذكرنا بحكاية تدبير أم الصياد الذي رواها عبده خال في الأساطير التهامية، حين وجدت المرأة لؤلؤة في بطن السمكة التي اصطادها ابنها.
وعلى ذلك فإن هناك بعض الرؤى التي تدل على السوء كالموت أو السجن أو المرض أو الخديعة، ولكننا آثرانا ذكر ما يخدم موضوعنا مراعاة للاختصار.
ومن خلال ما عرضناه من الشواهد التاريخية والحكايات الخرافية رأينا أن السمك قد كان يحتل مكانة ورمزاً عند مختلف الشعوب، وبخاصة تلك التي تسكن بالقرب من البحار والأنهار، حيث ظل السمك مباركاً في معتقداتهم وفي مفاصل حياتهم الاجتماعية، فلقد كان السمك منذ القدم غذاء تلك الشعوب المحترم، حتى ارتقى من كونه غذاء صحياً إلى أنه رمز للخصب والغنى والثراء.
1 - كتاب الإنسان والكون في التعبير الشعبي، نبيلة إبراهيم، الناشر المكتبة الأكاديمية.
2 - الحكاية الخرافية لفردريش فون ديرلان، ترجمة نبيلة إبراهيم.
3 - أسماء الأسماك التي تستخدم في التشبيه والأمثال، مقال حسين محمد حسين، صحيفة الوسط البحرينية، 2 مايو 2011م، العدد 3160.
4 - حكايات شعبية من البحرين، جمع وتدوين فاطمة محمد الحوطي. إصدار مجلة الثقافة الشعبية.
5 - أساطير تهامية عبده خال، دار الساقي.
6 - حكايات البيت، الأخوان غريم. ترجمة د.نبيل الحفار، الناشر دار المدى.
7 - أساطير شعبية من أوزباكستان، الجزء الأول، ترجمة عبدالرحمن عبدالرحمن الخميسى، المجلس الأعلى للثقافة.
8 - أساطير حجازية، عبده خال، دار الساقي
9 - مقال (رمزية السمكة في ثقافة البلغار التقليدية وفولكلورهم) للأستاذة فيخرا بايفا، الموقع:
http://bnr.bg